فريق الاستطلاع: ثريا جواد/ آية منصور/ أحمد سميسم إشراف إياد عطية/
أظهرت نتائج الاستطلاع الصحفي الواسع الذي أجراه فريق من مجلة “الشبكة” العراقية، في أوساط طلبة جامعيين، من مختلف الصفوف والأعمار، بهدف اختبار معلوماتهم العامة والثقافية، مايشبه الفضيحة، إذ لم يتوقع الفريق أن يفشل العشرات من هؤلاء الطلبة في الإجابة، بشكل صحيح، على أسئلة من المفترض أن يعرف الإجابة عنها طلبة المتوسطة أو حتى الابتدائية، لكن هذا ماحصل. فقد اكتشف الفريق أن ثلثي العينة وأحياناً أكثر من ذلك، التي استطلعها وهي بحدود 100 طالب وطالبة، لا يعرفون رئيس جمهورية العراق الحالي الدكتور فؤاد معصوم، ولا أين انعقدت القمة العربية الأخيرة، ولا من هو صاحب نصب الحرية الشهير في الباب الشرقي، ولا من هو فنان الشعب المسرحي الرائد يوسف العاني،.. وغير هذا الكثير من الأسئلة.. وإليكم النتائج ـ الفضيحة، التي تحتفظ “الشبكة” بأصولها مكتوبة أو مسجلة صوتياً.
أجوبة مثيرة للاستغراب
في خطوة لتقييم مستوى الثقافة العامة لدى طلبة الجامعات استبينت مجلة “الشبكة” العراقية عيّنة من مئة طالب وطالبة في الكليات والمعاهد العراقية جرى اختيارهم بصورة عشوائية، وطرحت عليهم أسئلة عامة بالإمكان الإجابة عليها من قبل طلبة بمستويات دراسية أدنى من مستوى طلبة الجامعة، ويهدف هذا الاستبيان إلى لفت أنظارالمسؤولين في قطاع التعليم والجهات الساندة إلى مستوى الثقافة العامة لدى الطالب العراقي، ووضع السبل والآليات العلمية للنهوض بها عبر تنشيط الفعاليات والمنافسات بين الطلبة في شتى المجالات العلمية والأدبية. الأسئلة المنطقية التي وضعتها المجلة جاءت بأجوبة مثيرة للاستغراب وعكست إلى حد بعيد مستوى ووعي واهتمامات الطالب العراقي غير الدراسية.
نابليون أم أفلاطون!
يمثل نصب الحرية واحداً من أبرز المعالم في مدينة بغداد فهو ينتصب في أشهر ساحة في العاصمة ألا وهي ساحة التحرير، هذه الساحة التي تشهد منذ سنوات عدة احتجاجات يشارك فيها عشرات الآلاف من العراقيين، وتنقل أحداثها وسائل إعلام عراقية وعربية وعالمية، ومع شهرة الساحة ونصبها فإننا وضعنا سؤالاً عن مصمم أشهر نصب في العراق يعتلي هذه الساحة، لكن الإجابات جاءت مخيبة للتوقعات، فلم يجب على هذا السؤال سوى 16 بالمائة من الطلبة الذين استبينت آراؤهم، لكن المفاجأة التي لم نتوقعها أن بعض الإجابات محيرة ولاعلاقة لها بالتصميم وفن النحت، فقد أجاب أحد الطلبة بأن مصمم النصب هو نابليون بونابرت، ونابليون كما نعرف هو قائد الحملة الفرنسية لاحتلال مصر، وأجاب طالب آخر بأن مصمم النصب هو أفلاطون ومن لا يعرف أفلاطون فهو فيلسوف يوناني مشهور ولا تربطه علاقة بالنحت والتصميم. طالب آخر قال أن مصمم النصب هو الايطالي دافنشي!.
حين صار العبادي رئيساً للجمهورية!
عندما وضعنا سؤالاً ضمن أسئلة اختبار الطلبة عن اسم رئيس جمهورية بلدنا العراق اعترض بعضنا على ذلك لأن هذا ليس سؤالاً يناسب مستوى طلبة الجامعات، فالمواطن العادي وليس طالب الجامعة، في أي بلد عربي يعرف من هو رئيس بلده، ولم يخطر في بالنا أن عشرات الطلبة لا يفرقون بين رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وقد أجاب 25 بالمائة منهم بأن الدكتور حيدر العبادي، وليس الدكتور فؤاد معصوم، هو رئيس الجمهورية، فيما قال آخرون أنه الرجل ذو الوجه الأبيض! وأجاب بعضهم إنه السيد جلال الطالباني (الرئيس السابق)، بل أن منهم من قال أنه هوشيار زيباري وزير المالية المقال! أو حتى نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ونجح في الإجابة على هذا السؤال نحو 48 طالباً وطالبة فقط.
