عبارة مشحونة بالطاقة السلبية واللامبالاة لطالما سمعناها في مواضع ومناسبات مختلفة، فهي تعني أحياناً (شليلة وضايع راسها)، وتعني في أخرى (خالف ولا تخاف)، وتعني في ثالثة (الشغلة تايهة)، وفي رابعة تشير لعدم وجود (حساب وكتاب).. وغالباً ما تأتي مسبوقة بمفردة (يمعوّد)، العراقية أباً عن جد، ومن دون هذه الـ (يمعوّد) تبدو العبارة منقوصة لا تمتلك الكارزما السلبية التي استدعتها..
الجيد في العبارة أنها تُعلي مكانة القراءة والكتابة، فبدونهما (وفق العبارة) تكون الأمور بلا حسيب أو رقيب، فالقراءة والكتابة هما صنوا النظام والانتظام، والسبيل السليم لإعطاء كل ذي حق حقه، ومحاسبة كل مسيء على إساءته. ولذلك فإن محو اللامبالاة تكون بمحو (الأمية) الرقابية.. من خلال حضور الضمير الذي يقرأ ويكتب ويحاسب ويعاتب.
وخوفاً من هذه العبارة نتردد أحياناً في معاتبة العابثين واللامبالين واليائسين والمتشائمين والمتصيدين، لأن (يمعوّد.. منو يقره ومنو يكتب) تأتي غالباً معززة بالأدلة والبراهين بعدم وجود من يقرأ ويكتب وينتبه لأحوال الناس ومعاناتهم، فقد اكتسبت هذه العبارة الباردة حضورها الواقعي على ألسنة الناس، وبات من الصعب إزالتها من دون أدلة وبراهين مضادة تثبت وجود من يقرأ ويكتب ويحاسب ويُنصف.
وهكذا تمظهرت نظرية (منو يقره منو يكتب) في تطبيقات سلوكية عديدة نصطدم بها كل يوم،
إلا أن خطورتها الحقيقية هي أنها إذا دخلت قاموس المهندس قد تتسبب في انهيار جسر أو عمارة، وإذا دخلت في قاموس الموظف تكدست المعاملات في سلال المهملات، وإذا دخلت قاموس الشرطي أفلت الجاني وسُجن المجني عليه، وإذا دخلت قاموس المحاسب ضاعت الأرباح في جيوب الخسائر..
لكنها إذا دخلت قاموس المعلم.. فإنك فعلًا لن تجد بعدها.. من يقرأ ويكتب!