خنقت بغداد ولم تساعد في حل الأزمة.. الشبهات تحاصر مشاريع الإسكان

إياد عطية – تصوير: علي الغرباوي /

على الرغم من تزايد المشاريع الإسكانية الصغيرة والمتوسطة في مناطق مخدومة أو قريبة من الخدمات، ومنح المستثمرين في هذا القطاع إجازات وتسهيلات لبناء مجمعات سكنية، فإن أسعار السكن في تلك المجمعات بلغت أرقاماً خيالية بالنسبة إلى الطبقتين المتوسطة والفقيرة، في حين كان المواطنون يأملون أن يحصلوا على سكن بأسعار معقولة وبطرق دفع ميسرة، ولاسيما أن غالبية مشاريع الإسكان تحوم حولها شبهات فساد بشأن منحها للمستثمرين، بالأخص في مواقع مخدومة وسط العاصمة بغداد وبين أحيائها الراقية.
ويؤكد الخبراء أن هذه المشاريع لن تساعد في حل أزمة السكن، إذ قدم (الدكتور حضيري الموسوي) برنامجاً متكاملاً لحل هذه الأزمة من خلال إنشاء مدن جديدة موازية للمدن القديمة، تشتمل على حلول تنموية واقتصادية وبيئية.
أسعار ملتهبة
يتساءل المواطنون عن جدوى منح أراضٍ مخدومة لا تتطلب من المستثمرين سوى تكلفة بنائها، وتباع بنفس الأسعار التجارية، إذ يتراوح سعر المتر الواحد ما بين 1200 إلى 2000 دولار، وهي أسعار من الصعب على المواطنين أصحاب الدخول المحدودة، ولاسيما الموظفين، شراؤها.
وعلى ما يبدو فإن أزمة السكن تتفاقم مع غياب رؤية ستراتيجية واضحة لمواجهتها، ولاسيما مع النمو السكاني المتصاعد، وأن المشاريع التي نفذت كانت هبة الدولة للفاسدين الذين استغلوا قانون الاستثمار لمصلحتهم.
وباستثناء مشروع بسماية، فإن معظم مشاريع المجمعات السكنية التي يجري تنفيذها حالياً تقوم بها شركات عقارية خاصة لم يسبق لها أن نفذت مثل هذه المشاريع، وكلها تستفيد من تسهيلات حكومية تقدمها هيئة الاستثمار الحكومية والمصارف، على اعتبار أنها مشاريع استثمارية، فيما تباع الشقق للمواطنين إما نقداً، أو على شكل دفعات وبأسعار باهظة.
جودة البناء
تقول (المهندسة هند قيس) إن “الشركات العراقية التي تنفذ هذه المشاريع الإسكانية لا يعرف لها تاريخ في ميدان البناء، ومن المهم أن تستفيد من خبرات عالمية رصينة في هذا المجال، ومع أن المشاريع المنجزة قليلة، فإن المشكلات ظهرت في العديد منها قبل إنجازها، ولست أدري ما إذا كانت خاضعة للرقابة الحكومية، وما مدى جودة المواد المستخدمة، ولاسيما أن معظم هذه المشاريع جرى تشييدها بطريقة البناء العمودي، ومن المرعب أن نستمع بين الحين والآخر عن سقوط عمارات حديثة أو أبنية لم يكتمل حتى إنشاؤها، ولهذا أدعو إلى رقابة صارمة من قبل أجهزة الفحص والسيطرة النوعية.”
لجان نيابية لمتابعة المشاريع
وعن ارتفاع الأسعار يقول (باقر الساعدي)، عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية، إنه “جرى تشكيل لجنة من قبل هيئة الاستثمار لمتابعة هذا الموضوع”، مبيناً أن أسعار الوحدات باهظة، وأن “أسعار المتر الواحد تتراوح من 1000 إلى 1500 دولار، بل تصل في بعضها إلى 2000 دولار، وهو سعر من الصعب أن تتحمله غالبية الشرائح الاجتماعية في العراق.”