باريس العراقية
مؤتمر القمة العربية أقيم في باريس بالعراق كيف؟ وماعلاقة باريس بالعراق، هذا مالم يقله لنا طالب جامعي أجاب على سؤالنا أين عقد مؤتمرالقمة العربية الأخير. والواقع أن 78 طالباً وطالبة، من أصل مئة، لم يتمكنوا من الإجابة الصحيحة على هذا السؤال لكننا تلقينا إجابات غريبة فبعضهم قال إن المؤتمر أقيم في الهند وهي دولة ليست عربية، فيما تكررت إجابة (لا أعرف) مع أن المؤتمر عقد في الشهر الماضي من مطلع العام الحالي في الأردن.
نساء لا يعرفن عيدهن
ومع أن نصف نسبة العيّنة التي جرى استبيانها هي من الطالبات لكن أغلبهن فشلن في معرفة تاريخ عيد المرأة الذي لم تكن مناسبته بعيدة عن تاريخ إجراء الاستبيان. وتلقينا إجابات عشوائية وتواريخ عشوائية بعيدة وغريبة عن تاريخ الاحتفال بهذه المناسبة وفشل 70 بالمائة من أصل مئة في الإجابة على هذا السؤال، ما يعني أن الطالبات بشكل خاص لسن مهتمات بعيدهن ولا يعرفن موعده ولماذا اختير تاريخه.
السؤال الحديدي!
على بساطته تحول سؤالنا عن عدد نواب البرلمان إلى سؤال حديدي فقد فشل جميع الطلبة في الإجابة عنه، وإذا كان عدم التوصل إلى الإجابة عن هذا السؤال لطلبة لم يظهر من إجاباتهم مايوحي باهتمامات ثقافية وسياسية عالية منطقياً، فإن الأمر غير المنطقي هو نوع الإجابات التي تلقيناها والتي، بصراحة، لم نجد وصفاً لها أقل قسوة على مشاعر الطلبة، سوى أنها تعبر عن جهل أعمى بموضوعة تعدّ من الاهتمامات اليومية الطبيعية لشعب تحدى الإرهاب لكي ينتخب برلمانه. فماهو تعليقكم على إجابات من نوع أن عددهم 40 نائباً أو خمسة آلاف نائب!! وهي إجابات تكررت كثيراً، لقد استفزتنا تلك الأجوبة فتوجهنا إلى الطلبة لنسمع سبب جهلهم بعدد أعضاء البرلمان لكن التبريرات كانت واهية وبينها لماذا نهتم بهم وهم لم يقدموا لنا شيئاً، وعندما سألناهم ألا ترغبون بتغيير النواب الذين تعتقدون أنهم فاشلون؟! فأجابوا نعم لكن السؤال كيف يغيرون أولئك النواب وهم لايعرفون عددهم فما بالك باسمائهم؟!
ميشيل عون مؤسس البعث!
الرئيس اللبناني ميشيل عون لفت الأنظار عندما سقط أرضاً بينما كان يسير إلى جانب الرئيس المصري في مؤتمر القمة العربية في عمان، لحظة سقوطه تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة وصارت حديث مواقع التواصل الاجتماعي، هذا الحدث لم يكن بعيداً عن تاريخ إجرائنا الاستبيان، ولعل تلك الحادثة هي ذاتها كانت السبب لطرح سؤالنا عن اسم الرئيس اللباني؟ لكن الرئيس اللبناني تحول إلى مؤسس حزب البعث المحظور دستورياً بقدرة الطلبة الذين جرى استبيانهم، فأغلب الطلبة أجابوا بأنه مؤسس حزب البعث وربطوا بينه وبين ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث المحظور، وفشل 81 بالمائة في الإجابة على هذا السؤال وكانت الإجابات غريبة فبعض من عرف جنسيته قال أنه مطرب لبناني فيما قال آخرون أنه عازف كيتار، فكانت إجابة الطلبة على هذا السؤال عزفاً نشازاً ازعجنا جميعاً.
