فلاتر!

الفلاتر هي تقنية مصاحبة لتطبيق الكاميرا في الموبايلات الذكية، التي تعمل على تحسين الصورة، وتجميل الأنف، وتحمير وتدوير الخدود، وتصفيف الشعر، وتغيير لون العينين وتوسيعهما، وتصغير العمر، وتلميع الصورة.. وكل ما تشتهي أو يشتهي مستخدم الفلتر. وقد شاع استخدام الفلاتر وبولغ فيها مؤخراً، حتى بات من الصعب التعرف على أصحابها، الأمر الذي تسبب بالكثير من المقالب والصدمات عند تقدم الفتى لخطبة فتاة تعرف عليها (فيسياً) أو (إنستغرامياً)، ولم يتعرف عليها واقعياً رغم جهود (الفلر) و(البوتكس)..
أذكر أن أقدم تطبيق للفلتر عرفته أجيالنا كانت (الرتوش) التي يتطوع بها صاحب الستوديو الذي كنا نلتقط عنده صورنا، فيزيل بأدواته البسيطة بعض الزوائد (شامة أو وحمة)، ويتخلص من الشعر الذي لم ينله الملقط، ويمر بقلمه على العين الفاحمة ليحولها إلى زرقاء بلون البحر! وأذكر أن أحد أصدقائي قدم إلى مدير المدرسة آنذاك صورة كان قد بالغ المصور كثيراً في (ترتيشها)، فأعادها المدير إليه أمامنا قائلاً: “نريد صورتك أنتَ.. وليست صورة ألان ديلون!”
الفلاتر التي أتحدث عنها في هذا الكاريكاتير تشبه الحلم، لكنه حلم قابل للتحقيق، فكلما نظرت إلى شارع تتكوم على ضفافه الأوساخ، وضعت أمام عيني (فلتر التمني) لكي تتحول أرصفة ذلك الشارع إلى جنة من السنادين والورود، وكلما دخلت مستشفى تنقصه النظافة ويغيب عنه التنظيف وتشح فيه العناية، قفز (فلتر التمني) ليحوله إلى مستشفى حديث بممرات وردهات أنيقة وأجهزة متطورة، جاهز لإزالة السقم والألم عن كل من يدخل إليه..
وبدأ هذا الفلتر (الافتراضي) يرافقني منذ أن شاهدت أحد تقاطعات بغداد، وهو يتكرر في مسلسل بُث قبل أكثر من عام، وظهر فيه ذلك التقاطع وكأنه مجتزأ من أرقى المدن الأوربية، وحين زرته فعليا للتمتع بالنظام والحدائق والأضواء الخلابة التي ظهرت في المسلسل، صُدمت بأن جمال المشاهد الدرامية تمحوه المشاهدة الحقيقية..
لكن ما الضير في حلم الفلاتر.. فلاتر تُحسن من ملامح حياتنا، ومشاهداتنا، ومدننا، وأنهارنا، علّها تقفز يوماً بهمة المخلصين الحالمين.. من عين الكاميرا إلى عين الواقع!