جيدي وندرز وبريانا ويست – ترجمة: آلاء فائق /
عندما يرحل عنك شخص عزيز، ستتدفق داخلك شتى الأحاسيس. فإلى جانب أحاسيس الحزن والخسارة، غالباً ما سيتولد لديك أيضاً إحساس بعدم الأمان والندم والارتباك، بل حتى الغضب. أول شيء ستفكر فيه هو لبس اللون الأسود، وكأنه لون قوة لمن يرتديه وهيبة واحترام للراحل ولأهله.
اللون الأسود مظلوم!
كثيرون، ومنهم عشاق اللون الأسود، يجدونه مظلوماً لاقترانه بطقوس الحداد والحزن إذ يلقب بـ (ملك الألوان). والحق أنه لون الأناقة والقوة ويُختار عادة للمناسبات الرسمية، وغالباً ما يتربع على عرش ألوان الموضة العالمية. وبحسب التحليل النفسي له فإنه يعطي شعوراً بالعمق والهيبة للشخص الذي يرتديه.
تقليدٌ قديم
يعد ارتداء اللون الأسود في الجنازة تقليداً قديماً متبعاً في العديد من مناطق العالم، ولاسيما في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، فالجنازات عادة ما تكون مناسبات حزينة، وارتداء اللون الأسود فيها يدل على حزنك على فقدان شخص ما، كما أنها تعد علامة على احترام المتوفى وأهله.
يعتقد المؤرخون أن تقليد ارتداء اللون الأسود في الجنازات يعود على الأقل إلى زمن الإمبراطورية الرومانية، إذ كان الرومان القدماء يرتدون (التوجا) الداكنة، تُعرف كذلك باسم (توجا بولا pulla toga) حداداً على فقدان شخص عزيز عليهم.
يستخدم الكهنة أيضاً الأسود في ملابسهم، فهذه هي قواعدهم التي تطورت على مر السنين، لبسهم الأسود يدل على أن لديهم هدفاً يحمل معنىً معيناً. وبينما يرمز اللون الأسود في الكونفوشيوسية (مذهب تقاليد صيني) إلى الحكمة والمعرفة، تعدّه البوذية علامة جهل وتخلف.
كثير من عادات الولايات المتحدة جرى توارثها من أسلافهم الإنكليز، إذ يشير المؤرخون إلى أن الملكة فيكتوريا كانت معروفة بارتداء اللون الأسود في الجنازات لإظهار الكرامة والاحترام للراحل ولأصحاب الحداد.
ألوان الحزن لدى شعوب العالم
في الوقت الذي يعد اللون الأسود هو اللون التقليدي للحداد في الغرب، وكثير من بلدان العالم، فإن بلداناً أخرى حول العالم لديها عادات مختلفة. في الهند والصين -مثلاً- فإن اللون التقليدي للحداد لديهم هو اللون الأبيض، إذ يرتدي هندوس الهند اللون الأبيض لأنه رمز الصفاء والنقاء.
البلدان في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا لديها مجموعة متنوعة من ألوان الجنازة التقليدية. ففي جنوب إفريقيا وغانا، غالباً ما يرتدون اللون الأحمر في الجنازات. يمكنك أيضاً معرفة أن تايلاند هي من البلدان التي يرتدي أبناء شعبها اللون الأرجواني، والأصفر في ميانمار.
في السودان واليابان والصين وبعض دول شرق آسيا، يُعد الأبيض هو اللون الأساسي في الحداد. أما في الفلبين وكمبوديا وبعض دول شرق وجنوب شرق آسيا، فيُعد الأصفر هو لون الحداد، بينما يُعدّ الأزرق الداكن هو لون الحداد في رومانيا، والبنّي الفاتح في إيران والأحمر في أوروبا.
وفي إحدى القرى المغربية ترتدي زوجة المتوفى ملابس بيضاً وليست سوداً، وتبقى بهذا الزي مدة 4 أشهر و10 أيام حتى تنتهى عدتها، وبعد انتهاء المدة تذهب إلى الحمام البخاري، كعلامة على انتهاء فترة في حياتها وبدء حياة جديدة.