متى انتهت الحرب العراقية الإيرانية؟
تظل الحرب العراقية الإيرانية حدثاً مهماً في تاريخ البلدين (وفي تاريخ أية عائلة عراقية) فقد سحقت طاحونتها أكثر من مليون عراقي بين أسير وقتيل، فضلاً عن الدمار الذي ألحقته بالبلد والأموال التي أنفقت على تلك الحرب والتي كانت ستغير حياة الأجيال العراقية بما فيها جيل الطلبة اليوم الذي فشل سبعون من أصل مئة طالب وطالبة في الإجابة عن سؤال متى انتهت هذه الحرب!، ونجح 28 من بينهم فقط في الإجابة الصحيحة، وهي أن الحرب انتهت عام 1988 بينما كانت أغلب الإجابات تشي بضعف المعلومات لدى طلبة الجامعات إذ كيف نتعامل مع إجابات من نوع أن تلك الحرب انتهت عام 1996 مثلاً؟
وإذا كان الطلبة لم يعيشوا حدث انتهاء الحرب العراقية فإنهم عاشوا حدث سقوط النظام وكنا نتوقع نسبة عالية من الصواب في الإجابة عن سؤالنا متى سقط نظام صدام؟ غير أن 55 بالمائة من الطلبة لم يعرفوا الإجابة الصحيحة وهي خيبة أخرى لاسيما وأننا أجرينا الاستبيان بينما كان العراق يستعيد ذكرى سقوط النظام.
السؤال الصعب
نعترف أن أطرف واصعب سؤال طرحته “الشبكة” على الطلبة هو ما هو عمر الفراشة؟ ونقر أننا كصحفيين لانعرف كلنا الإجابة عليه لكن وضع هذا السؤال كان نابعاً من ثقتنا بأن بين طلبة الجامعات من لديه اهتمامات علمية وثقافة متنوعة، فضلاً عن شعور الجميع بأهمية وضع سؤال صعب بين أسئلة سهلة والحق أنه لم يتوصل إلى الإجابة على هذا السؤال أي طالب وكانت جميع إجاباتهم خاطئة.
والحقيقة أن الإجابات كانت بعيدة عن الإجابة الصحيحة وهي معلومة مهمة فعمر الفراشة هو يوم واحد فقط بينما تلقينا إجابات بعضها وصل إلى سنوات ولكن بالمجمل فإن الثقة التي وضعت بذكاء الطلبة لم تكن في محلها..
رياضيون
نشهد أن طلبة الجامعات متابعون ممتازون لكرة القدم ولمنتخبنا الوطني وأن أغلبهم أجاب عن سؤالنا متى فاز العراق ببطولة آسيا بكرة القدم؟، ويبدو أن تلك الذكرى راسخة في ذاكرتهم فقد كان الفوز انجازاً تاريخياً وكذا الحال مع سؤالنا عن متى ترشح المنتخب الوطني لكأس العالم؟ إذ أجاب نحو 67 طالباً وطالبة بصورة صحيحة من أصل مئة طالب، وكم تمنينا أن تكون اهتمامات الطلبة الثقافية والعلمية والفنية والسياسية بمستوى اهتمامهم الرياضي.
مرقد النبي يونس
سؤالنا الآخر كان أين يقع ضريح النبي يونس؟ وقد عجز أكثر من 60 طالباً وطالبة عن الإجابة على هذا السؤال، مع أن أغلب الإجابات كانت (لا أعرف) إلا أن البعض قال إن الضريح يقع في فلسطين، آخرون قالوا في مصر وفي الواقع كانت الإجابات مخيبة لأن ضريح النبي يونس يقع في مدينة الموصل التي تشهد معارك لتحريرها من تنظيم “داعش” الإرهابي!.
يوسف العاني سياسي لبناني
كان هذا السؤال يتعلق بمعرفة شخصية حازت على لقب فنان الشعب وهو الكاتب والممثل المسرحي الراحل يوسف العاني، الذي شاهده العراقيون في العشرات من المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية طوال العقود الماضية، وقد رحل العاني العام الفائت وحظيت وفاته بتغطية إعلامية واسعة، ولهذا كنا نتوقع الحصول على إجابات كاملة من بين مئة طالب، لكن نصف الطلبة فقط أجاب بصورة صحيحة فيما كان باقي الأجوبة خطأ.
وأكثر الإجابات الخاطئة قالت إن الفنان الراحل يوسف العاني هو سياسي أو عضو برلمان، ومن بين الإجابات الغريبة أنه سياسي لبناني! بل البعض أجاب بأنه صحفي أو مطرب، وفي إجابة طريفة للغاية قال أحد الطلبة أنه لم يسمع به من قبل! لست أدري بمن كان يسمع إن لم يسمع بالفنان الراحل يوسف العاني.
