يحكى أن

يحررها: محسن العكيلي /

مطربة الحي التي أطربت
بعد سيطرة الأصوات الذكورية على الساحة الغنائية، وانحسار الأصوات النسوية، باتت تلك الساحة تشهد تراجعاً وانحساراً بشكل كبير. كما أن هجرة وتقاعد المطربات العراقيات اللاتي شكلن بصمة واضحة في الذائقة الموسيقية العراقية، كانت سبباً آخر في عدم رفد شريان الغناء بدماء جديدة, فضلاً عن المؤثر الاجتماعي الذي أجهض الكثير من الأصوات المبدعة وهي تخطو خطواتها الأولى في عالم الغناء.
كثرة القنوات الفضائية كانت سبباً مضافاً، فهي تبحث عن الترويج وبث إعلاناتها باستعراض جسد من تؤدي تلك الإعلانات، دون مميزات الصوت, ما جعل غالبية العائلات العراقية يجهضون أية محاولة، أو رغبة، لدى الفتاة من أجل ولوج عالم الفن.
لكن، وسط هذه المؤثرات الاجتماعية والفنية برزت أصوات نسائية كسرت القيود المفروضة وشقت طريقها باقتدار، حتى أمست أصواتاً عراقية تطرب الأسماع وتشكل حضوراً لافتاً: (فريدة)، اسم برز على خريطة الغناء النسوي العراقي، اتخذت من المقام العراقي منهجاً لها، فأجادت هذا النوع من الغناء، لذا احتضنتها مسارح أوروبا والعرب، لتكون بحق (مطربة الحي التي أطربت).

الأم التي تكاد تختفي
دائماً ما تسعفنا الذاكرة بأحد المسلسلات العراقية التي تظهر فيها شخصية الأم المكسورة الجناح، والخاضعة لسيطرة الرجل. ولأن الدراما العراقية لم تكن سوى جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، فإنها طرحت قضايا الأمومة بين قصصها، وخصصت أعمالاً كاملة تحاكي واقع الأمهات ومعاناتهن. ورغم ذلك لم تظهر الدراما العراقية الأم بشكل كبير، بل استمرت في اعتبارها شخصية هامشية بعيدة عن التأثير على الحبكة الدرامية. إلا في بعض الأعمال مثل دور الفنانة عواطف السلمان في مسلسلي (سيدة الرجال وأمطار النار)، ودور الفنانة فوزية عارف في مسلسل (عالم الست وهيبة), والفنانة آسيا كمال في مسلسل (رازقية).
وما زال الاعتقاد الخاطئ يعتبر الأم كائناً ضعيفاً، وظهر ذلك جلياً في أدوار الفنانة سهام السبتي، التي تعد من أهم الأسماء التي قدمت دور الأم في الدراما العراقية, فضلاً عن أدوار الفنانة فاطمة الربيعي في مسلسلات عديدة، منها (الذئب وعيون المدينة), والفنانة سعدية الزيدي في مسلسل (الأماني الضالة), فضلاً عن الأدوار التي قامت بها الفنانات سليمة خضير، وإنعام الربيعي، وساهرة عويد، وسمر محمد.
لابد من أن هناك تقصيراً واضحاً من كتّاب الدراما. ولاسيما في أدوار الأم، فنحن نحتاج إلى أن نشاهد أدوار الأم البطلة، التي تكاد تختفي من الخريطة الفنية، لأن هذا لا يلبي متطلبات المجتمع الذي يسعى إلى جعل دور الأم أعمق وأشمل, ولابد لنا من أن نغوص أكثر في الشخصية، بما يدفع كتّاب الدراما إلى تقديم أعمال تقدم الجانب المشرق من تلك الشخصية، إذ أن من الضروري التركيز على نضال الأم في المجتمع، فهناك قصص ونصوص عن أحداث حقيقية ممكن أن تستثمر في تنفيذ أعمال درامية تظهر المعدن الحقيقي للأم العراقية المثالية.

