عامر جليل ابراهيم – تصوير: حسين طالب /
يعد جسر داقوق، في محافظة كركوك، شاهداً على أحداث مثلت انعطافات كبيرة في تاريخ العراق، ومازال الجسر -رغم قدمه- سالكاً حتى اليوم، يستخدمه الناس في العبور الى الضفة اليمنى لنهر (جاي داقوق)، وهو أحد فروع نهر العظيم الذي ينبع من مرتفعات قرة حسن، ويعبر جبال حمرين ثم يلتقي بمجرى نهر العظيم الرئيس.
“مجلة الشبكة العراقية”، ضمن جولاتها، زارت هذا المكان حيث التقت الحاج هاني تقي علي الداقوقلي، من وجهاء مدينة داقوق، ليروي لنا حكاية هذا الجسر.
يقول الحاج الداقوقلي: “إن جسر داقوق يمثل أحد المعالم التاريخية في المدينة، بُني قبل 138 سنة، إذ دخل الخدمة عام 1883م ويقع على بعد 3 كم شمالي قرية الإمام زين العابدين (ع) على طريق القوافل التجارية.
يذكر المختصون بالتاريخ أن الوالي العثماني مدحت باشا أمر ببناء هذا الجسر إبان توليه ولاية بغداد، إلا أن الانتهاء من تشييد الجسر اكتمل بعد انتقاله من ولاية بغداد بعشر سنوات تقريباً، وقد نفذ العمل مهندسون أتراك قدموا من إسطنبول. يتكون الجسر من اثنتي عشرة فتحة لمرور المياه من أسفله، ويصل طوله إلى 365 متراً وعرضه سبعة أمتار، وقد بني هيكل الجسر بالحجر الأحمر القرميد من أحجار الشمال، وتعرض جزء منه للتدمير أثناء معارك الجيش العثماني والجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، ثم أعيد ترميمه في العهد الملكي العام 1926م.”
ذاكرة تاريخية
وبين الداقوقلي: أن “هذا الجسر استعمل –لسنوات- كممر رئيس لانتقال المدنيين من كركوك باتجاه العاصمة، قبل أن يعتمد جسر ثان للمسار الجديد الذي يربط كركوك بقضائي داقوق والطوز وصولاً إلى ديالى وبغداد، ويعد جسر داقوق أحد أهم الجسور التاريخية في كركوك إذ يمثل ذاكرتها التاريخية، كما أنه لا يزال قائماً ويجذب السيّاح، رغم غلقه بعد فتح طريق آخر لوجود الحقول النفطية.”
ويوضح الداقوقلي: أن “الجسر الحجري بناه العثمانيون لغرض استخدامه أثناء فترة وجودهم في العراق كممر مهم لهم، وتوجد في مقدمة الجسر أجزاء من الهيكل الحديدي الذي يستخدم للعبور وربط أجزاء الجسر بعضها ببعض،” مؤكداً: “في عام 1914م دخلت القوات الإنجليزية إلى العراق لمحاربة القوات العثمانية واستخدمت جسر داقوق للانتقال صوب بغداد،” مضيفاً أن تلك اللحظات مازالت شاخصة في ذاكرة المدينة وأهلها.
قوة ورصانة
ويوضح الداقوقلي أن “الجسر يتكون من اثني عشر قوساً مبنياً بحجر الجبال، وهي الطريقة القديمة المعروفة في البناء وبهيئة الأقواس والقبب التي تتميز بالقوة والرصانة.”
وأشار إلى انهيار مقدمة الجسر عندما عبرته القوات الإنجليزية، ثم جرى تعميره بواسطة هيكل حديدي تم استيراده من بريطانيا ليتعانق الحجر العثماني مع الحديد الإنجليزي ويبقى أثراً لحقبتين مؤثرتين مرتا على العراق.
نبذة عن قضاء داقوق
يختتم الداقوقلي، الذي شارف على الثمانين من عمره، إذ يقول: “تعتبر مدينة داقوق إحدى أقدم المدن العراقية التي بقيت مأهولة بالسكان عبر مئات السنين من تاريخ المنطقة، وهي اليوم تمثل –إدارياً- قضاءً تابعاً لمحافظة كركوك شمال شرقي العاصمة بغداد، مساحة مدينة داقوق تقدر بنحو 120كيلومتراً مربعاً، وتبعد عن شمالي بغداد بـ 210 كيلومترات على الطريق الذي يربط العاصمة بمحافظة كركوك وتبعد بنحو 40 كيلومتراً جنوبي مدينة كركوك، ومن أهم العوائل والعشائر في مدينة داقوق: شيخلر، ودامرجي، والكهية، وأغالر، والجليلي، والصالحي، والبياتي. وقد ارتبطت أسماء محلات المدينة القديمة بأسماء العديد من هذه العوائل، وحياة سكان داقوق مرتبطة بالزراعة، إذ يمتهن الكثيرون منهم الزراعة وتربية الحيوانات، وتعد بساتين الكروم والفواكه في داقوق من أفضل بساتين محافظة كركوك إنتاحاً، كما يهتم مزارعو المدينة بتربية الحيوانات، وقد تزايد اهتمامهم بتربية المواشي مؤخراً، وتعد صناعة النسيج والسجاد اليدوي من أهم الحرف اليدوية في داقوق، كما أن للمدينة أهمية اقتصادية نظراً لوجود حقول جمبور النفطية شمالي مدينة داقوق، التي بدأ الإنتاج النفطي فيها عام 1959، وقد وضعت مؤخراً خطط لرفع إنتاج حقل جمبور إلى 245 ألف برميل يومياً، ويصل أنبوب للنفط بين حقول النفط ومصافي شركة نفط الشمال، كما يضخ النفط من حقل جمبور إلى ميناء جيهان التركي.”
تعايش سلمي
ويؤكد الداقوقي أن “مدينة داقوق يسكنها نحو مئة ألف نسمة، بحسب تقدير السكان لعام 2017، وتتبعها إداريا ناحية الرشاد وأكثر من مئة قرية تحيط بالمدينة، التي تتميز بالتعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، إذ أن مدينة تجمع كل أطياف الشعب العراقي.”