إيفان حكمت ــ ريا عاصي ــ آية منصورــ ذو الفقار يوسف /
على الرغم من غياب الإحصاءات الدقيقة، وعدم وجود دراسات توثق وتؤشر ظاهرة غسل العار، إلا أن كل المعطيات تؤشر اتساع نطاقها وأنها باتت تشكل مشكلة اجتماعية لها تبعاتها التي تجعل المرأة ضحيتها. وعلى مايبدو فإن القوانين التي تحمي الجناة لها دورها في تنامي هذه الظاهرة.
بألم مكبوت، تحدث الينا عواد عاشور عن فجيعته التي أفقدته حبيبته وزوجته تحت ضغط عادات وتقاليد متخلفة حاقدة على الحب والجمال. يقول عواد في حديث لـ”الشبكة”: نشأت بيننا قصة حب عاصفة لكوننا نسكن ذات الزقاق في منطقة شعبية. كنا نسرق النظرة والابتسامة، وفور حصولي على وظيفة بسيطة اتفقت مع أهلي على التقدم لخطبة حبيبتي، لكن ابن عمها العاطل عن العمل وقف لنا بالمرصاد وعرقل خطوبتنا مستعينا بعرف ما يسمى بـ”النهوة”.
يتابع: لم يكن أمامنا سوى ان نتزوج ونضعهم أمام الأمر الواقع، غير أن التخلف لاحقنا حتى أمام شرع الله، إذ أن ابن العم اعتبر زواجنا تجاوزاً له وتقليلاً من قيمته، لذا اتفق مع أخ زوجتي على سيناريو لاستدراجها بالتنسيق مع زوجة أخيها بذريعة مباركة زواجنا ومن ثم أجهزا على زوجتي وقتلاها “غسلاً للعار”.
غسل عار الكتروني!
تمارا، وهو اسم مستعار، وقعت في فخ الكتروني نصبه لها شاب اعتقدت انه يحبها. تقول تمارا، في حديث لـ”الشبكة”، انها تمادت بثقتها بحبيبها، وتحدثت معه بالصوت والصورة عبر برامج التواصل الاجتماعي. وتعترف تمارا أنها أخطأت حين بعثت اليه بصورها وهي في أوضاع غير لائقة، وفوجئت انه تباهى بهذه الصور أمام أصدقائه الذي كان أحد أبناء عمومتها أحدهم دون ان يدري العاشق الخائن بهذه الصلة. وصلت الأخبار بسرعة الى شيخ العشيرة الذي سارع الى استدعاء والد تمارا مطالباً إياه بقتلها على الفور غسلاً لعار العشيرة. حاجج الوالد شيخه بضرورة إنصاف ابنته من هذا الشاب المتهور، غير أن الشيخ أخبره أن هذه الخطوة تأتي بعد قتل الفتاة. ولأن الوالد يتمتع بشىء من الوعي رفض قتل إبنته لأنها ارتكبت حماقة “الكترونية” لا ترقى الى المس بشرفها. هنا ثارت ثائرة الشيخ وقرر “كسر” الأب من العشيرة، أي فصله، وضرورة “إجلائه” أي انتقاله من منطقة سكناه. نفذ الأب هذه المطالب مقابل الحفاظ على حياة ابنته ولملمة فضيحتها الالكترونية.
ذرائع.. وتعسف اجتماعي
المحامي خضر الدراجي يتحدث عن اتخاذ التسهيلات القانونية في عقوبات جرائم غسل العار كذريعة عند البعض لتصفية النساء، خصوصا في حالات الإرث والخلافات العائلية الاخرى، يقول الدراجي لـ”الشبكة” إن إمرأة ثلاثينية لجأت اليه لحمايتها بموجب القانون من تهديدات أخيها في حال لم تتنازل له عن إرث أبيها الذي كان يجب أن يوزع بموجب الشرع بينها وبينه وبين أختهما التي تخلص منها الأخ فاقد الضمير بالتنسيق مع ابن عمها ظلماً بدعوى غسل العار. ويضيف الدراجي أن الأخ يهدد موكلته بذات المصير في حال لم تتنازل له عن حصتها من الإرث.
ويؤكد الدراجي أن المادة 409 من قانون العقوبات العراقي، رقم 111 لسنة 1969، منحت الحق للرجل بتطبيق القانون بنفسه مع منحه عذراً مخففاً للعقوبة وقد يعاقب لمدة سنة مع وقف التنفيذ. وتنص المادة 409، على انه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبسها بالزنى أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل احدهما أو اعتدى عليهما أو على احدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة.
ويطالب الدراجي المنظومة القانونية العراقية بحماية المرأة من هذا التعسف الاجتماعي الذي بدأ يتزايد في الفترة الاخيرة في معظم محافظات العراق، وامتد الى دول اللجوء لاسيما السويد والدول الاسكندنافية على الرغم من التشريعات والأعراف الاجتماعية التي تحمي المرأة هناك.
