كفة الطمع تساوي كفة الموت

رجاء خضير /

لا تقل حرفاً، فقد مللتُ الحروف التي تنطقها فهي خاوية مثلك، لا تبلُّ ريقاً ولا تشبع جوعاً، فعلام الاستماع لها، عذراً لسنواتي الماضية والآتية. لأنني لم اكتشف هواني الا بعد ما انقضت، فعلام الندم، وعلام الاعتذار، وقد أنذر الرحيل بالمجيء…..

(و) امرأة في الثلاثين من العمر، جميلة الملامح، وصوتها الخافت يزيدها جمالاً وأنوثة، حدثتني بعد أن عرفت هدف زيارتي لها فقالت:
أنا يتيمة الوالدين منذ صغري، تربيتُ في بيت خالتي التي أحبتني كثيراً، لم تفرق بيني وبين أبنائها، بل كانت تفضلني عليهم أحياناً، حينما كبرتُ عرفتُ أنَّ والديَّ توفيا بحادث إطلاق نار عشوائي في حفل زفاف أحد الأقارب، لذا أخذت خالتي مسؤولية تربيتي مع أطفالها، كنت متفوقة في دراستي، وعند الانتهاء من دروسي أساعد خالتي في أعمال البيت، ما يدفعها لمدحي أمام بناتها وتسمعهم كلاماً جارحاً لعدم مساعدتهم إياي.
سارت الحياة على هذه الوتيرة، لم يعكر صفو حياتي سوى زيارة أهل والدي لي بين حين وآخر، إذ كنت أسمعهم يتجادلون مع خالتي بسببي، لم أعرف وقتها السبب الحقيقي الذي يكمن وراء هذا الشجار لصغر عمري آنذاك..
ولكن حينما كبرتُ قليلاً سألت خالتي عن أمورٍ عدة، من بينها سبب الخلاف بينها وبين أهل والدي؛ فأجابتني خالتي بالقول: (هم يريدون إعادتكِ اليهم أو يتركونكِ معي مقابل أن تتنازلي أنتِ لهم عن حقكِ في ميراث والدك).
بعد صمت أضافت (و):
حزنتُ كثيراً لسماع هذا الكلام وارتميتُ في أحضان خالتي وتوسلتُها ألّا تسمح لهم بأخذي!! من يومها عشتُ في خوف ورعب كلما جاؤوا لزيارتي…. كبرت ودخلت الجامعة والحال كما هو مع أهل والدي على الرغم من وفاة جدي المحرّض الأول على مسألة الميراث، في يومٍ تناهى إلى سمعي صوت زوج خالتي وهو يحثّها على أن تأخذ القرار الصحيح بشأني وحلّ المشكلة مع أهل والدي! رأيتُ خالتي تبكي وتذكر أمي بحبٍ وحنان مما حدا بي إلى أن أدخل غرفتي وأبكي أنا أيضاً:
وبدأت المشكلات بين خالتي وزوجها الذي بدأت تصرفاته تتغيّر معي ومع خالتي، وفكرت كثيراً، هل أذهب مع أهل والدي وأنهي الخلاف مع خالتي أم أصمد واتحمّل إكراماً لتعلّق خالتي بي!!
في أحد الأيام حضر عمي الكبير وطلبني للاستماع لما سيقوله لخالتي، امتثلتُ للأمر وجلستُ معهم، قال عمي: أنا أرغب بتزويج ابنة أخي (التي هي أنا) من ابني الكبير! والا سنأخذها بقوة القانون! تهديده هذا أيقظ فيّ إحساس الخوف على خالتي، وما سيفعلهُ عمي بها وبعائلتها، لذا تدخلتُ فوراً وطلبتُ من عمي إعطائي بعض الوقت للتفكير وأخذ القرار الخاص بحياتي المستقبلية، وافق الجميع على اقتراحي هذا.
ثم أردفت (و): دخلت خالتي ليلاً إلى غرفتي وفاتحتني بالموضوع، وسألتني ماذا أنوي؟ أجبتها سأوافق على الزواج من ابن عمي، لأنهي هذه المشاحنات بينك وبينهم، وأوضحت لها، أنني أخاف تهديداتهم السيئة لكِ!!
أكملتُ الجامعة وتزوجتُ من ابن عمي الذي رفضتهُ من أعماقي منذ البداية لخشونة تعامله معي وكأنني أسيرة عنده، بعد أيام من زواجنا بدأت نياتهم الخبيثة. عرفت أن ثمن هذا الزواج هو أن أتنازل عن ميراثي لهم، ناقشتهم بتفاصيل دقيقة وأن ما تركه والدي هو من حقّي فقط، ولكن لا آذان صاغية لكلامي، واستمرت حياتي معهم على هذا المنوال، انجبتُ أثناءها ابنتين، وهذا أزعجهم أيضاً، لأنّهم يرغبون في الذكور وليس الاناث، وكأن الأمر بيدي، هذه المعاناة تخف وتضمحل حينما التقي بخالتي التي تخفف كثيراً مما أعانيه وتشجعني على الصبر والاحتمال…. اللقاءات مع خالتي كانت لا تسعدهم، بل يعدّونها السبب في عدم موافقتي على ما يطلبونه مني وهو التنازل عن الميراث.
