مؤسسة الشهداء قلة التخصيصات تدفعنا إلى أفكار بديلة

طارق الأعرجي تصوير: حسين طالب/

استحدثت مؤسسة الشهداء بعد عام 2003، بهدف إعادة الحقوق ورعاية شهداء جرائم البعث، قبل أن يتوسع عملها بعد تعديل قانونها في عام 2016 ليشمل شريحة شهداء وجرحى الحشد الشعبي، وشهداء وجرحى الإرهاب، وشهداء وجرحى الأجهزة الأمنية، وأخيرا شهداء احتجاجات تشرين. وقد بلغ عدد الشهداء، ممن يحظون برعايتها، إلى نحو 350 ألف شهيد، إضافة الى أعداد الجرحى من هذه الشرائح، التي منحها القانون حقوقاً مادية ومعنوية. الأعداد الكبيرة من الشهداء جعلت مخصصات المؤسسة لا تتناسب ومهامها المتعاظمة.
يقول رئيس مؤسسة الشهداء عبد الإله النائلي: “إن المؤسسة، واستناداً الى قانونها، تمنح كل عائلة مرتباً تقاعدياً يبلغ مليوناً ومئتي ألف دينار شهرياً، وقد جرت مساواة جميع عائلات الشهداء في الحقوق المادية، الى جانب مرتبات الجرحى التقاعدية، ابتداء ممن نسبة عجزه 30 بالمئة، إضافة الى تخصيص قطع أراضٍ وحقوق مالية أخرى، كالبدل النقدي ومنحة العقاري.” مبيناً أن المؤسسة غير معنية بشهداء وجرحى إقليم كردستان، فهناك وزارة في الإقليم تعنى بهم.
حق السكن
أوضح النائلي أن إمكانات المؤسسة لا تكفي لتلبية احتياجات هذه الشرائح الواسعة، ما دفعنا الى مطالبة الحكومة والبرلمان بزيادة التخصيصات المالية بما يتناسب والعدد الكبير من عائلات الشهداء وأعداد الجرحى، ومطالبة الجهات ذات العلاقة بتخصيص قطع أراض لعائلات الشهداء، ولاسيما في العاصمة بغداد، التي تعاني من أزمة كبيرة جداً في السكن وفي وجود أراض فائضة لتوزيعها، ولاسيما مع تزايد الأراضي المخصصة للاستثمار، التي تشهد بناء المجمعات السكنية، إذ أن قلة التخصيصات المالية تحول دون تعويض العائلات ببدل نقدي، ولاسيما أن قانون مؤسسة الشهداء يضع ثلاثة خيارات في مسالة توفير السكن لعائلات الشهداء: الأول منح قطعة أرض، والخيار الثاني الوحدة السكنية التي يمكن للمؤسسة أن تشتريها وتملكها لعائلات الشهداء مجاناً، والخيار الثالث البدل النقدي، اذ تمنح عائلة الشهيد مبلغاً مالياً عوضاً عن قطعة الأرض او الوحدة السكنية، ومن المؤسف أننا لم نتمكن من الإيفاء بالتزاماتنا تجاه هذه العائلات بسب قلة التخصيصات.
تخصيصات متواضعة
وأشار عبد الإله الى أن الموازنة المالية للمؤسسة متواضعة وشحيحة، اذ بلغت في العام الماضي 66 مليار دينار، وهذا مبلغ مجحف بالقياس الى موازنة الدولة العراقية البالغة 130 ترليون دينار، لافتاً الى أن الأعذار في السابق كانت تتعكز على الأزمة المالية، لكن العراق يمر ببحبوحة مالية، لذا نطالب وزارتي المالية والتخطيط بزيادة تخصيصات المؤسسة المالية لإنصاف عائلات الشهداء التي قدمت فلذات أكبادها، ولاسيما عائلات شهداء الحرب مع داعش ممن لبى أبناؤها الفتوى المباركة والواجب الشرعي والمسؤولية الأخلاقية التي حتمت عليهم الدفاع عن بلدهم فحققوا النصر ونعمة الاستقرار والأمان بفضل دمائهم .