“الشبكة” حملت نتائج هذا الاستبيان ووضعته أمام عدد من أساتذة الجامعة والمختصين لمعرفة أسباب هذه الظاهرة المؤسفة التي تكشف عن تردي المستوى الثقافي لدى طلبتنا وتشخيص العلة والمسؤوليات والآليات التي يمكن أن تعالج ذلك، فكانت هذه الحصيلة:
الاستاذ موسى: تدهور المؤسسات التعليمية
محمود حسين موسى ،أستاذ التاريخ الأوروبي الوسيط في الجامعة المستنصرية، يقول إن مشكلات التعليم في العراق تعود الى ماقبل 2003، فكان للحروب التي شهدتها البلاد أثرها المباشر في تراجع المستوى العلمي والثقافي للطالب، وتراجع كبير في أعداد الدارسين والكوادر التدريسية، وكذلك تدهور المؤسسات التعليمية وجودة التعليم، بفعل الاضطراب الأمني والتدهور الاقتصادي والعزلة عن التطورات العلمية السريعة في العالم. لكن التحول الكبير حصل بعد 2003 ، فكان لانعدام الأمن والحرب الأهلية والتحولات المجتمعية السريعة أثره المباشر بتراجع المستوى التعليمي، رغم تزايد نسبة الدارسين بشكل كبير.
يضاف الى ذلك ،كما يؤكد موسى، الكسل العلمي لدى الطالب جراء الإحباط وغياب الأفق ما بعد إنهاء الدراسة وانتشار البطالة، وغياب المحفزات المادية والمعنوية، وانتشار ظاهرة الغش الإلكتروني وسهولة النجاح، وطبيعة الكم في المناهج التي تعتمد طريقة التلقين، وعند الكادر التدريسي أيضا، فالطالب الذي يصل الجامعة ينقصه من ادوات التعلم الكثير.
ويختم بالقول أن هذه الأسباب وغيرها، خلقت عبر سنوات عديدة جواً من الإحباط وعدم الاكتراث لدى الكادر التدريسي والطالب على حد سواء، فانتشار ثقافة النجاح المجاني عبر الدور الثاني والثالث والتسهيلات الحكومية المرتبطة بقرارات غير مدروسة، ألغت الحافزية والدافعية للاهتمام من قبل الطالب والتدريسي.
د. الطائي: الأميّة ثلاثية
د.محمد الطائي ،أستاذ مادة التصميم في كلية الفنون الجميلة، ويبدو أن الرجل لم يصدم بإجابات الطلبة إذ أكد أن الأمية ثلاثية (أبجدية وثقافية وتقنية) وقال: أنا كوني أستاذاً جامعياً ألتقي يومياً بالعديد من الطلاب وأعاني من هذه الأمية التي تؤرقني وترفع درجة حرارتي.
وقال الطائي إن الجيل الجديد يجيد اللعبة التقنية بل أن كثيراً من أساتذة الجامعات يعتمد تقنياً على طلابه وبما أن هناك مثلثاً يربط آلية التربية والتعليم والذي هو (المادة المعرفية والمنهج المقرر) فهناك علاقة جدلية بين الأستاذ والطالب تقول: (إذا أحب الطالب الأستاذ أحب المادة التي يدرسها) فالكثير يقول أن الإشكالية في الجيل الجديد والآخر يقول إن المنهج لا يرتقي إلى الحداثة، أما أنا فأحمل الأستاذ المسؤولية لأن أجوبة هؤلاء الطلاب تعود إلى (أمية ثقافية) سببت الضجر لدى هذا الجيل من شيء اسمه القراءة وهنا الأستاذ هو من يتحمل المسؤولية لا الطالب فقط، فالأستاذ المهني والمحترف هو من يرتقي بالمنهج، وإذا لم يستوعب الطالب عليه أن يتصاغر مثل اللقى الطينية لإيصال المادة، وإذا كان وعي الطالب متقدماً عليه أن يرتقي بثقافته أيضاً.
