التسرب من المدارس!

خضير الحميري /

المشهد الأول: قبل أكثر من خمسين عاما، كان الأهل يصطحبوني معهم بصفة (قارئ قطع) حين يأتون من الريف الى بغداد لمراجعة الطبيب، كانت مهمتي تتلخص بقراءة قطع الأطباء المرصوفة على واجهة العمارات، يصطحبوني معهم من باب التباهي بأن لديهم ابنا (يفك الخط) ودفعا للإحراج من السؤال المتكرر للمستطرقين عن ضالتهم، كنت أقوم بمهمتي كما يجب، وأحيانا أخرج عن صلاحياتي لأقرأ أي قطعة تصادفني، المحامي شعلان، الخطاط أموري، الخياط أبو ستار، المضمد ملا طلال، النداف أبو ربيع، القابلة المأذونة أم إحسان، وغالبا ماكنت أكافأ عن شطارتي في نهاية الرحلة ..ببعض الحلقوم أو الملبس.
المشهد لثاني: قبل أشهر كنت أحمل جسدي العليل لمراجعة أحد الأطباء، فأوقفني شاب في العشرينات من العمر ليسألني، أين الطبيب الفلاني، وقد كانت أمامه أكثر من قطعة تشير لعيادة الطبيب المذكور، أشرت له الى نهاية الممر، راح ووقف عند نهاية الممر، وعاد ليسألني من بعيد، وهو يشير الى غرفتين متجاورتين مثقلتين بقطع الدلالة: هذا أم هذا، فعرفت بأن صاحبي.. يعيدني لأكثرمن ستين سنة مضت!
المشهد الثالث: إستبدلت دهن السيارة في أحد المحال المختصة بهذه الخدمة، وفي العادة يزودك المحل بعد الانتهاء من تبديل الدهن بكارت صغير يحمل أسم المحل، يدون فيه نوع الدهن وكميته وتاريخ التبديل ، وما كان من العامل سوى جلب الكارت فارغا وطلب مني بشيء من الحرج أن أدون المعلومات المطلوبة من باب اخدم نفسك بنفسك..فأعادني المشهد لأكثر من سبعين سنة خلت!
المشهد الرابع: الجهاز المركزي للاحصاء يشير بتاريخ آذار 2020 بأن نسبة الأمية في العراق لمن هم فوق العاشرة من العمر تبلغ 13%،أي أكثر قليلا من خمسة ملايين أمي.
نقابة المعلمين تذكر بتاريخ (20 كانون الثاني 2022) إن الأمم المتحدة أبلغتها بوجود 12 مليون أمي في العراق.. وهذا الأمر يعيدني الى أكثر من قرن مضى!