خضير الحميري /
العُقدة في مدرسة التحليل لنفسي هي الباعث على تصرفات لا واعية تصدر عن الشخص، أو هي اتجاه انفعالي لاشعوري يؤثر في التفكير والسلوك، وهناك من يعرّفها بأنها أنماط حسية وفكرية محرَّفة غير سوية تؤدي إلى سلوك غير طبيعي، تكون عادة عميقة الجذور في نفس الشخص المصاب بها، وتؤثر على كيفية رؤيته لنفسه وكيفية تصرفه تجاه الآخرين، وغالباً ما تكون منسية أو مطمورة تحت ركام الذكريات وغير مشخصة من قبل الشخص المعقد، فهو (صاغ سليم) دائماً من وجهة نظره، رغم أن عقدته أكبر من أن تطمر!
ولأننا لا نعترف بالعُقد على اختلاف منابتها، ونمتلك شهادة حسن السيرة والسلوك التي تؤهلنا لإسداء النصح والتوجيه لمن هبَّ ودبّ، فإن علم النفس في حياتنا هو اختصاص فائض عن الحاجة، وما هذه العُقد النفسية والاجتماعية التي نحملها في حلِّنا وترحالنا إلا سجل توثيقي شرفي للمطبات والانكسارات والخيبات التي تمتعنا بها طوال حياتنا، وشعارنا دائماً (الانكسار الذي لا يكسرك يقويك)!
والمُعقِدات (بضم الميم وكسر القاف) في حياتنا اليومية لا تتطلب جهداً، فليس أسهل من أن تصيبك عقدة من هنا أو هناك بإفرازاتها السامة، فهي معروضة للعامة بطريقة (خذ عقدتين واحصل على الثالثة مجاناً)..إذ دخلت (العُقد) ضمن خدمة التوصيل المجاني، ويمكن أن تصلك أينما تكون، فما إن تدخل دائرة لتتابع شأناً من شؤونك حتى تنال حصتك منها، وحين تفتح التلفزيون لمتابعة حوار سياسي، سرعان ما تتصدع أذناك بالعُقد المتطايرة بين المتحاورين، وما إن تنشر منشوراً تحتفي به بنفسك وبعائلتك حتى تغص صفحتك بالعُقد المتطفلة والمتنمرة..
ولأن حياتنا أصبحت متخمة بفائض مريح من العُقد، فقد بدأنا نصدّرها الى الخارج، ونحصل بالمقابل على عقد حديثة تواكب العصر، ووسائل التواصل الاجتماعي خير وسيلة لنشر الثقافة العُقدية وبث التعقيد بين الأصدقاء والمتابعين، وبهذه الطريقة يمكنك عزيزي (المعقّد) أن تعثر على عقدة جديدة مناسبة لنفسيتك وحالتك الاجتماعية.. بعيداً عن العُقد التقليدية التي عفا عليها الزمن!