آية منصور ـ ذوالفقار يوسف – إيفان حكمت /
على الرغم من انخفاض معدل الانجاب في العراق من ستة أطفال للمرأة في سن الإنجاب الى أربعة أطفال، فإن العراق من ضمن الدول الاعلى في معدل الانجاب.
ورغم انتشار وسائل منع الحمل، وتفكير الأسر العراقية بتحسين نوعية الحياة وتعزيز أوضاعها لما له من تأثير على رفاهيتها وتنمية المجتمع وتطويره،إلا ان ذلك لم يساهم في الحد تماماً من ارتفاع من المعدلات العالية في الإنجاب.
بينما يواجه العراق تحديات كبرى فضلاً عن كونه في منطقة نزاعات مسلحة، فانه يواجه ازمة سكن حادة ونقص في المياه العذبة وعدم كفاية الزراعة المحلية وغيرها ما تزال معدل الانجاب عالً وتنظيم الأوضاع الاقتصادية يستدعي تنظيم عملية الإنجاب والى مزيد من الدراسات لتنظيم الانجاب والسيطرة عليه رغم ان الاحصائيات تشير الى انخفاض نسبة النمو السكاني الا انه ما زال ضمن الاعلى عالميا.
إحصائيات
أوضح كشف جرى مؤخراً لوزارة التخطيط أن “التقديرات السكانية الحديثة تُشير الى أن معدل النمو السكاني في العراق اتجه نحو الانخفاض خلال العقود الثلاثة الماضية وهذا ناتج عن الانخفاض الحاصل في معدلات الخصوبة في العراق التي شهدت انخفاضاً واضحاً من 6 مواليد أحياء لكل امرأة في سن الإنجاب في الثمانينات إلى أربعة مواليد في عام 2017”.
وبلغ معدل انتشار استخدام وسائل منع الحمل 60% لدى النساء في سن الإنجاب، أما نسبة الحاجة غير الملباة لاستخدام وسائل منع الحمل للنساء في سن الإنجاب والراغبات في وقف الإنجاب ولكنهن لا يستخدمن وسائل منع الحمل فقد بلغت في نفس الوقت 8% أما نسبة الحمل المبكر للنساء في سن الانجاب فقد بلغت 2%، في حين بلغ معدل الولادة لدى اليافعات في الأعمار “15- 19” سنة 1982 لكل ألف من النساء في سن الإنجاب.
كما إن “العديد من الأسر العراقية بدأت بالتفكير والاهتمام بتحسين نوعية الحياة الأسرية وتعزيز اوضاعها لما لذلك من تأثير على رفاهيتها وتنمية المجتمع وتطويره”.
وبحسب تقديرات سابقة للوزارة فإن عديد سكان العراق بلغ 37.7 مليون نسمة يشكل الذكور منهم 51 % منهم فيما تراجع عدد الإناث إلى 49% .
يذكر أن أول إحصاء سكاني جرى في العراق كان عام 1934 حيث بلغ عدد السكان حينها 3 ملايين و380 ألف نسمة بينما أشار آخر تعداد اجري عام 1997 إلى أنّ عديد السكان قد ارتفع إلى 22 مليون و170 ألف نسمة.
ولم يشهد العراق اي تعداد سكاني رسمي بعد سقوط النظام السابق عام 2003 بسبب الخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة اقليم كردستان في أربيل حول على بعض المواد الخاصة باستمارة التعداد اضافة إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة التي تشهدها البلاد منذ ذلك الوقت.
ويعد عامل الزواج المبكر أحد الأسباب المهمة في ارتفاع معدلات الانجاب اذا لم يعد اكثرها تأثيراً في العوامل الكمية للسكان، اذ كلما كان الزواج مبكراً كانت معدلات الإنجاب عالية، وكلما كان الزواج متاخراً كانت معدلات الإنجاب واطئة.
علماً بأن الزواج المبكر في المجتمع يعتمد على عدة عوامل ومعطيات اهمها استعداد الشاب او الشابة على الزواج المبكر وتوفر الإمكانات المادية التي تتيح المجال للشباب للزواج ووجود الخدمات الاجتماعية والصحية والسكنية والمادية التي تشجع الشباب على الزواج، وهذا عكس ما يحدث داخل العراق، اذ يتزوج الشباب في ظل ظروف قاهرة، تبتعد عن الظروف الطبيعية، كأن تتكاثر البطالة، وانعدام الامكانيات المادية او الصحية والاجتماعية، كأن متنفس الشباب الوحيد الذي يصبح تحت هذه الضغوط، هو الزواج.
