خضير الحميري/
اخترت هذا العنوان لأن كتابة (السيرة) الذاتية من قبل الكثير ممن شغلوا موقع المسؤولية في العهد القريب أو البعيد لفترة طويلة أو قصيرة بدت وكأنها (غيرة) ذاتية، وتخيّلت أن أحدهم وهو يتصفّح مذكرات زميله أو منافسه أو خصمه في العمل السياسي ينشد قائلا: هيّه بقت عليه!!
وعلى الرغم من أنّ كتابة المذكرات ظاهرة صحية كما صرح أحد الأكاديميين بعد أن أحصى العديد من كتب السيرة الذاتية التي صدرت تباعا لمسؤولين على اختلاف حجم المسؤولية التي شغلوها، لأنها ببساطة تضعنا أمام شهادة حية وتفاصيل نابضة سمعنا عنها في العموم ولم نعش حيثياتها الدقيقة، لكننا ونحن نتصفح نماذج من هذه (السّير) الزاخرة بالتضحيات والإنجازات العظيمة، نجد أنفسنا نتلفت ذات اليمين وذات الشمال بحثا عن مصداق أو (مصيديق) صغير لفحوى ما نقرأ، حتى أن مسؤولا معروفا تصدى للمسؤولية لأشهر معدودات أصدر مذكراته في مجلد كبير تتضاءل الى جواره مذكرات ونستون تشرشل!
ولأننا نعرف من خلال ما عشناه وسمعناه وقرأناه أن ملكة الكتابة لا تتوفر لدى الكثيرين ممن أصدروا مذكراتهم المنمقة، وأنهم مهما حشدوا عبقرياتهم فلن يتجاوزوا الصفحة أو الصفحتين مع الحك والشطب، ولذلك فإن شكوكنا بشأن من أنجز لهم المهمة مقابل ثمن معلوم تبدو شكوكا مشروعة، وهو أمر متعارف عليه في ديار أخرى إذ يتولى محرّر نحرير التصدي لكتابة مذكرات هذه الشخصية أو تلك، وفق اتفاق مسبّق لقبض الأتعاب، ومن الطبيعي هنا أن يتطوع (المحرّر) ليستحق أتعابه كاملة بإضافة بعض المحسّنات اللفظية والحقائق (الملوية) لتمرير الأحداث التي عايشناها خرابا.. لتبدو للقارئ بعد عشرين أو خمسين عاما.. جنة وربيع!
وعلى خلاف ما حصل مع مذكرات الأمير هاري (سبير) التي صدرت قبل أشهر وأحدثت ضجة كبيرة على مستوى بريطانيا والعالم وبيع منها في اليوم الأول مليون وربع المليون نسخة.. فإن أغلب المذكرات التي نحن بصددها لم يبع منها خلال العام الأول .. ولا ربع نسخة!