سنان باسم /
هل علينا أن نندهش بعد عقود من المتابعة لأفلام هوليود؟ الجواب هنا قد ينقسم على نفسه، بين مؤيد على الأقل، ورافض على الأغلب، والسبب يعود إلى فهم العمل السينمائي من حوار مصاغ بشكل ما، الى صورة معبرة وترمز إلى حالة، أو بعد إنساني معين، أو ما يحدث مع الكثيرين في اللهاث خلف ماكنة أفلام تجارية، أو منزوعة النوعية، وقضاء ساعتين بمصاحبة الفشار في قاعة العرض السينمائي. إذن نحن أمام انشطار ثنائي بين متذوق ومجترٍّ للعمل السينمائي.
ولعل المتصدر لحديثنا هي هوليوود، ماكنة لم تهدأ في صناعة نمطية مضمونها التعبئة أو التكسير بقمم فكرية، والعكس وارد بتحويل الأوهام إلى ثوابت لامناص منها، وعلى رأسها حرب النجوم والكائنات الغريبة التي تبتغي غزو الأرض ودحر سكانها، والأدهى من ذلك كله هو استهداف الولايات المتحدة، بكل ولاياتها، والمتصدي كالمعتاد هو الفرد الأميركي المدافع عن بلاده والأرض على حد سواء!
ولأن الأمر، في ما ذكر، قد يحمل جانباً من قساوة الطرح والتحليل، فهذا لايعني خلو الصناعة الهوليوودية من أيقونات تبهج الناظر، إلا أن اللافت في الصناعة السينمائية الهادفة إلى تأسيس الفكرة وجني ثمارها بعد عقود، هو صناعة جيل تابع ومتابع لأفلامها وأفكارها، والمدخولات المالية من شباك التذاكر لاتتوقف من عد المليارات، وقد لخص أحد مديري شركةMGM الأميركية للأفلام قانون العمل في هوليود بقوله: لا تعنيني أكثر من اللازم مسألة أي نوع من الأفلام ننتج، فالفيلم الذي يستهوي هذه الشركة يستهوي الناس في كل مكان، إننا هنا جميعاً نحب نوع الأفلام الذي ينجح في شباك التذاكر.”
هذا الحال يجرنا إلى الحديث عن وفرة في أفلام الجاسوسية، أو سخونة الحرب الباردة التي جمعت قطبي الصراع، وهما الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، ومنها Charlie Wilson’s War للممثل (توم هانغز)، إذ يتطرق الفيلم إلى معاناة الأفغان جراء التدخل السوفييتي ليبرز دور السيناتور تشارلي ويلسون، والمعروف عنه بأنه زير نساء، بالإضافة إلى أنه يشغل منصب عضو في لجنتي السياسة الخارجية، بالإضافة إلى العمليات السرية، إذ يقوم بتمويل الأفغان بأسلحة تؤدي إلى إسقاط طائرات روسية تشن غارات شبه يومية على مختلف المناطق الأفغانية، بالإضافة إلى فيلم Red Sparrow أو (العصفورة الحمراء) للممثلة الأميركية (جنيفر لورنس)، الذي يتكلم عن اختراق أميركي للمخابرات الروسية، بالإضافة إلى مجموعة أفلام تروج لنفسها بأن العدو الأوحد يأتي من الشرق ولاغيره، رغم مايضاف أحياناً إلى أمثلة من أميركا الجنوبية وشقيقتها الوسطى، ومنها كوبا وكولمبيا وفنزويلا، كل تلك الدول تندرج في إطار العداء المستمر، ومضامينها الهمجية على مستوى الأفراد في ما يحملونه من حقد دفين تجاه الولايات المتحدة والأفراد الأميركيين، وكما هو واضح في فيلم ARGO من بطولة (بن أفلك) الذي يوضح معالم وخفايا ماجرى أثناء اقتحام السفارة الأميركية في العاصمة الإيرانية طهران عام 1979، وكيفية إبراز دور الاستخبارات الأميركية في تكوين سيناريو لاستغفال الإيرانيين في بداية ثورتهم، والتمكن من إجلاء وتخليص الرهائن، وإظهار أفراد الاستخبارات الأميركية على قدر عالٍ من الفطنة والذكاء.
وإذا ما أردنا تحليل جانب آخر في الرواية الأميركية الطبيعية، وفق الطرح المعتاد في الأفلام، فإننا نرى الحياة الوردية ملؤها الفتيات والمال والحرية والضحك والعلاقات الجميلة، بالإضافة إلى جو من الألفة بين الأفراد، ما يعني خلق صورة نمطية ليست واقعية عن متسع من الحرية والمال في بلاد العم سام، هذه الصورة وزعت مجاناً بين ثنايا نتاج هوليود، التي أسست لذهنية مؤيدة لها، وذات مقبولية في صفوف الشباب الأجنبي، وحتى العربي.
لكن الأمر مختلف تماماً بعد استقدام الأعداد الهائلة من الشباب العربي والصدمة تحدث أثر الواقع المخالف تماماً لما يُسمع .
ولأن الصياح يجلب الانتباه، فتلك هي هوليود من حيث قدرتها في تصدر المشهد السينمائي عبر أفلام ركيكة المعنى وتائهة الهدف، تقابلها، في الضفة الأخرى، السينما الإسبانية والألمانية والإيرانية، مروراً بالإيطالية والفرنسية واللاتينية، والتي قدمت نتاجات من الأفلام السينمائية شاركت في العديد من المهرجانات، وتحتوي على رسائل إنسانية هادفة، وصبغة درامية جميلة يتشوق المشاهد لمتابعتها والشغف عنوانها.
بتحليلنا لما ذكر، فإننا، وعلى ما يبدو، أمام حكاية ضبابية بقلم جميل ومسعى ربحي وفكر يمرر ما يحلو له، والقاع هو أبناؤنا لا غير، حينما يعتقدون بما يعطى لهم من أفكار متمثلة بالإلحاد والمثلية والفجور والتحرر الجسدي وغير ذلك من القضايا التي تقبل في أفلامهم وترفض في تكويننا.