حسين محمد الفيحان /
لو حدّثنا أحد قبل سنوات عن حرب يطارد فيها المقاتل أعداءه وهو يحمل كاميرا يصوّر بها هرب ومقتل عدوّه أولاً بأول وينقل ذلك مباشرة لملايين الناس، لقلنا إن ذلك من شطحات الخيال غير القابل للتصديق. لكنّ الأمر الآن بات مألوفاً، ففي حربنا الوطنية التي يخوضها أبناؤنا ضدّ فلول «داعش» يحرص كثير من المقاتلين على حمل كاميرا أو هاتفهم الشخصيّ لينقلوا لنا «أونلاين» صور انتصاراتهم.
فلم يعد «العالم الافتراضيّ» محض افتراض، بل أصبح ساحة معركة مليئة بالدم وغبار المعارك ونشوة الانتصار.
الجندي – المراسل
كان لتكنولوجيا الاتصال التي انتشرت واتسعت في العالم مع مطلع القرن الواحد والعشرين أثر كبير وملحوظ على العملية الاتصالية, فلم يُعد الاتصال ذلك السائر باتجاه واحد حسب النظرية التقليدية له من «المرسِل» عبر «الوسيلة» إلى «الجمهور». بل أصبحت ذات اتجاهين وصار المستقبِل «الجمهور» مرسِلاً في الوقت نفسه، ولم يبق مُتلقياً سلبياً يقرأ فقط وإنما صار يقرأ ويُعلق على النص ويضيف له حقائق أو ينفي بعض ما ورد فيه من معلومات ولم يقف عند حدود ذلك، بل تعدى ليُصورَ وينقل كلّ ما يراهُ أمامه من أحداث عاجلة ومشاهدَ آنية تهم الناس ليرسلها عبر وسيلته التكنولوجية التي غالباً ما تكون هاتفه الشخصي أو كاميرته الصغيرة.
هذا التطور في النظرية الاتصالية أوجدته التكنولوجيا الحديثة للاتصالات وما انبثق عنها من وسائل رقمية ومواقع إلكترونية ومواقع للتواصل الاجتماعي وتطبيقات حديثة أخرى, أحدثت بدورها مصطلحاتٍ وتسميات جديدة في عالم «الصحافة الإلكترونية»، كـ»صحافة المواطن» و»الصحافة التشاركية والتفاعلية» و»صحافة الجماهير»، ومازالت هناك مصطلحات وتسميات مستمرة بالظهور على سطح الصحافة الرقمية تظهرُ وتُصنفُ علمياً حسب أهميتها وفائدتها للمجتمع والحاجة إليها.
هناك مفهوم جديد هو نتاج ذلك التطور «التكنولوجي – الاتصالي» ألا وهو «صحافة المقاتلين والجنود» التي ظهرت وبرزت في حربنا الوطنية الجاريةِ ضد تنظيم داعش الارهابيّ, وهنا لا نتحدث عن المراسل الحربي ودوره المهم في المعارك والحروب، فهناك أكاديميات ومعاهد متخصصة بمهامّ المراسل والإعلام الحربيّ, بل الحديث عن الجنديّ العراقي نفسه في معارك التحرير الدائرة رحاها الآن.
معارك أونلاين
فبرغم تلك المهام الجسيمة التي يتَحَّملها المقاتل الغيور في الجبهات مُضحياً بروحه ودمهِ تاركاً الغالي والنفيس, لم ينس حاجة الناس والمجتمع إليه في الحصول على المعلومة الصحيحة والصورة الصادقة من أرض المعركة كونه الأقرب لها, فحمل وسيلته الاتصالية التكنولوجية الخفيفة «هاتفه الشخصيّ» إلى جانب سلاحه «بندقيته أو قاذفته ومعداته العسكرية الأخرى» , ليصور كلّ ما يراه من انتصارات وبطولات، وهزائم للعدوّ وينقلها أولاً بأول عبر مواقع التواصل الاجتماعي للمستخدمين والجمهور الذي ينتظر أخبار المعارك بحرارة عالية فيتفاعل معها بالفرح والفخر والتعليقات واللايكات والمشاركات والتغريدات.
نقل البطولات
لا يمكن لنا جميعاً أن ننسى ذلك الجندي الوطني الذي تعقّب بسلاحه وكاميرا هاتفه الشخصي، داعشياً فارّاً من أرض المعركة راكضاً وراءه للإمساك به حتى دخل الإرهابيّ إلى أحد الأنفاق ففجرَّ نفسه فيه ونجا المقاتل الغيور بعد تصاعدِ آثار الانفجار عالية بالقرب منه.
ولا يمكن لنا أيضاً أن ننسى مقاطع الفيديو المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعيّ التي يوثقها المقاتلون بعضهم للبعض الآخر وهم يقنصون بحرفية؛ عناصر داعش أو يمسكون بهم فارين ومتنكرين بزي النساء أو يدلون باعترافات.
وما يدعو إلى الفخر تلك الصورة التي صورها جنودٌ لأنفسهم على طريقة «السيلفي» ملطخين بالدماء والتراب بعد انفجار عبوة ناسفة على ناقلتهم ونجاتهم منها جميعاً, مُعلقين عليها: (#الموصل _ نصرنا _القريب). وذلك الجندي الذي صور باحترافية ومهنية عالية لحظة استشهاد رفيقه وتناثر أشلاء راسهِ في الهواء بعد أن أصابته رصاصة غادرة فثار لأجله بسلاحه واقتصّ من قاتليه.
لقد اسهمت صحافة المقاتلين والجنود بالنصر والوحدة حقاً وهي تنقل تلك البطولات والروح الوطنية التي تجسدت بين أبناء هذا البلد. فكثيرة هي صفحات المقاتلين الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) التي نقلت ومازالت تنقل صوراً ومقاطع فيديو لصلوات (جماعة) موحدة واجتماعات منسقة شملت قيادات وجنود الجيش العراقي والقوات الأمنية والحشد الشعبي والعشائري.
لقد باتت الموصل العراقية الحدباء قريبة منّا بعد تضافر جميع عوامل ومقومات النصر. ومن هذه العوامل ذلك الفعل البطوليّ الذي يمارسه مقاتلونا وهم يردمون الهوّة بين “واقع افتراضيّ” وساحة معركة مشرّفة.