ارتداء ألوان موحدة
من الأشياء اللافتة للانتباه أن الجميع يميلون لارتداء الملابس السود في مراسم الجنازة والحداد، وأن معظم الناس يميلون لارتداء اللون الأبيض والألوان الفاتحة في الأعراس، فالأبيض والأسود هما لونان موحدان.
لماذا يفضلون الأسود؟
في علم نفس الألوان، غالباً ما يشير الانجذاب نحو اللون الأسود، ولاسيما في الملابس، إلى رغبة الفرد في استعادة قوته. سواء أكان ذلك بمحاولة (الحماية) من بعض المشاعر، أو خلق مسافة عن الناس، أو توصيل حاجة ماسة للاحترام، فإن تفضيل ارتداء ملابس سود بالكامل عادة ما يكون رسالة غير واعية للذات وللآخرين.
تحفز الألوان أدمغتنا بطرق مختلفة، والطريقة التي نستجيب بها لألوان معينة دون غيرها يمكن أن تخبرنا كثيراً عما نحن عليه. وغالباً ما يكون الأشخاص الذين يرتدون ملابس سوداً عاطفيين للغاية، ومفرطي العصبية، ولديهم رغبة في تشتيت مظهرهم أمام الآخرين وتمويه الآخرين عما يحاولون تحقيقه في حياتهم.
غالباً ما يحاول الأشخاص الذين يرتدون ملابس سوداً، دون وعي منهم، حماية أنفسهم من المشاعر التي يعتقدون أنهم لا يستطيعون السيطرة عليها. وعادة ما يكونون أكثر تحفزاً من غيرهم، ويكافحون لدرء القلق ويركزون فقط على تأدية مهامهم اليومية، بينما يخلق اختيار الألوان أحادية اللون إحساساً باليقين و(العمل الجماعي).
ومع ذلك، فإن المثير للاهتمام هو أن الأشخاص الذين يرتدون ملابس سوداً بالكامل لا ينزعجون غالباً عندما يرتدي الآخرون ممن حولهم ألواناً متعددة. وبطريقة ما، فإن هوية محبي اللون الأسود واضحة أمام الآخرين.
غالبًا ما ترتدي النساء، على وجه الخصوص، اللون الأسود بالكامل لأنهن يحاولن أن يكنّ (أكثر مما يبدون عليه). إنهن يُردن تحويل الانتباه عمّا يبدون عليه في الحقيقة أو صرف التركيز عما يفعلنه.
سبب تفضيل اللون الأسود
تُظهر الأبحاث في علم نفس الألوان أن تفضيل اللون الأسود يشير إلى المكانة والقوة، فالشخص الذي يرتدي الأسود يأخذ نفسه على محمل الجد، ونظراً لأنه طموح بطبيعته، فإنه يريد حماية نفسه من كل النقد والألم المحتمل الذي يمكن أن يأتي مع مطاردة أحلامه. وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص مدفوعين، لكنهم حساسون. وهم ليسوا مخطئين، فقد أظهرت الدراسات أن هناك كثيراً من السمات الإيجابية المرتبطة بالأشخاص الذين يرتدون الأسود.
يقول أحد الاستطلاعات: الأسود هو اللون الذي ترتديه عندما تحاول إثارة إعجاب الأخرين بك أو طمأنة نفسك أو جذب انتباه الآخرين إليك. هناك قدر معين من الثقة في هذا الأمر على شخص يجعلك تسلم مدخرات حياتك وتشكره على الامتياز. في الاستبيان الذي أجريناه، جاء اللون الأسود في المرتبة الأولى أو الثانية في معظم السمات الجيدة (على سبيل المثال الثقة والذكاء والجنس) وبالكاد برزت بصدده صفات سيئة مثل (الغطرسة).
عن موقع/ وندروبوليس وثنك كتلوك