أنسام الشالجي /
كلنا على يقين بأنَّ الحياة ليست سهلة وأحيانا تتحول متاعبها ومصاعبها إلى مِحن، وقد كشفت لنا جائحة كورونا أن الحياة أينما كانت صعبة..
التاج
لا أريد أن أخفف ما نعانيه أو نواجهه، لكن المتابعين لمسلسل (التاج) الذي يروي قصة العائلة المالكة البريطانية، شاهدوا المحن التي مرت وتمر بها هذه العائلة الثرية جدّاً والمشهورة والمحسودة أيضا، وهي لا تختلف عن التي يمر بها أناس اعتياديون، أغنياء كانوا أو فقراء..
مواجهة
من رحمته سبحانه على الانسان، أن أعطاه طاقة إن عرف قيمتها فإنه سيتمكن من مواجهة محنته وإن ضعف أمانها، فمما لا شك به فإن هذه الطاقة الايجابية ستتحول إلى أخرى سلبية وتتحول المِحنة إلى حزن عميق وقد يتطور إلى كآبة، وإن عدنا إلى موضوعاتنا السابقة سنجد أن الآخرين ينفرون من صاحب الطاقة السلبية لأنه يؤثر فيهم وأحيانا حتى المقربون منه، أفراد عائلته مثلا، ينفرون منه ويتركونه وحيداً..
ورشة محنة
مع تزايد ضغوط الجائحة ومنع التجوال، كنت قد نظمت ورشة عمل أونلاين عن المِحنة وكيفية مواجهتها والآن أكتب عنها بعد أن بدأت المشاركات والمشاركين يقطفون ثمار مواجهتهم.. وكانت فكرة الندوة أساسا من السيدة (منى، مهندسة..الأسماء في الموضوع كلها غير حقيقية) التي تعرضت إلى غبن وظيفي، إذ كانت تستحق درجة خبير في دائرتها وهي لديها خدمة ٢٥ سنة وتحمل شهادة عليا وأعطيت لزميلها الذي يصغرها في العمر والخبرة وحداثة حصوله على الماجستير، والسبب أن لزميلها (واسطة) قوية او كبيرة وحاولت استعادة حقها وفشلت مما دفعها إلى إخذ إجازة وكانت تفكر أن تنتقل إلى مؤسسة أخرى ضمن الوزارة نفسها او تتقدم بطلب إحالة إلى التقاعد المبكر ووجدت نفسها بمحنة لا تتمكن من مواجهتها، فسألتني عن الحل ..
الحل
كان الحل في ورشة العمل، شارك بها رجال ونساء شعروا بالغبن وقبل أن يسيطر عليهم الحزن او الكآبة.. طبعا مجرد المشاركة في الورشة خطوة مهمة، فمن هو مستعد للحديث عما أصابه، معناه أنه سيتمكن من السيطرة عليه، وتتذكرون موضوعنا عن ورشة العلاج الجماعي، إذ يتحدث كل عن همه ومشكلته ويستمع إلى غيره ويجدون الحلول لبعضهم البعض.
قررت منى بعد الورشة أن تستعيد ثقتها بنفسها وأن تعالج ما أصابها بالايمان والصبر، قطعت إجازتها وعادت إلى دائرتها ولم تشمت أبدا بزميلها (الخبير بالواسطة) وهو يتخذ قرارا خاطئا تلو الآخر ولم تمنح أي مجال لزميل او زميلة من محبي القيل والقال واستمرت بعملها ناجحة، يشير الجميع إلى عملها واستقامتها ونزاهتها، قالت لو إنها سمحت لإحساسها بالغبن أن يستمر لكانت الآن تتعالج عند طبيب نفسي..
محنة الحب
محمد، في المرحلة الرابعة من دراسته الجامعية، فجأة ودون (سابق إنذار) غابت زميلته التي تربطه بها علاقة حب منذ المرحلة الثانية وكل من في مرحلتهم يعرفون بهذه العلاقة. بعد يومين من غيابها، اتصل بها وكان رقمها خارج الخدمة وعادت بعد أسبوعين وهي في عجلة من أمرها وبرفقة شاب، هرع اليها، وبكل هدوء قدمته له بأنه خطيبها وجاءت لتبدأ معاملة تأجيل دراستها لسنتين لأنها ستسافر مع خطيبها الذي يسكن خارج العراق وتركته بحيرته وذهبت.. ترك محمد الدراسة، خجلا من الآخرين وحزينا.. تحدث اليه والداه، وقرر أن ينتفض على نفسه، محنة حب ويجب أن يتجاوزها، استغل السنة التي ترك بها الدراسة، بدأ بمشروع عمل صغير مع صديق له في أحد المولات ونجح، وكان علاجه، كما السيدة منى، استعادة الثقة بالنفس وأن (خيانة) حب ليست نهاية الدنيا او الحياة.
البدء من جديد
والسيدة دنيا، خريجة وربة بيت، اكتشفت أن زوجها تزوج عليها وقبل أن تعاتبه، طلقها وهي بعمر (٥٥ سنة) وبعد زواج دام ٢٥ سنة لم تنجب خلالها بسبب عقم الزوج، تحملته ولم تشر إلى عقمه أمام أهله ، تزوج شابة أحلى من دنيا كثيرا وتصغره ٣٥ سنة، هو ليس ثريا جداً، لكنه يملك ما يستطيع من خلاله أن (يدلل) العروس الشابة. أول خطوة بعد الورشة، ذهبت إلى العمرة ومن ثم أقنعت نفسها أن حريتها الان فرصة أن تعود إلى الحياة من جديد، شقيقها وزوجته أفرغا الطابق الثاني من بيتهما لها، ووجدت عملا بمساعدة شقيقها في شركة مقاولات، وتقول إن إيمانها بأن سبحانه يختبر عبده المؤمن وإن صبر يجازيه فضلا عن ثقتها بنفسها وحريتها، كانت سلاحها لمواجهة محنتها والبدء من جديد.
وأخيراً
هناك حكمة تقول إن كل محنة منحة، نتعلم منها ونزداد ثقة بانفسنا وحذار من الاستسلام، قلنا مرارا إن الاستسلام طاقة سلبية تقضي على مشاعرنا وحياتنا وتبعد الآخرين عنا، بينما الايمان والصبر والثقة بالنفس طاقة إيجابية تنعشنا وتدفعنا دائما إلى البدء من جديد وتجذب نحونا الطيبين..كونوا بطاقة إيجابية دائما.