وتواجه هيئة الاستثمار اتهامات بالفساد من سياسيين وخبراء ومواطنين، مع استمرارها بالاستيلاء على أراضي وممتلكات الدولة بمساعدة أمانة بغداد والمتاجرة بها بحجة الاستثمار.
يقول (النائب كامل العكيلي) إن “شبهات الفساد تحوم حول إدارة ملف المشاريع الإسكانية، وهو الأمر الذي حال دون انخراط شركات عالمية رصينة للاستثمار، واقتصر الأمر على شركات محلية وأخرى أجنبية من الدول المجاورة تدخل إلى العمل في البلاد بمساعدة شركات عراقية من خلال بوابة الفساد.”
وأوضح أن “الشركات الاستثمارية الرصينة تواجه عقبات كبيرة مالم تحصل على دعم جهات نافذة تقف خلف أعمالها.” وكان (النائب عبد السلام المالكي) قد تحدث عن ملف فساد كبير يتعلق بتوزيع مساحات من الأراضي التي وصفها بالستراتيجية مجاورة لمطار بغداد. وقد دفعت تلك الاتهامات والمخالفات الكبيرة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني إلى إنهاء تكليف رئيسة هيئة الاستثمار الوطنية سهى النجار ورئيس هيئة استثمار بغداد حيدر الأنصاري، وأحال ملف التحقيق الإداري الخاص بالمخالفات المرتكبة في هاتين الهيئتين إلى النزاهة، لغرض اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
لم تحل أزمة السكن
ويعتقد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن مشاريع الإسكان لم تساعد في حل أزمة السكن، فمشروع مجمع (بوابة العراق) الذي يقع في قلب بغداد ويطل على حدائق متنزه الزوراء يبلغ سعر أصغر وحدة سكنية فيه بمساحة نحو 160 متراً، أكثر من 300 ألف دولار، وهي ذات الأسعار في مجمعات (الأيادي) و(اليمامة) و(جوهرة بغداد)، حيث تصل الأسعار إلى نحو250 ألف دولار، وهي أسعار مرتفعة، ليس بوسع الطبقات الوسطى والفقيرة الحصول على وحدة سكنية في هذه المجمعات فضلاً عن كونها مشاريع صغيرة تستغل مساحات خضر في بغداد تمنح بطريقة غير شفافة إلى جهات نافذة ومشاركة في الفساد.
يقول المواطن (كريم عزيز) إن “الأراضي التي منحت إلى مستثمرين لبناء مشاريع إسكانية، تعد من أغلى الأراضي في بغداد، وكان بالإمكان تحويلها إلى مشاريع خدمة عامة، كمستشفيات او جامعات حكومية.”
وأضاف أن (الناس يعرفون أن هذه المشاريع، التي بنيت على المساحات الخضر في بغداد، هي مشاريع بدأت بصفقات مشبوهة، ولهذا فإن العديد من المواطنين يتخوفون من جودة بنائها ومن المواد المستخدمة في البناء.”
وذكر أن “الشركات التي تستحوذ على مشاريع الإسكان الكبيرة، ومنها مشروعا (النسيم ستي) و(الروان) اللذان ينفذان في منطقة طريق مطار بغداد، استحوذت على أرض مخدومة، وهي مشاريع لا تكلف المستثمرين إنشاء خدمات تحتية مثلما حدث مع مشروع بسماية السكني الذي مازال يمثل أفضل مشاريع الاستثمار، على الرغم من شبهات الفساد التي تسببت بوقف العمل وعدم إكمال الشركة الكورية المنفذة لهذا المشروع.”
ويتمتع عدد من المشاريع بمبادرة البنك المركزي، الذي يقدم قروضاً للمواطنين الراغبين بالشراء، لكن تلك القروض لا تغطي ثلث قيمة الوحدات السكنية، كما أن القروض المقدمة من المصرف العقاري، أو ضمن ما يسمى بمبادرة صندوق الإسكان، بمنح قروض بدون فوائد لشراء أو بناء وحدات سكنية، تجعل المواطن أو الموظف في حرج شديد، نتيجة لما يترتب عليها من دفع أقساط شهرية تفوق قدرته على السداد، ما دفع بالكثيرين إلى عدم التوجه إلى الاقتراض.
