حينما يحتفظ الصندوق الأسود بكل هذه البشاعة تكسيرٌ للتابوهات أم تدميرٌ للقيم؟

سنان باسم /

يحق السؤال هنا، هل هو الإلحاح من أجل زوال المحظور في المتداول؟ أم أنه بالون اختبار غايته جس نبض المجتمعات المنغلقة، وكشف طبيعتها بأسلوب جريء؟ في الأيام الماضية سال الحبر بشكل فاعل من أقلام كتاب ونقاد في السينما وغيرها من الحقول الأخرى لمقالات أحاطت موضوع الفلم البالغ الجرأة في مشاهده وطرحه وموضوعه،
الذي حمل عنوان “أصحاب ولا أعز “، من بطولة مجموعة من النجوم العرب، على رأسهم منى زكي، التي تحملت وزر ما جاء من نقد وقدح وتأنيب، بالإضافة الى عادل كرم وإياد نصار ونادين لبكي وغيرهم. هذا الفلم الذي قسم العالم العربي الى صنفين: على الأغلب ناقم، والأقل مساند، في تغريدات أو رسائل على الفيسبوك قد تبرر ماطرح في الفلم المذكور، إذ يراه البعض مشجعاً على حالات الشذوذ الجنسي في المجتمع، بالإضافة الى الخيانة، في حين وصفه البعض بالمؤامرة الهادفة الى تفسخ بنية المجتمع والأسرة. كل ذلك دار في فلك الفلم الذي جذب الناقمين أكثر من المتصالحين مع موجة التابوهات القابلة للنقاش والحل، فقد ظننت -في بعض الأحيان- أن القائمين على الفلم كانوا في منتهى السعادة عند كل حالة رفض وشجب للفلم من أجل اجتذاب أكبر قدر من المشاهدين تحت عنوان (كل ممنوع مرغوب)، وهنا تقع الكارثة في دوامة الوقوع في فخ المشاهدة من أجل التماس المخفي والممنوع مع لعاب يسيل للقطات محرمة دون الخضوع الى ثيمة الفلم المبنية على العوالم المغلقة في وسائل التواصل الاجتماعي وكشف المستور عنها والوصول الى حقيقة مرة.
مساحة جدل
يحيلنا هذا الفيلم، المأخوذ من نسخة ايطالية، الى مساحة نقاشية مفادها: ما الذي تبتغيه السينما؟ هل هي رسالة مضمونها حي وسامٍ هدفه رفعة الفرد، من خلال بث الرسائل الإنسانية ومعالجة الأخطاء، إن وجدت، أم أنها مجرد مكاسب مادية دون الخوض في جدال اللغة الرفيعة واللقطة العفيفة والفكرة النظيفة؟ ولماذا هذا التوقيت برمي طعمين في ماء المجتمعات العربية؟ إذا ما رجعنا بالعجلة الزمنية الى الوراء وتحدثنا عن فلم ” الأبديون ” ETERNALS وهو من بطولة الممثلة أنجلينا جولي وإنتاج MARVEL ، الذي منع من العرض في العديد من الدول العربية نظراً لما تضمنه من وجود لأبطال مثليين، ليذهب الحال الى وصف أنجلينا جولي كل من وقف أمام عرض هذا الفلم ومنعه من العرض في الشاشات بأنه جاهل .
الفئة المستهدفة
هذا الجنوح في الطرح يجعل التساؤل مستباحاً لجوانب غير مستباحة في النقاش بين الأوساط المجتمعية الشرقية والعربية والإسلامية ، المتمثلة بالشذوذ وإباحة الجنس والإلحاد والجنس العابر وغيرها من المسكوت عنه. لماذا التركيز على جوانب دون أخرى وفي الأمس كان التأكيد على العربي الإرهابي، أو الرجعي، حاضراً في المشاهد السينمائية من خلال اللحية المبعثرة والوجه العابس بالإضافة الى إظهار الصورة النمطية عن العربي الثري المرتدي للعقال بشكل مضحك، وبلا هندام، يسير خلف النساء غير مكترث بأي شيء آخر .
لكن الأمر الأدهى هو الفئة المستهدفة من مجتمعاتنا في طرح مثل تلك الجوانب الجدلية والممنوعة، هل هم الناشئة أم الشباب؟ والمعروف أنها في طور التكوين الفكري والمنجرفة نحو الممنوع دون السائد، إذ تكمن هنا أهمية التوعية من قبل المؤسسة المجتمعية الأهم وهي الأسرة، بالإضافة الى الإعلام والصحافة في التحذير والتصدي لكل الغايات المزدوجة المتمثلة بطرح الأبيض وفي داخله أسود معتم هدفه تشتيت المجتمع .