د. الصالحي: تجهيل مقصود
د.سعد الصالحي ،جراح اختصاصي وشاعر، يقول: يبدو لي أن تتويج مرحلة (الاحتلال) بما رافقها من تسيد التيارات (الأسطورية – الدينية) قد تآزر مع تردي حالة الطبقة الإجتماعية التي كانت متأسسة على (المعرفة) سابقاً، مع القصد (التجهيلي) القائم على الطقسية والوعظية الساذجة. هنا لا أقصد (تبرئة) ما سبق الاحتلال من ثقافة الحروب والعنف، التي أقصت مناخات البحث والتوق إلى ما هو أرقى، حيث أحالتها إلى مجرد (البقاء على قيد النكوص).ويضيف الصالحي: لقد كان الخروج حياً من الحروب، هو أقصى مدارك المعرفة فكيف باللغة والنحو والصرف والأدب وبقية العلوم أن تنازع هذا المسعى في الفن والاتصال بالعقل محضاً، أو بغيره. أما المناخ الثقافي فقد أصبح مشاعاً للتناقضات الاجتماعية التي باتت تتحكم فيه. ولا غرو أن أصبح السائد المتردي يغلب على (الصائب) المتنحي، لا بفعل الإرادة، بل بفعل القسر المتنامي سياسياً وأدبياً واجتماعياً من قبل السلطة الساذجة، والتي لا يعني لها من الأمر سوى (خضوع الرعية) لكل أسطوري وديني أكثر سذاجة.
د. صالح: الحروب هي السبب
الدكتور قاسم حسين صالح فسر الظاهرة بسببين رئيسين: الأول أن الطالب الجامعي خبر الحروب لسبعة وثلاثين عاماً، وأن الحرب والثقافة ضدان لا يجتمعان..لأن الحرب تشغل العقل بالقلق الوجودي وعبثية الحياة والفواجع والأحزان، فيما الثقافة تحتاج إلى راحة البال والإحساس بوجود معنى للحياة والاستمتاع بثقافة الجمال التي يجسدها الأدب والفن. وأضاف الدكتور صالح: كنت أجريت دراسة مماثلة في العام(87) تبين منها أن طلبة الجامعة لا يعرفون أدباء مشهورين مثل دستويفسكي، نجيب محفوظ، ونازك الملائكة. غير أن الظاهرة اتسعت لبقاء نفس السبب..الحرب..التي صارت الآن بين الأهل والأهل. والثاني: أن الطالب الجامعي يريد من المسؤول في الدولة أن يؤمن له احتياجاته العلمية وضمان مستقبله، فيما القادة السياسيون مشغولون بمصالحهم، ولم يحدث أن زار الجامعات قائد سياسي يسألهم عما يريدون وينفذ لهم مطالبهم المشروعة.. بل أن بينهم من يدخل الجامعة ويهينهم، وحين يصل الإنسان إلى حالة اليأس من آخر مسؤول عنه.. فإنه يهمله. بالمقابل..هنالك شباب جامعي كرسوا حياتهم للثقافة وبمستوى عال واصدروا مجلات ثقافية رصينة كما حصل في الديوانية والحلة.. ووجوه محبة للثقافة والجمال تلاقيك مبتسمة في المنتديات الثقافية وشارع المتنبي.
د. ماجدة: خراب مؤُسَّس في أجيالٍ أسبق
وتقول د.ماجدة السعد ،أستاذة جامعية،: لا أعزو هذا الانحدار الى (الجيل) – وأقصد به الشريحة التي تم استقصاء الرأي فيها بصدد الأسئلة – وإنما أحيله إلى خراب مؤُسَّس في أجيالٍ أسبق . تلك الأجيال التي أفسدها الحصار وتتابع الحروب، في اللحظة التي تحول فيها الأستاذ ،القدوة المحترمة، إلى شخص يمد يده للتلميذ مبتزا بالرشوة، وبفرض الدروس الخصوصية مقايضة بالنجاح ، أو الرسوب . وأعتقد أن هذا من الأسباب المؤسسة للانحدار والتجهيل .
أما السبب الأعم ، فيكمن في ثورة الاتصالات، التي أشاعت ثقافة الانفتاح على حساب الأسرة والمدرسة والمحلة، إضافة إلى ما أتاحته من توفير رغباته، وليس احتياجاته المعرفية والأخلاقية .
لذلك تؤكد د. ماجدة أن نكوص المؤسسة الرسمية الثقافية والتعليمية الأولية والجامعية وحتى العليا، واضمحلال دورها المسؤول في استنهاض الذاكرة الوطنية، وانسياقها للميثولوجي والديني على حساب المعرفي، من خلال انغماسها وغمس (الجيل) في ثقافة الطقوسيات التي تستدعيها لأكثر من مدة فصل دراسي كامل، قسرا، وحرصها على ( ثقافة القطيع ) الواحد .. وهكذا تم لها تدجين الجيل بالتجهيل لما يناسب أغراضها السياسية الساذجة .