مقداد عبدالرضا/
ساليري في العام 1984 وفي جو رمادي يوحي بالموت يصرخ بألم, موتسارت, سامحني, سامح قاتلك, اعترف بانني قتلتك, لتبدأ رحلة الغيرة والحقد, غيرة الخوف من الموهبة الباسلة والشامخة, رحلة فك الأسر, موت, جنون, حلم مر مرتعشا بسرعة نيزك ليعود بنا بقلوب وجلة الى العام 1974 خوفا على ذلك الهندي (ويل سامبسون) وهو يقتلع قاعدة الماء ويطوح بها بعيدا حيث يتساوى تدفق المياه مع الحرية,الهندي يغادر عش الوقواق, ماكمورفي يرقص فرحا, حرية, بقاء, موت, نحن ولدنا لنكون احرارا, مجنون ذلك الذي يسعى لمحو الانسان من على سطح الأرض, المخرج ميلوش فورمن (19 شباط 1932 – 18 ابريل 2018) يختصر حياته بهذين الفيلمين (احدهم طار فوق عش الوقواق 1974, اماديوس 1984), تشكوسلفاكيا وفي العام 1945 تؤمم السينما وتبدأ مسيرة تتأرجح بين الفكرة والتخلص منها، بين ان تكون تابعا وبين ان تتحرر, تهرع بقلب عامر خلف الجمال, كان صراعا بين الايديولوجيا والتحرر منها, وبما ان الفكرة نشطت في تلك الفترة فقد اعتبر الكثير بان السينما قد وضعت براغ فوق خارطة العالم, نتج عن ذلك ظهور مجموعة من المخرجين اطلق عليهم اسم مجموعة براغ, كان من بينهم المخرج ميلوش فورمن الذي انجر فيلم (بيتر وبافلا 1963), فورمن ظل قلقا, هذا القلق كان يدفعه لمراقبة الشارع والناس, قبولهم ورفضهم, (كان يسير في أحد شوارع العاصمة التشيكوسلوفاكية براغ، عندما لمح فتاةً شقراء تسير على الجانب الآخر من الطريق، تحمل بيدها حقيبة سفر ولا تبدو في عجلة من أمرها، حتى أنها تتشاغل عما حولها بالنظر إلى كعب حذائها وكأنها تحاول قتل الوقت. يقترب فورمان من الفتاة ويتجاذب معها أطراف الحديث، فتحكي له الفتاة حكاية عن مدينتها الصغيرة، يتناولها فورمان بعد ذلك في فيلمه “يوميات شقراء” الذي عُرض عام 1965، وهو الفيلم الذي جعله واحدًا من أهم مخرجي “الموجة التشيكية الجديدة” في السينما) تصحو مدينة براغ في 21-8-1968 على صباح مدجج, الدبابات أمام كل بيت, حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي يحتل البلاد للحد من اختراق النظرة الجديدة للفكرة والتي انتشرت بين الشباب والمثقفين والكثير من قطاعات الشعب, اطلق عليها ربيع براغ, لكنها للبعض كانت خريفا ومن ضمنهم ميلوش فورمن, يقرر المغادرة, كانت هناك قبلها مغادرة أخرى فقد تم فصله من الاستديو الذي كان يعمل فيه لانه سافر الى باريس خفية وانجز فيلما هناك, يغادر البلاد, امريكا هي الحاضنة وبالذات نيويورك ليصبح استاذا في أول افلامه في العام 1971 (الاقلاع), يلتقيه كيرك دوكلاص الذي سبق وان زار براغ وتعرف على سينماها, التقاه كيرك دوكلاص وحدثه برغبته في انتاج رواية كين كيسي (احدهم طار فوق عش الوقواق) ويوعده دوكلاص بان يرسل له الرواية ليطلع عليها, لكن ذلك لم يتم, بعد سنوات, مايكل دوكلاص يعرض عليه انجاز نفس الرواية, يخبره فورمن سبق لابيه ان وعده بارسال الرواية لكنه لم يفعل، انجز الفيلم وعد واحدا من اروع افلام السبعينات على الاطلاق, بل الافضل في تاريخ السينما قاطبة (حاز الفيلم على افضل خمس جوائز اوسكار, افضل فيلم, افضل مخرج, افضل ممثل, افضل ممثلة, افضل سيناريو), انه الهم الذي يحمله فورمن, البحث عن الحرية, الخلاص, يهدأ قليلا ثم وفي العام يطلق صرخة كبيرة ضد الحرب, جاء الفيلم الموسيقي الكبير هير), كيف تلتهم الحرب ارواح المحبين.. 1984 هو عام خالد لفورمن وللسينما, حمل معه رواية بيتر شافر عن حياة الموسيقار فولفجانج اماديوس موتسارت, البعض ادار ظهره (من يجرؤ على انجاز فيلم عن موسيقي كلاسيكي؟) , ينجز الفيلم ويحصل على ثماني جوائز اوسكار من ضمنها افضل فيلم وافضل اخراج, ثم بعدها يبدأ العد التنازلي, لعله الوهن او الاكتفاء بمجانين موتسارت,, يتجه لانجاز افلام للعيش على الرغم من حصولها على بعض الجوائز العالمية, يظل الهاجس الوحيد هو الوطن الاصل، فعلى الرغم من غيابه الطويل وحصوله على الجنسية الامريكية في العام 1977, الا ان افلامه التي انجزها في بلاده الاصل، لاقت النجاحات الكثيرة في مهرجانات العالم, في العام 2011 يعتزل وينزوي بعيدا, من قرية تدعى تشاسلاف حيث ولد في العام 1932 الى ولاية كونيتيكيت حيث المغادرة بعيدا يوم الثامن من شهر ابريل الماضي, لقد استطاع فورمن طيلة حياته ان يمسك العصا من الوسط فلقد نجح في بلاده وكذلك في مهجره..