عبد الجبار خلف/
ما ان سألت الحاج هاشم الرجب (2004-1923) الخبير في المقام العراقي عن يوم مميز من عمره حتى كان ذلك اليوم الآذاري من عام 1950 على طرف لسانه، فحكى لي عنه.
قال الرجب: ان يوم الأحد الموافق 5 /3 / 1950 ما زلت اذكره جيدا، فقد كنت قبل هذا اليوم قد كتبت مقالا في جريدة الزمان عن المقام (الحسيني) الذي أدّاه وقتها المرحوم محمد القبانجي من الاذاعة، وقلت ان ما قرأه القبانجي ليس هو مقام الحسيني!!.
واضاف: وفي يوم 4 /3 / 1950 اتصل بي هاتفيا السيد حسين الرحال (الله يرحمه) وقد كان مديرا للاذاعة وسألني: هل انت كاتب المقال؟ فقلت له: نعم، وسألني ثانية: هل تقرأ المقام؟ فأجبته ايضا: نعم، وعلى الفور قال لي: ستكون حفلتك في الساعة التاسعة والنصف من مساء يوم غد!!، فارتبكت.. بل دخت و(انسطرت)، فلم اتوقع ان اقرأ في الاذاعة، حاولت ان اتمالك نفسي فقلت له بهدوء: اقبل بشرط وجود يوسف فتو وصالح شميل،(وهما اشهر عازفين على الجوزة والسنطور) مع جالغي بغداد، فوافق الرجل، لكنني بقيت مرتبكا وغير مصدق لذلك.
وتابع بعد لحظات: لم أخبر احدا بالأمر سوى زوجتي، وفي اليوم التالي الذي هو يوم 5 / 3 / 1950 استأجرت سيارة أجرة من منطقة الأعظمية حيث اسكن الى الصالحية حيث مبنى الاذاعة، وقبل ان أصل الى الصالحية وبالتحديد قرب السفارة البريطانية تعطلت السيارة، نفد وقودها، فوجدت هذه فرصة مناسبة، وقلت مع نفسي (خوش مصادفة، سأنهزم، العن ابو هالشغلة)، لكنني توقفت.. فقد اعطيت الرجل مدير الاذاعة كلمة وصرت ملزما بالذهاب.
وتأمل قليلا كأنه يتأمل تلك اللحظات ثم قال: ومشيت المسافة المتبقية الى الاذاعة ثم دخلت واجريت مع فرقة جالغي بغداد تمرينا، وغنت قبلي المطربة سعاد محمد، وجاء دوري من الساعة التاسعة والنصف حتى العاشرة، وهو موعد ختام الاذاعة آنذاك، وقرأت للمرة الأولى من الاذاعة وباسم مستعار هو (أحد جماعة الهواة) خوفا من أبي لانه لايقبل ويعتبر ذلك عيبا، لكنه مع ذلك عرف صوتي وتخاصم معي.
ومع ابتسامة لاحت على شفتيه اضاف: في هذه النصف ساعة قرأت مقام البيات (ايا معشر العشاق بالله خبروا/ اذا اشتد عشق بالفتى كيف يصنع)، ثم قرأت شوقي دوكاه (واحد صغير وآخر كبير) وبين (هي خوف وهي مراجل طلع خوش مقام!!).
وختم الحاج هاشم الرجب استذكاره بالقول: هذا اليوم اعتبره مهما لان قارىء الاذاعة يعني أبهة وسمعة ومنه تشجعت لاستمر مع المقام العراقي.