أنسام الشالجي /
لا يوجد موضوع يتحمل ساعات من المناقشة مثل (الجمال) الذي جسّده النحاتون منذ آلاف السنين وفي مختلف الحضارات وأبدع الفلاسفة والشعراء والروائيون والأطباء آلاف الكتب والدواوين والروايات عنه، وكل يراه من زاوية أخرى..
هوس
لا نبالغ إن قلنا بأنَّ الجمال الظاهر، أي جمال الوجه خاصة وجمال الجسم عامة بات هوسا، وانتشرت عيادات ومستشفيات التجميل، وبين فترة وأخرى نقرأ قيام أجهزة الصحة الرقابية بغلق (دكاكين) التجميل، سواء كانت (عيادات) أو (صالونات حلاقة) التي يديرها من لا يملك إجازة ممارسة مهنة التجميل، العمليات خاصة.. ونقرأ بين أونة وأخرى أخباراً عن وفيات تحدث أثناء عمليات التجميل، شفط الدهون خاصة، وأخرى عن التشوهات التي تصيب الوجوه والأجسام بعد فشل عمليات التجميل، ولكن يبدو أن الشابات خاصة يغامرن، لأنَّ الجمال عندهن هو الجمال الظاهر فقط.
جمال الروح
أصبح هذا الهوس مشكلة داخل البيوت، سواء بسبب تكاليفها أو عدم موافقة الأهل.. لجأ (لؤي..مهندس، ٤٠ سنة) إلى والدة زوجته وهو يقسم إن أصرت على عملية التجميل فإنَّه سيطلقها، ونصحت الأم ابنتها وعجزت أن تقنعها بأن زوجها على حق وأن الجمال في الروح؛ أي القناعة والطيبة.. والأم (رجاء، مدرسة متقاعدة) سبق وأن شاركت معنا في ورش عمل عن الطاقة الايجابية التي تأتي من الايمان والقناعة قبل أي شيء آخر، وكان إن قررنا ورشة عمل عن جمال الروح الذي يمنح جمالا مريحا إلى الوجه وبريقا إلى العينين.
تعريف
شاركت في الورشة التي استمرت أسبوعا نساء من مختلف الأعمار والمهن وطالبتان جامعيتان ورجال وكان بينهم أحمد وزوجته ووالدتها.
ركزت الورشة أولا على تعريف الجمال.. اتفق الرجال، كما قالوا من خلال تجاربهم في الحياة، إن الجمال الظاهر زائل بينما جمال الروح باق ويستمر واضحا وجاذبا. بينما الشابات اتفقن أن الجمال الظاهر مطلوب وأن عمليات التجميل ضرورية كي لا يسمعن من يقول إن الجمال الظاهر زائل، وحاولت (سلمى… طالبة جامعية، ٢٠ سنة) أن تسخر من مصطلح (جمال الروح) وقالت: إنَّ الشباب يطاردون جميلة الوجه والجسم..
الجمال الزائل
في اليوم التالي، بدأنا المناقشة، لنصل إلى نتيجة.. بدأ (أبو محمد، صيدلي، ٤٥ سنة) موجِّها حديثه إلى سلمى وقال بأنَّه في بداية دراسته الجامعية كان يعتقد أن الجمال الظاهر أهم من أي شيء آخر، لكنَّه اكتشف بعد علاقة فاشلة مع أجمل طالبة في معهد الإدارة القريب من كليته، بأنَّها مغرورة وكسلانة كطالبة وأنَّها مملة حين تتحدّث. بينما زوجته تتمتّع بجمال متواضع لكنَّه مريح وجذبه اليها ذكاؤها ومناقشاتها في الصف وندم لأنَّه لم ينتبه اليها سابقا وعندما اقترب منها اكتشف طيبتها وقوة إيمانها واستعدادها لمساعدة الآخرين ولا يذكر أنَّه رآها يوما بوجه غير مشرق، لأنَّ صفاتها تمنح جمالا لروحها لتشع طاقة إيجابية.. وأكد (أحمد… رسّام، ٥٠ سنة) بأنَّه تزوجها لجمالها الظاهر الذي سرعان ما اختفى بعد أن أنجبت ابنهما، لكنَّه بعد الشهور الاولى من الزواج اكتشف استعدادها للعطاء والاهتمام بالبيت ولم تشتكي يوما لأنَّها لم تجد عملا رغم انها خريجة جامعية، ولم يبال ابدا لما فقدته من جمالها الظاهر..
السبب
واكتشفنا من خلال المناقشات، أن لؤي كان السبب في إصرار زوجته الشابة التي تصغره ١٥ سنة على إجراء عملية تجميل، فهو يملك شركة للمقاولات وبحكم عمله يقابل الكثيرين ودائما يقارن بينها ومن بين من يقابلهن ولا يتردّد أن يقول بأنَّ فلانة، مثلا، أجمل منها ولأنَّها تخشى أن (تخطفه) الأجمل منها، واعترف لؤي بخطئه ليقتنعا معا أن جمال الروح هو الأساس..
الرجل الجميل
وأكدت (سهى…، طبية تجميل، ٣٧ سنة) أن مقاييس الجمال تختلف من مجتمع إلى آخر ومن شخص إلى آخر، وكما يبحث الرجال عن المرأة الجميلة فمن حق المرأة أن تبحث عن الرجل الجميل، ولأنّ جمال الرجل جدلية لا تنتهي، فعليه أن يقتنع بأن جمال الروح سواء للمرأة او الرجل يستمر مدى الحياة.. وهي تنصح الشابات اللواتي يراجعن عيادتها بأن عمليات التجميل تفيد اللواتي يشكين من تشوه ما، سواء بسبب ولادي أو حوادث وتؤكد أنَّ الشباب أيضا بدؤوا يلجؤون إلى عمليات التجميل والسبب كما تراه هو في الفنانين (مطربين وممثلين) الذين يبدون أصغر في العمر بسبب هذه العمليات!
وأخيراً
عنوان مادتنا هذه من قصيدة للشاعر ايليا أبو ماضي التي يقول فيها:
والذي نفسه بغير جمال/ لا يرى في الوجود شيئا جميلا
أيّهذا الشّاكي وما بك داء / كن جميلا تر الوجود جميلا
ويؤكد فيها على جمال النفس التي حين تكون جميلة فسيرى صاحبها الوجود جميلا.. النجم”.