أسباب واهية.. ولا عزاء للنساء
المنظمات الدولية تشير إلى أن المرأة تقع ضحية ما يسمى “جرائم الشرف” التي يقوم فيها ذكور من أفراد الأسرة بقتل قريبات لهم بذريعة رد “شرف” الأسرة، وعادة ينجو مرتكبو هذه الأعمال من العقاب.
فقد تحدثت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش) في تقارير عدة أصدرتها عن تعرض المرأة في شتى أنحاء المنطقة لانتقاص حقوقها، لا لشيء سوى لكونها امرأة، وعانت من صور بالغة من التمييز المؤسسي والمجتمعي في كل مناحي حياتها تقريباً.
أما منظمة العفو الدولية فقد ذكرت ان معظم ضحايا “جرائم الشرف” من النساء والفتيات اللائي يعتقد أقاربهن الذكور وغيرهم أنهن جلبن “العار” لعائلاتهن بسبب سلوكهن غير الأخلاقي، وكثيراً ما تكون هذه الاتهامات لأسباب واهية ولا تعدو أن تكون مجرد شائعات. وفي كثير من الأحيان يُقدم على ارتكاب “جرائم الشرف” ذكور من أفراد العائلات التي تنتمي إليها الضحايا من النساء والفتيات، اعتقاداً منهم بأن مثل هذه الجرائم تسترد شرفهم وشرف عائلاتهم.
وزارة حقوق الإنسان أشرت عام 2009عدم وجود انخفاض في جرائم الشرف، أو القتل غسلاً للعار، نتيجة ترسخ تقاليد وأعراف اعتبرتها ثابتة ومستمرة. وكشف تقرير للوزارة عن قتل 84 امرأة في عام 2009، مقارنة مع 87 حالة قتل في عام 2008.
إحصائيات
وتصدرت محافظتا بغداد وذي قار قائمة ضحايا جرائم الشرف بواقع 15 امرأة لكل من المحافظتين تلتهما واسط 9 نساء، والنجف 8، والانبار 4، وبابل 3، وميسان 3، وجريمة قتل واحدة في الديوانية ومثلها في المثنى. وذكر التقرير ان الإحصائية لم تشمل محافظات إقليم كردستان، واشارالى “عدم حصول تطور ايجابي في المجتمع يمكن معه عدم اللجوء إلى قتل المرأة بدافع الشرف.” غير أن منظمات نسوية ذكرت أن جرائم قتل النساء غسلاً للعار أصبحت يومية، وأن غياب إحصاءات دقيقة، وعدم وجود دراسات توثق وتؤشر لهذه الظاهرة، أكبر دليل على عدم الجدية في التعامل مع هذا الموضوع، ووصفت المرأة العراقية بأنها ضحية لجرائم الشرف.
غسل العار في المهجر
تعاني الدول الاسكندنافية من ظاهرة جرائم غسل العار وهو أمر يعتبر دخيلاً على المجتمع الاسكندنافي، وسجلت السويد الرقم الأعلى في حوادث العنف الأسري التي حدثت بسبب مفهوم غسل العار، إذ يحدث أن تقتل خمس نساء في العام الواحد، ويبلغ عن محاولات ضرب مبرح يصل حد الـ ٥٠٠ حالة في السنة، ومحاولات الشروع في القتل.
في عام ٢٠٠٢، في مدينة اوبسالا شمال السويد، وجه والد فاديمة مسدسه على رأس ابنته وأطلق الرصاص فأرداها قتيلة وسلم نفسه للسلطات وقال انه قتلها غسلاً لشرف العائلة، لأنها كانت على علاقة بشاب سويدي. في العام نفسه أقامت السلطات جمعية تدعى (لا تنسوا بيلا وفاديما) والتي تعنى بدراسة المشاكل الأسرية القائمة في مجتمع المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط، وقد ذكرت البيانات أن أغلب الحالات حصلت لمهاجرات قادمات من أفغانستان، تركيا ،العراق، ايران، والباكستان.
وقدمت جمعية (لا تنسوا بيلا وفاديما) دراسات وبيانات أوضحت فيها أن أغلب أهالي الفتيات القادمين من الشرق الأوسط يحاولون إجبار بناتهن للزواج من اقاربهن في بلدانهم التي قدموا منها، بعد أن يجبروهن على السفر الى هذه البلدان ويتم تزويجهن هناك وبعد ان تحمل بطفلها الأول يصطحبوهن الى السويد ويقومون بإجراء معاملات لم الشمل لوالد الطفل القادم، وذلك كون القانون السويدي لا يقبل بزواج القاصرات او اجبارهن على ذلك، وفي شمال افريقيا يجبروهن على الطهور في أعمار صغيرة.
مازال الموضوع يحدث ويتكرر فعل القتل والإجبار على الزواج، وفي محاولة من السلطات لمنع حدوث ذلك عممت السلطات دورات توعوية للفتيات وشجعتهن لحمل ملعقة طعام في حقائبهن عند اجبارهن على السفر، اذ سيقوم موظف الأمن المشرف على عرض الحقائب في جهاز السونار في حال وجد ملعقة طعام بالاتصال بالسلطات المحلية التي ستقوم باعتقال الأبوين وبترحيل القاصر الى مراكز لحمايتها من الزواج المبكر او القتل في بلدان يبيح قانونها قتل النساء تحت بند غسل العار.