البصرة يا أم العود
من الجميل أن نغني للوطن وللحياة, أغاني تعبر المسافات, أغاني بضمير حي تقتحم القلوب قبل الحدود, وتعزف سمفونية على إيقاع الوطن وهو يتغنى بأرض تلفظ نارها وتنقش بإزميل عفّتها قصيدة ثورية تضيء كل سراج معتم, بفرحة وانتصار يرسمان ملامح الوطن ويحكيان ملحمته.
الكل يدرك أن للأغنية دورها الذي يجب أن تلعبه، فهي وسيلة سحرية قادرة على التأثير والتوغل في حياة الناس. ومن هنا يدرك أهل الفن أن الغناء بعيد عن حسابات الربح والخسارة، وأن الأغنية هي لسان حال الوطن, ومشاعر الشعب ونبضه, وحكاية تتخطى حدود الزمان والمكان ولا تخضع لمعايير الشهرة والانتشار, إذ أن معيار نجاحها هو القدرة على التغلغل في قلوب المستمعين وترديدها في كل مناسبة.
فنانون عرب شعروا بجرح العراق الذي يعبر أنينه مسارات الوطن, بينما انكفأ بعض من أبنائه بإطلاق الوعود لتنفيذ أعمال تتغنى فيه, يتنقلون بين يخوت الأمراء ويختبئون خلف ستار الجنسية المزدوجة وولاة النعم. هذا الانسلاخ عن عباءة الوطن الذي لا يبرره أي عذر أو وعد يطلق عبر شاشات الفضائيات, في ظل اشتداد الأزمات في بلدان أخرى، كانت رموز الغناء فيها تصدح بحب الوطن: فيروز وصباح ووديع الصافي في لبنان، وكذلك الحال في مصر، حيث لم ينكفئ عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وغيرهم على أنفسهم، بل كان غناؤهم يزداد توهجاً أمام أزيز الرصاص.
الأوطان لا تستسلم، إنما يعقّها أبناؤها, فتبصقهم إلى دائرة النسيان، لعلها تحظى بابن ضال يرحم مأتمها من صرخة الأسئلة. ومابين السؤال والسؤال يضحك الوطن, مستعيداً تاريخه الموغل بالبهاء.

على الوحدة ونص..!
مواقف كثيرة لا نحسد عليها حين يبادرنا بعض الفنانين بمواقف غريبة ومحرجة في آن واحد, على الرغم من أن مسؤوليتنا الصحفية تحتم علينا أن ننشر كل ما يخص أهل الفن على صفحات مجلتنا، لدعم الشباب أو لتسليط الضوء على من ارتكن في الظل.
الالتزام هو أحد ركائز الفن، وربما يكون الركيزة الأساسية, وحين نتصل بأحدهم لإجراء حوار صحفي لإبراز ذلك الفنان، أو الفنانة، وبعد أن يجري الاتفاق على ذلك الحوار، نفاجأ بأمور غريبة. بالتأكيد أن هناك عدداً كبيراً من الفنانين الذين هم في قمة المسؤولية والالتزام، ولكن بعض أدعياء الفن في وقتنا الحاضر، ولاسيما بعض فنانات المسرح التجاري، اللاتي لا يمتلكن تاريخاً فنياً سوى هز الأكتاف على إيقاع (الوحدة ونص), وحين نريد إظهارهن على صفحات مجلتنا، إيماناً منا بدعم المواهب الشابة، نفاجأ بطلبهن مبالغ من المال لقاء إجراء أي حوار. ولو نظرنا نظرة سريعة إلى الأسماء التي أجرينا معها حوارات صحفية من فنانين عرب وعراقيين، ممن يمتلكون من التاريخ الفني ما يوازي أعمار تلكم (الفنانات) لفضلن الجلوس خلف كواليس المسرح, و(على كيفج يا فاتن حمامة)!!