يستهوي الكبار والصغار على السواء.. مسرح الشوارع يسحر جمهوره خارج القاعات

ضحى مجيد سعيد /

تقول الأدبيات التاريخية إن فن الشوارع بدأ بـ”الكرافيتي” الذي ظهر على نحو واضح بعد مظاهرات الطلبة في فرنسا عام 1968، وقد استقر المصطلح وأصبح ثابتاً ومتداولاً في عقد الثمانينات من القرن المنصرم، لكن فن الشارع لم يقتصر على الرسم وحده، فقد شمل الموسيقى والعروض المسرحية والأكروباتية والنحت وفنوناً أخرى مختلفة.
إلا أن المسرح يبدو أكثر تلك الفنون شعبية، لما يميزه من جاذبية اتصالية، وقدرة على الإسعاد المباشر للمتلقين، فضلاً عن الإقناع، ويسعى فن الشارع بكل تفرعاته إلى الاتصال المباشر بالجمهور، متجاوزاً ضوابط القاعات المغلقة، ومقصّراً المسافة نحو وعي الناس ووجدانهم.
المنع هو السبب
عن تاريخ العروض المسرحية التي تُعرض في الشوارع توجهنا بالسؤال إلى الدكتور قيس القره لوسي (كاتب ومخرج مسرحي، 45 عاماً) فأجاب قائلاً: قبل أكثر من نصف قرن منعت الكنائس في أوروبا العروض المسرحية، لأنها كما كان يُعتقد تهدف الى الرذيلة، لذلك تحولت العروض المسرحية الى الشارع؛ تقدمها هناك مجموعات مسرحية جوالة.
وفي سؤال عن مدى الإقبال الشعبي على العروض المسرحية المخصّصة للأطفال يجيب القره لوسي: مسرح الشارع بدأ للكبار ولكن في العقود الثلاثة الاخيرة تحوّل جزء من مساره الى الأطفال عبر فنون مسرح الطفل المتنوعة وهي البانتومايم وصندوق العجب وفن التهريج، وحدث ذلك في دول الخليج، واستدرك القره لوسي قائلاً: هناك مضامين فكرية وفنيـــــة لمسرح الأطفال وهي تختلف تماماً عن مسرح الكبار، فالمضامين الفنيـــة مكلفة إنتاجياً، وهي مبهرة ومدهشة بصرياً، أما المضامين الفكرية فهي الأهم كونها مرتبطة بالجانب التربوي وتشتمل على مجموعة من القيم النبيلة لبناء وعي الطفل في المجتمع على نحو سليم.
وفي سؤال عن علاقة العروض المسرحية في الشارع بالفنون الشعبية، أم هي فن قائم بذاته أجاب القره لوسي: في العقد الأخير انتشرت فنون مسرح الشارع على نحو واسع في المحافظات العراقية مثل البصرة وكركوك وبغداد، طوّرتها ثلة واعية من الشباب أسهموا في انتشاره، مضيفاً أن مسرح الشارع هو تجربة جدية في العراق ولكنها وليدة مسرح “العلبة” على حد وصفه، مشيراً إلى أن العراق ما يزال يتصدر الدول العربية في مجال المسـرح، وإن مجموعة من المخرجين والمؤلفين والممثلين سارعوا الى ممارسة هذا الفن استناداً الى معارفهم النظرية وخبراتهم العملية المتراكمة، فضلاً عن التواصل مع مجموعة من الخبراء المتخصصين في الدول العربية لا سيما تونـس.
وعن عدد فريق العمل بهذا النوع من المسارح يقول القره لوسي: إن عدد الفريق يعتمد على نوع العرض الذي يقدم، فهناك عروض من مشهد واحد وهناك عروض من ستة مشاهد، وفي كل الأحوال العروض التي تتجاوز الثلاثين دقيقة تكون عادة عروض مونودراما، أي مسرحيات الممثـل الواحد.
أفكار مؤثرة
وسألنا مدير الفرقة الوطنية لمسرح الطفل الكاتب والمخرج المسرحي حسين علي صالح عن أنواع فن الشارع فأجاب: فن الشارع مهم ومؤثر وخطير لأنه يستوحي أفكاره وموضوعاته من واقع الشارع اليومي وهنا تكمن خطورته وأهميته في كيفية أن تكون تلك الأفكار والموضوعات مهمة وبعيدة عن السذاجة والبساطة والاستسهال. أما في ما يتعلق بأنواعه فمنها الاحتجاجي والكوميدي والاستعراضي وكل منها له غاياته وأفكاره.
