ارشيف واعداد عامر بدر حسون – بقلم: فرعون /
محمد عبد الوهاب، صاحب القلب القلق الحزين، والصوت العاشق سيحدث انقلاباً خطيراً في عالم الطرب والغناء.. لقد قرر عبد الوهاب أن يتحدى الأولين والآخرين، ليثبت أن المطرب الفنان يستطيع أن يفرض صوته وموسيقاه على جماهير المعجبين به، ولو غنى مثلاً “آدي البيضة، وآدي اللي شواها.. وآدي اللي قشرها”!
فقد قرأت أخيراً أن عبد الوهاب سيلحن ويغني أغنية جديدة، يقول مؤلفها مناجياً حبيبه: بتعمل عمايل يا مسوي الهوايل!
ولابد أن هذه الحبيبة التي يناجيها المؤلف عضو في اتحاد مصارعة الثيران او على الأقل في فتوّات المدبح الشهيرات.. او هي من مخلفات عائلة طرزان التي “عملت العمايل وسوت الهوايل”، على شاشة السينما، واذا لم تكن هذه الحبيبة المخيفة المرعبة واحدة من هذه الفصائل، فلابد انها “الواد الشجيع” متنكراً في زي امرأة خدعت مؤلف الأغاني الساذج الطيب القلب، وكان طبيعياً بعد أن أوقع القدر المؤلف الغرير، في مثل هذه المعشوقة الفولاذية، أن يتماشى مع منطق العضلات فيصرخ متشنجاً أمام شبح الحبيبة الإرهابية قائلاً: “ضاع شبابي هدر”!
وهذه أول مرة أسمع أغنية عاطفية يستعمل فيها لفظ “هدر”! وهي بفتح الهاء والدال وتسكين الراء.
ولكن.. لعله –كما قلت- “تكتيك” خبيث من الفنان الملهم محمد عبد الوهاب يريد أن يثبت به أن الموسيقى الرائعة والصوت الجميل، يستطيعان أن يعبرا عن معركة دموية تطلق فيها القذائف، و”تعمل العمايل” و”تسوي الهوايل”.. فيحس المستمع، الذي تفيض عليه شاعرية اللحن، ورقة الصوت، أنه يعيش مع نجوى عاشق!
كان مصطفى النحاس، يقرأ الخطب التي تكتب له وكثيراً ما كان في أرقام الصفحات، فيقرأ من الصفحة 34 بعد الصحيفة رقم 10 مباشرة، وينتقل من الحديث عن الاستقبال في البلاد التي فيها محطات والتي ليست فيها محطات، الى الحديث عن الاستقبال في البلاد التي فيها محطات والتي ليست فيها محطات، الى الحديث عن أسعار الطماطم والخبيزة، وتهتف باسم الرئيس الجليل.. انها تعودت أن تصفق وأن تهتف، فهل يريد عبد الوهاب أن يسير على مبادئ النحاس مع عشاق صوته وموسيقاه.
… نسيت أن أقول إن مطلع الأغنية الجديدة، يبدأ بكلمة “بتظلم” وأنا لا أشك أن عبقرية عبد الوهاب الفنية تستطيع أن تلحن كلمة تبدأ بحروف الباء والتاء والظاء.. وتضفي عليها براعة الاستهلال.
فين تهرب من ذنبك!
وفي هذا الوقت الذي تلحن فيه نجوى العاشق “الفتوة”.. ترفض الإذاعة اغنية لحنها كمال الطويل وغنتها ليلى مراد، وليس سبب الرفض لأن اللحن موضع اعتراض، او لأن صوت ليلى مراد موضع مناقشة، ولكن لأن كلمات الأغنية غير لائقة كما قال المسؤولون عن إجازة الأغاني في دار الإذاعة، واسم الاغنية “ليه خليتني أحبك”.
ومطلعها:
ليه خليتني أحبك
لا تلومني ولا أعاتبك
فين تهرب من ذنبك
وقال المفسرون الذين رفضوا الأغنية إن تساؤل المؤلف على لسان المطربة: فين تهرب من ذنبك؟.. معناه أن الذي تناجيه قد أتى ذنباً خطيراً.. وهذا الذنب لا يعني إلا أنه كان رجلاً فاسقاً.. وهذا ما يتنافى والآداب العامة.. وبناء عليه تقرر منع إذاعة الأغنية! وأعتقد أن حساب ناكر و نكير في الآخرة، لن يكون بمثل هذه التفاسير الشيطانية التي تخفي وراءها معاني أرجو ألا تكون في حاجة الى تفسير، وقد سمعت هذا اللحن من ليلى مراد.. وسمعته من عبد الحليم حافظ.. سمعته أكثر من مرة، في اكثر من مجتمع ضم أدباء وكتاباً لامعين وسيدات محافظات، ولم يبد من واحد منهم إلا شعور الإعجاب بالمعاني الرقيقة التي عبّر عنها مؤلف الأغنية..
وأريد أن أسأل الذين رفضوا الأغنية: ألا يمكن أن تفسر ايضاً عبارة “وتعمل عمايل” بمثل التفسير الذي فسروا به عبارة “فين تهرب من ذنبك”.. بل لعل عبارة “العمل والعمايل” أقرب الى تفسيرهم.. وهم لا يفقهون!