بغداد عاصمة السياحة العربية 2025.. خطط لصيانة المواقع الأثرية والتراثية

بغداد: أحمد بشي – تصوير: حسين طالب /

في الوقت الذي كانت فيه الأنظار مركزة على العاصمة كرمز للمآسي والصراعات، يرفع اليوم الستار عن وجه آخر لبغداد، التي كانت يوماً شاهدة على أوج الحضارات وضياعها، لتعيد رسم مشهدها السياحي على خريطة العالم، مستعدة في أن تكون نموذجًا للانتصار في ملفها السياحي الذي لم يكن مجرد حلم بعيد في طيّات الأوراق، بل محط أنظار رسمية وشعبية على حد سواء.
دار السلام
بدأ الباحث في الشأن التراثي العراقي، عادل العرداوي، حديثه لمجلة “الشبكة العراقية” قائلاً: إن “دار السلام شاهدة على حضارات ازدهرت ثم اندثرت، بفضل آثارها ومراقدها المقدسة، التي تنبض بتاريخ حضاري عريق، إذ باتت عاصمة للعالمين العربي والإسلامي، واستقطبت العلماء والمفكرين، وأمست مدارسها ودور علمها منارات إشعاع معرفي، فجمال المدينة انطلق من نهر دجلة وغاباته وبساتينه وحكاياته إلى أرجاء المعمورة، ورغم التحديات لكن الاستقرار فرض نفسه في شوارع المدينة، ما يمهد الطريق نحو بناء أفق بعيد عن عتمة الفوضى المسيطرة عليها منذ سنوات، إذ تمتلك مقومات تجعلها وجهة سياحية عالمية.”
أما المؤرخ العراقي الدكتور علي النشمي، فتطرق في حديثه لـ “الشبكة العراقية” إلى اعتماد العراق، كبلد ريعي على إيرادات النفط، وأن الحكومات السابقة لم تضع تطوير القطاع السياحي ضمن أولوياتها، مركزةً على الجوانب العسكرية. مضيفاً: “فغياب الأمان كان العائق الأكبر أمام عودة السياحة بعد أكثر من خمسين عامًا من الحروب، إلى جانب غياب الخبرات السياحية المتخصصة، وعدم الاستثمار في القطاع، ما أدى إلى محو محاولات إحياء السياحة التي تحمل فرصًا كبيرة للاقتصاد الوطني.”
ستراتيجية
في حين أكد وكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، الدكتور فاضل البدراني، في حديثه لمجلة “الشبكة العراقية”، أن “المنظمة العربية للسياحة أعدت ملفاً شاملاً يتضمن تسعة بنود رئيسة تغطي مجالات متنوعة، تشمل: السياحة، والبيئة، والصحة، والدفاع المدني، والأمن، ما يعكس جهودًا عراقية خالصة من قبل الوزارة، والتصدي لأية تحديات قد تطرأ، دون اللجوء إلى خبراء خارجيين، إذ يتمحور الملف حول معايير أساسية تشمل الإدارة السياحية، والبنية التحتية، والموارد السياحية، والأنشطة المتنوعة، والحفاظ على البيئة، إضافة إلى السلامة الصحية، والأمن والاستقرار السياحي.” مبيّناً أن “الوزارة وضعت خطة شاملة في مواجهة الاستحقاق، تهدف إلى تعزيز القطاع السياحي عبر تطوير المواقع الأثرية والتراثية، وتنظيف شوارع العاصمة، وتزيين الساحات، والحدائق والمناطق التراثية، وتحديث المدارس والجامعات، وتثبيت شاشات تعرض أبرز المعالم السياحية، بهدف خلق بيئة سياحية جاذبة تسهم في رفع صورة العراق ثقافيًا وسياحيًا، مع تنفيذ فعاليات ثقافية وفنية وأدبية وموسيقية طوال العام، بتناغم القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، ما أسهم في إعادة العاصمة إلى الواجهة.”
ولفت البدراني الى أن “الإعلام ظلم بغداد في الفترة الماضية، ما أضر بسمعة العاصمة، وجعل السفر إليها غير جذاب، إلى جانب غياب دعم الأشقاء العرب، لكن بعد تقدم الوزارة في طلب للحصول على اللقب جاء الدعم العربي ليبدد كل المخاوف.”