ويترك الإنجاب مسؤولياته الثقيلة على الأسرة لدرجة أن الاسرة لا قدرة لها على تحمل ضخامة الواجبات الأسرية. ليصبح الإنجاب عبئاً ثقيلاً على المجتمع، لا سيما عندما تكون الأسرة غير مستعدة لتحمل النفقات المالية او الصحية وبالتالي إنجاب عدد كبير من الأطفال دون تحمّل مسؤولياتهم المالية والاقتصادية.
الإنجاب في العراق
تختلف نظرة المجتمعات الى تحديد الإنجاب، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع الخدمي، اذ لابد أن يكون هناك تخطيط يحول دون التضخم السكاني المرافق لانعدام تنظيمه، والذي يجب توافره بصورة صحيحة، حيث يجعل مستقبل البلد وساكنيه خالياً من انعدام فرص العمل والسكن والخدمات التي هي حق من حقوق كل انسان عراقي.
الإنجاب بالمعايير
تقول الدكتورة زينب هاشم (45 عاماً) المتخصصة في طب النساء وتوليدهن: “يتخذ العديد من الأزواج بعض الأفكار والمعتقدات الكثيرة، دينية منها أواجتماعية بخصوص قضية الإنجاب وخصوصاً الرجل، فقد لا تمر على زواجه سوى ايام عدة قبل أن يبرز السؤال التقليدي: متى سترزق بطفل، يحمل اسمك، ويعينك عند الكبر؟
وعلى الرغم من أن هدف الزواج هو تكوين أسرة، ومن جانب اخر هو تحقيق التكامل الاجتماعي، فإن هناك عدة جوانب من الناحية النفسية تعتبر موضوع الإنجاب للزوجين أمراً لابد منه، فالرجل يجب أن يثبت رجولته في هذا الإطار، والمرأة لايجب ان يشك أحد في مقدرتها على الإنجاب. وفي بعض الأحيان تجد أن البعض يتباهى بعدد اولاده وكثرتهم، فلا تتعجب أن قلت لك إن بعض النساء قد يلدن بسبب الغيرة من اقرانهن من النساء، حيث نجد أن أغلب هذه الأسر تسكن المناطق الشعبية من البلد، حيث يكون عدد الأطفال في الأسرة الواحدة قد تعدى الـ(6) أطفال بالرغم من الحياة الصعبة التي يعيشونها، والمستقبل المبهم الذي لا يبتغونه، لهذا يجب ان يكون الإنجاب ضمن معايير الظروف المعيشية التي يجب ان يوفرها الزوجان لأبنائهما، وضمن الإطار الذي يحقق لهما ولأطفالهما التنمية الاجتماعية الصحيحة”.
نزعة قبلية
تستمر الزيادة في الإنجاب بدون رقابة ولا قيود، فالآلية الصحيحة لتنظيم الأسرة باتت معدومة، وخطط التنمية البشرية الغائبة هي ما جعلت التضخم السكاني العراقي على أشده، لكن الجهات المعنية ليست هي المسبب الوحيد في هذا التخبط، فعدم التخطيط من قبل الزوجين له سلبياته، مثل عدم وجود ثقافة في مسؤولية الزواج عند المجتمع العراقي، والتكوين النفسي الذي يميل الى القبلية، والتحسس الكبير من موضوع تحديد الإنجاب وتقييده، مثل تحديد النسل، حيث تكون هناك رغبة كبيرة في إنجاب الذكور أكثر من الإناث عند الأسر التي تسكن محافظات العراق وأريافه. من ناحية اخرى فقد كان هناك تشجيع من النظام السابق الذي قام باعطاء مساعدات مالية لكل من ينجب طفلاً، وحصل هذا الامر بعد الانتهاء من الحرب مع ايران عام 1988، التي راح ضحيتها اكثر من مليوني انسان .
إلا أن البعض من شباب اليوم، خصوصاً المثقفين منهم الذين يسكنون المدن، لهم رأي آخر بهذا الخصوص، فأغلب المتزوجين حديثاً والذين عاصروا المفخخات والعبوات الناسفة، يرفضون فكرة الإنجاب في وقت مبكر عند زواجهم، وخوفهم من أن تصيبهم شظايا الغدر التي قد تكون سبباً في يتم أبنائهم، لهذا فهم قد يكتفون بطفل واحد او اثنين، مع مراعاة الظروف التي يعيشها البلد من ازمات مالية.
