هل نجحت السينما الفلسطينية في عكس مأساة الاحتلال الصهيوني؟

محسن العكيلي/
يتفق النقاد على أن صناعة الأفلام ظلت غير معروفة تقريباً في فلسطين قبل نكبة عام 1948. وتشمل الاستثناءات عدداً قليلاً من الأفلام الوثائقية أو شبه الوثائقية التي أنتجها مخرجون يهود، التي صورت فلسطين ومدنها وحياة سكانها، لكن طفرة حقيقية في صناعة الأفلام في فلسطين حدثت بعد ظهور الحركة الثورية الفلسطينية.
نشأت السينما الفلسطينية خلال حركات السينما السياسية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي، لكنها كانت فريدة من نوعها كجهد سينمائي مؤسسي، وإن كان متواضعاً، ضمن حملة التحرير الوطني لشعب محتل. قام صانعو الأفلام العاملون داخل منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال قنوات أخرى، بتصوير الثورة وهي تتكشف، بما في ذلك القصف الإسرائيلي لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والحروب الأهلية الأردنية واللبنانية، والحياة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، في محاولة لخلق لغة سينمائية بما يتوافق مع الثورة واحتياجاتها. لقد جربوا الشكل لتحقيق الاستخدام الفعال للمواد المحدودة ومعالجة أحداث العنف والخسائر كوسيلة للحفاظ على المشاركة النشطة في المشروع السياسي الفلسطيني.
سينما النكبة
بعد النكبة، لجأ المخرجون الفلسطينيون إلى دول عربية عدة، من بينهم (إبراهيم حسن سرحان) الذي أخرج فيلم (صراع في جرش) عام 1957، و(عبد الله كعوش) الذي أخرج فيلم (وطني الحبيب، 1964)، وفي العام 1969 أخرج (عبد الوهاب الهندي)، خريج المعهد العالي للسينما في القاهرة، فيلمي (كفاح حتى التحرير) و(الطريق إلى القدس)، وهما فيلمان ضمن سلسلة الأفلام الروائية التي تتحدث عن فلسطين والقضية الفلسطينية من خلال قصص النضال التحرري وبطولات الفلسطينيين ضد العدو الصهيوني. بينما أخرج المخرج الفلسطيني (محمد صالح الكيلاني)، الذي هاجر إلى القاهرة بعد النكبة، مجموعة من الأفلام الوثائقية، بعضها عن فلسطين، مثل فيلمه القصير (قاعدة العدوان) عام 1964، ثم عام 1969 وبعد انتقاله إلى سوريا، أخرج فيلماً بعنوان (ثلاث عمليات داخل فلسطين)، وهو فيلم روائي طويل كتب السيناريو له بالتعاون مع سمير نوار.
أصبحت القضية الفلسطينية الموضوع الأساسي للسينما الفلسطينية بعد نكبة 1948، وحتى في الوقت الحاضر، إذ إن من النادر أن تجد فيلماً فلسطينياً يدور حول أي حدث آخر. بعد الاحتلال، لم تكن السينما مجرد شكل فني يتطور مع تطور الأدوات واحتراف الهواة، بل كانت أيضاً أداة ضرورية لتوثيق المواجهة التي مرت بمراحلها المختلفة، وكانت السينما معاصرة لكل هذه المراحل، إذ كان لكل منها تأثيرها.
تطور مرئي
المخرجون الفلسطينيون باتوا مقتنعين بأنه لابد من أن تكون هناك لغة سينمائية أخرى، لغة تكون أكثر تأثيراً، ويمكن أن تصل إلى العالمية، لغة لا تعتمد الدم والرصاص مدخلين لها. وهذا يعد تطوراً لافتاً في انتقالها إلى سينما فلسفية وفكرية. كان لابد على صناع السينما من أن يطوروا أدواتهم وموضوعاتهم بما يتجاوز المألوف.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي، تمتعت السينما الفلسطينية بحضور عالمي خارج العالم العربي، حيث ظلت عالقة لعقود طويلة. إذ لجأ بعض صانعي الأفلام الفلسطينيين إلى الدول الأوروبية، حيث عملوا ودرسوا السينما. لقد حاولوا إخراج مشاريعهم من نطاق السينما الفلسطينية الثورية العادية لخلق نوع جديد تماماً من السينما. وكان بعض هذه الأفلام مستقلاً، في حين قامت مؤسسات ثقافية وفنية بتمويل بعض آخر. كما ظهر مخرجون عدة منهم (ميشيل خليفي) الذي قدم العديد من الأفلام التسجيلية والروائية، ومن أفلامه (الذاكرة الخفية، وحكاية الجواهر الثلاث، وعرس الجليل)، وقد حصل فيلمه (عرس الجليل) على (التانيت الذهبي) في أيام قرطاج السينمائية عام 1988. والمخرج (رائد أنضوني) الذي أنتج عدداً من الأفلام الوثائقية التي حازت جوائز عالمية. كذلك (رشيد مشهراوي)، وهو أول سينمائي فلسطيني عمل على إنجاز سينما داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفيلمه الروائي الطويل الثاني (حيفا) عام 1996 كان أول فيلم فلسطيني يعرض بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي منذ أن تأسس المهرجان.