فرص
هيئة السياحة العراقية تؤكد أن الأمان والخدمات والمواطن، مفاتيح نجاح السياحة في العراق. ويشير المدير العام لدائرة المجاميع السياحية العراقية في الهيئة، مهدي غضبان الساعدي، في حديثه لـ “الشبكة العراقية” الى أن “الهيئة عملت على إجراءات غير تقليدية في تعزيز الإيرادات غير النفطية، والتركيز على السياحة كمصدر دخل رئيس، ومنع الشركات غير الرسمية، وتنظيم الحركة السياحية إلى إقليم كردستان، وتوسيع الرحلات الداخلية إلى جنوب وغرب العراق، وتنظيم برامج نوعية للجامعات والمدارس والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وإفساح الفرص الاستثمارية عبر افتتاح مرافق سياحية وفنادق بمعايير عالمية.” موضحاً أن القطاع السياحي في العراق يواجه تحديات في نقص التشريعات، إلى جانب شروط البنك المركزي على شركات السفر، وهو ما يعيق التحويلات المالية. ”
ونوّه الساعدي: في العراق ما يسهم في نمو القطاع، ويضع العراق على خريطة السياحية العالمية.
استثمار
من جانبه، كشف الخبير في الشأن الاقتصادي العراقي، مصطفى أكرم حنتوش، في حديثه لـ “الشبكة العراقية”، أن “العراق غني بالتنوع السياحي، ويتصدر المشهد السياحي العالمي بمقدساته التي تجعله ثالث أكبر وجهة دينية بعد السعودية والفاتيكان، إضافة إلى جاذبيته السياحية الطبيعية والرياضية والتعليمية والصحية، التي تعزز بنيته التحتية، وتدفع بعجلة اقتصاده الوطني.”
وأشار حنتوش إلى أن العراق يستحق مكانته السياحية العالمية، وليس العربية فقط، لكن ذلك يتطلب تطوير البنية التحتية السياحية بما يشمل إنشاء دليل إلكتروني يوضح أبرز المعالم والمواقع السياحية، مع استثمارات سياحية في مجال الآثار، التي يمكن تحويلها إلى مشاريع تنقيبية بالتوأمة مع جامعات دولية، ما يعزز العائد المالي للعراق، إضافة إلى تسهيل السياحة التجارية بما يشمل ميناء الفاو والترانزيت الجوي، الذي يعزز مكانة العراق السياحية العالمية.
مساعٍ رسميَّة
في حين أوضح المستشار السياحي لرئيس مجلس الوزراء العراقي، عمر العلوي، لـ “الشبكة العراقية” أنه تم وضع مجموعة من الرؤى والإجراءات تمهيداً لإعلان بغداد عاصمة للسياحة العربية، أبرزها دراسة فك ارتباط هيئة السياحة عن وزارة الثقافة، بعدما تبين وجود قوانين تعارض عمل الهيئة، وتحويلها إلى جهة مستقلة ترتبط برئاسة الوزراء، أو إعادة إلحاقها بإحدى الوزارات، إلى جانب دراسة وضع الفنادق التابعة للقطاعين الحكومي والمختلط، والإعداد لإطلاق جولة تراخيص جديدة وتحويلها إلى الاستثمار، وإحداث بنية تحتية تشمل هيكليات الدوائر الحكومية المعنية في سن وتعديل قوانين جديدة، والعمل على سياسة وطنية عبر التعاقد مع شركات التطوير السياحي العالمية، تهدف إلى جذب (20) مليون سائح إلى العراق خلال العشر سنوات المقبلة، مع حملة لإعادة تأهيل وصيانة المواقع الأثرية، والمرافق الخدمية للطرق والمناطق المحيطة بها، وإحياء نمط السياحة الصوفية. وأضاف (العلوي): “استحدثنا مركز تدريب وتطوير في الهيئة، لتقديم دورات، وشهادات معتمدة للأدلاء السياحيين، والفرض على الشركات السياحية بأن تكون مصنفة ومسجلة، مع وجود مرشدين سياحيين، والعمل على وضع تصنيف للشركات السياحية، نواة الانطلاقة لعمل مستدام ينهض بالقطاع السياحي.”
استقرار
المحلل في الشأن السياسي العراقي، جمعة العطواني، يرى في حديثه لـ “الشبكة العراقية” أن “العراق تجاوز الأنظمة السابقة، وأصبح لاعبًا محوريًا في السياسة الإقليمية والدولية، ويسهم في تقريب وجهات النظر بين الدول المتنازعة، ويعزز استقرار المنطقة عبر العلاقات المتنامية مع الدول الأوربية، التي تؤكد مكانته الدولية، ما يعكس اختيار عاصمته للسياحة العربية، محققًا تقدمًا كبيرًا في القطاع السياحي، بفضل الاستقرار الأمني والتنوع السياحي، من الزيارات الدينية المليونية، إلى المواقع الأثرية والتاريخية.” مشيراً إلى أن العراق كان بعيدًا في أن يكون عاصمة السياحة العربية، بسبب عوامل أمنية، وبنية تحتية غير مهيأة، إضافة إلى القلق الذي تنقله وسائل الإعلام حول أوضاعه. مضيفاً: “لكن مع تحسن الأوضاع وتطوير المرافق، بات العراق في وضع يمكنه من المنافسة.”