الرغبة في الإنجاب
بعد أن صار العراق من الاوائل عربياً في مستوى زيادة الانجاب، هذا الامر جعل البلد محسودأً من قبل بعض الدول بالرغم من المأساة التي يعيشها ابناؤه، ففي ايطاليا مثلا قامت الحكومة بوضع اعلانات تشجع على الإنجاب، وفي الدنمارك قامت شركة طيران بتوفير مستلزمات كل طفل يولد لمدة ثلاث سنوات، اما في روسيا فقد بات 12 من أيلول عطلة وطنية، وقد سمي باليوم الرسمي للإنجاب، أما حكومة سنغافورة فهي تنفق مايقارب الـ 1.6 مليار جنيه استرليني سنوياً على برامج تشجع الناس على الإنجاب، إلا أن العراق قد اصبح في صدارة هذه الدول بالزيادة لا بالنقصان، حسب تصريحات وزراة التخطيط، فقد نشر الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط من خلال وسيلة صحفية، إحصائية جديدة لعدد السكان في العراق لعام 2018 الحالي، مشيراً الى نسبة الذكور والإناث في البلاد.
وقال الجهاز في احصائياته إن “عدد سكان العراق بلغ 38 مليونا و124 ألفا و182 نسمة حسب الاحصائيات التقديرية لعام 2018″، لافتاً إلى أن “عدد الذكور منهم بلغ 19 مليوناً و261 ألفاً و253 نسمة بنسبة 51%، فيما بلغ عدد الإناث 18 مليوناً و862 ألفاً و929 نسمة وبنسبة 49% من مجموع السكان.”
وذكر أن “محافظة بغداد شكلت أعلى المحافظات في عدد السكان حيث بلغ عدد سكانها 8 ملايين و126 ألفاً و755 نسمة وبنسبة مقدارها 21% من مجموع سكان المحافظات.”
حسن جبار (36 عاماً) يعزو رغبته بالإنجاب لأكثر من (7) أطفال، بالرغم من ظروفه الصعبة، والتي كان أولها سكنه في نفس البيت مع أهله وإخوته، أجابنا بابتسامه: “(الطفل يجي ويجي رزقه وياه) ولا أخاف عليهم من الجوع لأن الله موجود وهو كفيل بأن يجعلهم يعيشون كما كنا نحن قبل ذلك، وان الحروب التي اخذت من العراق شبابه، هانحن الآن قد انتجنا له شباباً آخرين ليدافعوا عنه كما دافع الذين قبلهم، مضيفاً بأنه وإخوته قد أعانوا والدهم عند كبره، فلماذا لا أنجب الأطفال ليعينوني عند الكبر.
عادات ومفاهيم
تشير الباحثة المجتمعية نوال القاسم الى أن الكثير من الأزواج قد لا يرغبون حقاً في طفل آخر، او أن الأمر مؤجل بعد حين، لكن العراق يفتقد الثقافة الجنسية لحد كبير، اذ تغيب البنات في المدارس عن الحصص الدراسية التي تدرس فيها المناهج العملية من الناحية الإحيائية العلمية لأن في ذلك “عيب” بحسب العادات والمفاهيم في اغلب مفاصل المجتمع.
وتلفت القاسم إلى أن أغلب المدرسين والمدرسات باتوا يغادرون هذه الأجزاء من المنهج كونها تسبب الإحراج مع التلاميذ وذويهم وحتى بعض ادارات المدارس.
وتؤكد القاسم أنه لو كانت هناك احصائيات حقيقية لتبين أن العراق من أقل بلدان العالم استهلاكاً للواقيات الجنسية وحتى، أن مبيعها مقتصر على الصيدليات وغير متوافرة في الأسواق العامة على غرار دول العالم، موضحة أن نسبة غير هينة من الذين تابعت معهم الأمر لا يعرفون كيفية استخدام هذه الواقيات، بل أن هناك البعض لا يعرف بوجودها أساساً.
تضيف القاسم أن الكثير من الأطفال وجدوا بالصدفة وليس عن تخطيط ودراية ما تسبب بالكثير من المآسي العائلية بسبب الضائقات الاقتصادية وانحسار عائلة كبيرة في غرفة مع عائلة لا تكفي الا لزوجين فقط. وتزيد أن الكثير من الأزواج يستهينون بالواقيات الجنسية وانهم بعد حدوث الحمل يمضون في الأمر إذ أن هناك الكثير من الموانع التي تقف بوجه إجهاض الأجنة، خاصة الدينية والاجتماعية والإنسانية.