حلول علمية
يؤكد الدكتور حضيري الموسوي أن “المواطنين لم يستفيدوا من المشاريع الإسكانية العالية الكلفة، وأن حل أزمة السكن تحتاج إلى تخطيط، فلا يمكن أن تبقى المدن تكبر لاستيعاب السكان، إنما ينبغي استحداث مدن جديدة ذات أساس اقتصادي، ويكون التوزيع الديموغرافي الكفء من خلال توزيع مشاريع الإسكان على المدن الجديدة.”
تتلخص الخطة التي قدمها الدكتور الموسوي في بناء محور غربي الفرات، من حدود الكويت والسعودية باتجاه الشمال الغربي إلى الرطبة، ومن ثم للشمال إلى أقصى المناطق غير المأهولة من محافظة نينوى، فيصبح لكل مدينة موقعان، أي مدينة ثنائية الموقع، وخلال سني نشأة وتكامل المدينة التوأم تفقد المدينة الأم جزءاً مهماً من سكانها. لذلك، ومن وفورات المدينة الجديدة يعاد تخطيط المدينة الأم وتحديثها وفقاً لمتطلبات المرحلة، ليعاد نشاطها، وتعاد الكَرّه بين المدينتين وبطريقة تنافسية بناءة.
وأشار الموسوي إلى أن “المدن الجديدة تستوعب الشباب في سن العمل، وتستقطب هذه الشركات أساساً الخريجين العاطلين أو العاملين في غير تخصصاتهم، ومن كافة التخصصات، ويعتمد إنشاء هذه المدن على أساس اقتصادي متكامل وشامل يعتمد على مقومات كل منطقة. كذلك ينبغي تأسيس شركات تدعمها الدولة بقروض ميسرة، وبواقع ٢٠ شركة صناعية وخدمية و ٢٠ شركة زراعية وإنتاج حيواني وصناعات غذائية.”
وأكد الموسوي على أهمية أن “يكون تشكيل هذه الشركات الخاصة وفق قانون، وبرعاية وزارة خاصة تسمى وزارة التنمية، ومنح قروض ميسرة ومتوسطة المدى للتسديد. وتعتمد هذه الشركات على إنتاج الطاقة النظيفة من الشمس والرياح والوسائل الأخرى النظيفة، وتعتمد في حصاد المياه على مياه الأمطار والمياه الجوفية والوسائل التكنولوجية الأخرى.”
يضيف الموسوي أن “الرؤية التنموية ستكون عاملاً مساعداً في حل أزمة السكن، والاقتصاد، والعمران والبيئة، والجغرافية، لأن المدينة الناجحة لابد من أن يكون لها أساس اقتصادي، كما أن السكن هو حق لكل عائلة في المدينة، وهذا الحق يأتي ويتحقق من خلال الإنتاج الحقيقي الوافر لمعظم الأفراد في سن العمل.”
وأشار إلى أن “الدولة العراقية، على مدى أكثر من قرن منذ تأسيسها، لم تستطع أن تحقق المبادئ التي تقوم عليها كيانات الدول، فلغاية اليوم تعتمد الدولة على موارد طبيعية لتصديرها كما هي، والتصرف بعوائدها على شكل نفقات تشغيلية واستثمارية، والشق الثاني غالباً لم يحقق نتائج ملموسة على مدى عقود من الزمن، والسبب هو ضعف الخطط وتعاقب الحكومات بالقوة، إذ لم يشهد البلد استقراراً لتتضح معالم ونتائج خطط الدولة. من هنا ظهر العجز السكني، ولم تستطع الدولة توفير الموارد لسد النقص في الوحدات السكنية، لأنها لم تستطع أساساً تحقيق الأسس الاقتصادية لجميع مدن العراق، وحتى ريفه.”