في يوم تجرأتُ وسألتُ زوجي عن سرّ اهتمامهم، بل إصرارهم على تنازلي عن حقي! فبادرني بضربة قوية على وجهي جعلتني أصمت!
قرّرتُ ترك الخوض في الموضوع مرة أخرى، ولكن هذه الضربة جعلتني أكثر إصراراً على التمسك بحقي بالميراث وليحصل ما يحصل!!
وتعوّد زوجي على ضربي بسبب أو بدونه، شكوته لوالدته التي وقفت بجانبه ضدي، وفي يوم زارتني خالتي لأنّني تأخرت في زيارتها، فرأت زوجي يضربني بشدّة وكأنّه يستفزها بهذا التصرف، تدخلت لتوقفه عن الضرب والشتم، دون جدوى بل ازداد عنفاً وقسوة، استنجدت خالتي بشقيقهِ ولكن الأخير اعتذر بحجة أنّه يؤدب زوجته، وليس من حقّه التدخل.
لا أعرف كيف سقطتُ أرضاً من يده فارتطم رأسي بحافة النافذة التي بجانبي وغرقتُ في دمائي، هذا المنظر دفع خالتي إلى التدخل الفوري ودفعت زوجي بكل قوتها نحو الجدار الذي خلفه، ثم انكبت فوقي تنادي باسمي وهي تبكي وتدعوني للنهوض من الأرض ومرافقتها إلى بيتها، هذا ما عرفته عقب استيقاظي من الغيبوبة، وبعد أن تماثلتُ للشفاء رافقتُ خالتي بعد خروجي من المستشفى.
بعد أيام من هذا الحدث جاء زوجي ليعيدني إلى البيت مهدّداً أنّه سيقتل خالتي أمام عيني إن لم أفعل، خشيتُ منه ومن نظراته القاسية الخبيثة التي ينظر بها إلى خالتي وإليّ، استغفرتُ الله وعدتُ معه بعد أن تحدثت مع خالتي وأقنعتها، لئلا ينفّذ تهديده، وافقت على رأيي وهكذا عدتُ مرة أخرى أنا وطفلتاي إلى السجن الرهيب، ومن يومها بدأ كابوس تعذيبه إياي وطفلتيّ، وكم من مرة توسلتُ به أن يترك الطفلتين فما ذنبهما ليعذبهما هكذا، فأجابني بكل وقاحة (لأجعلك تتألمين أكثر) ثم يضيف تنازلي عن الميراث وأعطيك حريتك، أطلقك وتأخذين الطفلتين.
وفكرت وقالت (و):
لماذا هذا الإلحاح على الميراث؟
أجابني بقسوة أشد: لأنّه كثير جداً، فهل تتمتعين به وحدك!!!
وهنا بكت (و) توقفت قليلاً ثم أضافت: عندها فقدت صبري وأجبتهُ أنني لن اتنازل عن شبرٍ من أملاك والديّ: ولتذهب أنت وأهلك إلى الجحيم، عندها استشاط غضباً وبدأ يضربني وبنتيّ ضرباً وحشياً، لكنني استطعت إخراجهما من البيت لأبقى وحدي مع الوحش الكاسر.
وفجأة دخل شقيقه الصغير، توقعتُ أن يخلصني من أنياب الذئب الشرير، ولكنّه على العكس، ساعده بإعطائه سكيناً ليضربني بها، وقبل أن يصل لي وينفذ جريمته انزلقت قدميه بالسجادة فوقع أرضاً ولم ينهض بعدها، صرخ عليه شقيقه أن ينهض ويقتلني ويتخلص مني لكنّه لم يجبه، تقدم اليه شقيقه ليراه يسبح ببركة دماء غزيرة وقد فارق الحياة وصرختُ وصرخ شقيقه… وبصمت قلتُ مع نفسي… اللهُ انتقم لي…
اجتمع الجيران حينما سمعوا صراخنا، والغريب أنّ شقيقه اتهمني أمام الشرطة بأنّني أنا من قتلته، وأقسمت لهم بأنني بريئة كبراءة الذئب من دم يوسف….
وقد أثبتت التحريات بأنّ الحادث قد حدث قضاء وقدر، بعد أن سقط زوجي على السكين التي بيده، ولكنني دفعتُ ثمن هذا الحدث وهو فراقي لابنتيّ إلى حين إكمال الاجراءات الروتينية لأخرج اليهما. هذه هي حكايتي مع الزمان!!!