وبالاجابة عن نقطة تتعلق بالرعاية الحكومية لهذا النوع من الفنون يقول صالح: إن الرعاية الحكومية بعيدة كل البعد ليس لهذا النوع من المسرح فقط، ولكن للثقافة والفن عامةً، مشيراً إلى أن ما يقدم اليوم اجتهادات شخصية من مبدعين؛ همهم الأول إنعاش الثقافة والفن في بلد يعاني الفقر في كل شيء، أما عن الانتقادات التي توجه لهذا الفن فهناك من يقول إن هذا النوع من المسرح يفتقد لكثير من مقومات العرض في مسرح العلبة، حيث لا توجد إضاءة ولا تقنيات عالية المستوى ويعوزه كثير من الأشياء لكي يرتقي إلى مستوى العروض المسرحية في القاعات والمسارح الخاصة. ثم إن أغلب العروض فيها استسهال وبساطة في الطرح، إذ يجب على العاملين بهذا النوع من المسرح أن يعملوا بشكل مغاير وكبير لكي تكون لهم خصوصيتهم وأهميتهم في تقديم هذه العروض المهمة كما أعتقد.
وبشأن مدى ارتباط هذه الأعمال الفنية بالعروض التجارية يتابع صالح: العرض التجاري يُقدّم للناس مقابل ثمن، وهذه العروض مجانية تقدّم في الساحات والشوارع ولكن الأفكار التي تقدّم فيها يجب أن تكون كبيرة ومؤثرة وغير سطحية.
وعن أي فنون الشارع أكثر تاثيراً، العروض المسرحية ام الرسم على الجدران وخصائص كل فن أجاب صالح: لكل فن من هذه الفنون اشتراطاته وخصائصه ومواضيعه وأنا اعتقد أن المسرح أكثر تأثيراً من اللوحة المرسومة في الشارع، لأن عروض مسرح الشارع عروض تفاعلية وقريبة من المشاهد وهو جزء منها ويشترك في أحيان كثيرة فيها، ويكون تأثيرها أكثر من الرسم لأن التفاعل معه فردي وليس جماعياً كما في المسرح، وليس فيه عدوى التفاعل الجمعي للمشاهد.
سألنا السيد حسين علي صالح عن نوع الكوميديا المقدّمة في مسرح الشوارع، فقال: الكوميديا مهمة جداً في هذا النوع من العروض المسرحية لأنها الأقرب إلى المشاهد ولكن يجب أن تكون كوميديا موقف ومدروسة بشكل صحيح وبعيدة عن الابتذال ومحتشمة لأن ثمة خيطاً رفيعاً بين كوميديا الابتذال وكوميديا الموقف ويجب أن يراعى. بوسع المشاهد أن يضحك على أبسط الأشياء ولكن ما مدى تأثير هذا الضحك وهل سيكون عاملاً مساعداً في إيصال الفكرة؟.
إسعاد الأطفال
وفي هذا السياق حاورنا السيد ماركو ريداري، فنان شوارع كوميدي “مهرج” إيطالي، ٤٥ عاماً، جاء الى العراق مؤخراً لتقديم عروض مسرحية للأطفال في الشارع في بضع محافظات، فقال: من غير المألوف دائما جعل الأطفال يبتسمون، لا سيما أولئك الأطفال الذين عانوا من الحرب. سألناه عن سبب اختياره العراق لتقديم العروض المسرحية فيه، فأجاب قائلاً: بعض الجمعيات، بما في ذلك Un Ponte Per، طلبت مني التعاون معها في مشاريع لصالح الأطفال، ولديَّ الآن أصدقاء كثيرون في العراق، وهذا سبب آخر يدفعني للعودة إلى هنا في أسرع وقت ممكن.
وعن مدى تأثير العروض التي يقدمها في نفوس المتلقين يقول ريداري: المهرج يعمل بابتسامة واندهاش. إن عمل المهرج مهم جداً لأنه يحاول أن يجعل الأطفال ينسون الأشياء الفظيعة التي مروا بها، والطفل الذي يبتسم في عجب سيكون قادراً على وضع الحرب وراء ظهره.
واستدرك قائلاً: لقد التحقت بكثير من مدارس العلاج بالكوميديا وكان لي شرف التعلم من معلمين بارعين. أعمل الآن في الشرق الأوسط منذ 15 عاماً وآمل أن استمر في القيام بذلك في المستقبل من أجل خير الأطفال.