بسام بغدادي هو من يترأس جمعية “لا تنسوا بيلا وفاطمة” يقول: ان تقوقع الأسر القادمة من بلدان تبيح جريمة القتل باسم غسل العار هو ما شجع هؤلاء الآباء على السفر ببناتهن لبلدانهم الأصلية اما لقتلهن او لتزويجهن، علماً انهم لا يواكبون التطور الحادث فية ولا محامٍ يدافع عنها.
قاتل غير مذنب
كثرت الشكوك عند سماعنا بأن بنت الجيران قد أحرقت نفسها، واخرى قد لقيت حتفها بسبب التيار الكهربائي، وثالثة قد رمت بنفسها منتحرة من أعلى المنزل. إلا أن السبب الأوحد هو الموت بسبب غسل العار، هذا ما أوضحته لنا القاضية “مروة جليل” بحكم عملها في هذه القضايا، معللة ذلك بأن العديد من هذه القضايا قد ازداد في الآونه الأخيرة بسبب غياب الأمن والأوضاع السياسية غير المناسبة، ما جعل الحكومة غير مبالية بحقوق المرأة، وايجاد طرق تحد من هذه الظاهرة، مضيفة أن اغلب الفتيات تتراوح اعمارهن بين(16-35)، قد وجدن مقتولات إما عن طريق عيار ناري في الرأس او الحرق او الطعن بآلات جارحة، ومرميات في المناطق التي تغيب عنها السلطات خوفاً من المساءلة، موضحة بأن القانون المتمثل بالشخص الذي يرتكب جريمة قتل تحت مسمى غسل العار، يحاكم وفق قانون العقوبات العراقي المرقم 111 الصادر سنة 1969 في المادة 409 والذي ينص انه (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته او أحد محارمه في حالة تلبسها بالزنى او وجودها في فراش واحد مع عشيقها، فقتلهما في الحال او قتل احدهما او اعتدى عليهما او على احدهما اعتداءً افضى الى الموت او الى عاهة مستديمة ولا يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضد من يستفيد من هذا العذر ولا تطبق ضده احكام الظروف المشددة).
واضافت ايضاً ان “هذه المادة اعطت الحق للرجل دون المرأة بالقتل على رغم تساويهما في الحقوق والواجبات في الدستور العراقي.”
عشائر الدم
مما يعرفه الجميع أن للعشائر سطوتها في العراق وخصوصاً في المناطق الجنوبية منه، فقد تقتل وتحاسب ويكون رجل العشيرة هو القاضي والناهي لجميع مشاكل قومه، ولأن معظم العوائل الجنوبية قد نزحت نحو بغداد لتسكنها بعد عام 2003، وخصوصاً في المناطق الفقيرة، اضحت هذه العشائر ذات سطوة مرعبة أمام القانون، ما جعلها تقيم الحد على من تراه يستحق ذلك. يحدثنا من هذا الإطار الشيخ “حيدر البخيتاوي” (55 عاماً) أن الحكمة من تطبيق الحد على مرتكبة الزنا هو امر لاجدال فيه، وغياب هذا القانون هو مايجعل مثل هكذا ممارسة غير مقيدة، وقد تصل غالباً الى قتل الزاني، موضحاً بأن “هناك سمعة ذوي المقتولة التي قد تصل الى نبذهم وطردهم من العشيرة، فنحن في بلد يسود فيه العرف القبلي وكبلد عربي لا يرفض التطور انما نحن ضد الفساد والفجور خصوصاً وأن اغلب حالات الزنا تكون فيها المراة متزوجة، وهمنا الوحيد كشيوخ عشائر ان لا تكون هذه الممارسات الخاطئة سائدة كما في الدول الأوروبية، لما لها من مشاكل قد تهدم جيلاً كاملاً، وقد تتيح للشباب ممارسات خاطئة اخرى”، مضيفاً “أن هناك عدة عوائل رفضت أن تقتل ابنتهم بتهمة غسل العار، خصوصاً الساكنين في المدينة، لبعدهم عن العرف العشائري، وان المناطق النائية والفقيرة قد احتلت المرتبة الاولى في تطبيق العقوبات ضد مرتكبي الزنا من ذويهم خوفاً من ملاحقة العار لهم.”
الجريمة تغطى بأي نوع من أنواع الوفيات الاعتيادية: جلطة دماغية، سكتة قلبية، انفلونزا مفاجئة مميتة. هذا القتل غير المبرر، هذا القتل الوحشي، يرمى بظلاله نحو “الأقدار”. خالة المتحدثة (س) التي رفضت، رفضاً قاطعاً، النطق باسمها الحقيقي حتى أمامنا، تخبرنا القصة بخوف وريبة، وبنظرات متلفتة هنا وهناك، خشية من الفضيحة:
-أخشى أن يقتلوني اذا ما علموا بحديثي هذا، لكن، القصص هنا كثيرة وتتشابه، وكثر هم من قتلوا أخواتهم دفاعاً عن الشرف، الشرف الذي لم يفهموا معناه حتى اليوم.