شهداء التظاهرات
وأوضح النائلي أن القانون رقم 20 لسنة 2009 وتعديلاته أكد على شمول أي مواطن عراقي يتعرض لعمل إرهابي أو حربي أو أخطاء عسكرية، بنظام المؤسسة، وعليه جرى شمول الشهداء من المتظاهرين ضمن مجال الأخطاء العسكرية، وبالتالي فهم شهداء. وجرت المصادقة على ما يقارب الـ 90 بالمئة من ملفاتهم التي وصلت الى المؤسسة، وتسلمت عائلاتهم مرتبات تقاعدية.
منوهاً بأن تأخر العشرة بالمئة المتبقية من المعاملات، ناتج إما عن عدم تقديم ذويهم المعاملات، او عدم اكتمال معاملاتهم التقاعدية. موضحا أن عدد الشهداء من المتظاهرين يتجاوز الـ 500 وعدد الجرحى تجاوز الـ 10 آلاف، وأن هنالك لجاناً فرعية في المحافظات مسؤولة عن المصادقة على ملفات الشهداء او الجرحى.
الأمر ذاته ينطبق على المصابين، إذ يجب إثبات الحالة في أقرب مركز شرطة على الإصابة أثناء التظاهرات، وبعدها يعرض المصاب على لجنة طبية لتحديد نسبة العجز، ومن ثم يقدم معاملة الى مؤسسة الشهداء لإصدار قرار من اللجنة الفرعية بشموله بالحقوق والامتيازات، حسب القانون.
ضحايا الحروب العبثية
وأشار رئيس مؤسسة الشهداء الى أن ضحايا الحرب العراقية الإيرانية وحرب الكويت، اللتين كانتا بسبب حماقات صدام، التي أدت الى زج العراق في حرب مع إيران استمرت ثماني سنوات، وبالتالي ذهب ضحية هذه الحرب العبثية مئات الآلاف من الضحايا، وكذلك حرب الخليج الثانية التي ذهب بسببها الكثير من الضحايا، وهؤلاء هم ضحايا نظام البعث.
وبعد عام 2003 فإن قانون المؤسسة، الذي شرع من قبل مجلس النواب، عرف الشهيد بأنه المواطن العراقي الذي ضحى بحياته، او فقدها بشكل مباشر، نتيجة ارتكاب حزب البعث البائد أياً من جرائمه، ومنها الإعدام والسجن والتعذيب، او نتيجة ذلك، أو الإبادة الجماعية، أو الأسلحة الكيمياوية، أو الجرائم ضد الإنسانية، أو التصفيات الجسدية، أو التهجير القسري، أو من غيِّب أو وجد في المقابر الجماعية، أو الهارب من الخدمة العسكرية، أو بسبب معارضته النظام في الرأي أو المعتقد، أو الانتماء السياسي، أو تعاطفه مع معارضيه، أو مساعدته لهم. وهذا التعريف للشهيد لا ينطبق على ضحايا الحرب العراقية الإيرانية أو حرب الكويت، وبالتالي لم يتم شمولهم بقانون المؤسسة، بل جرى الإبقاء على شمولهم بقوانين سابقة، التي على أساسها منحت عوائلهم مرتبات تقاعدية وقطع أراض. مبيناً أن هؤلاء الضحايا كانوا بين نارين، ولذلك نسميهم ضحايا. مشيراً الى وجود توجه حكومي بتعويض عائلاتهم والاطلاع على شؤونهم، إذ يجري تشكيل لجان من قبل وزارة الدفاع باعتبار أنهم تابعون إليها، ولاسيما أن هناك -في التقاعد العسكري- قسماً لرعايتهم، فواجب وزارة الدفاع الاطلاع على شؤونهم وأحوالهم، وهذه حالة إنسانية ينبغي دعمها، ولاسيما أن وزارة الدفاع لديها موازنة كبيرة جداً تمكنها من تلبية احتياجات عائلات هذه الشريحة، أما مؤسسة الشهداء فقانونها لا يشمل ضحايا حروب النظام السابق.
تنمية موارد المؤسسة
وكشف النائلي عن أن من أهم أولويات عمل المؤسسة تفعيل الموارد الاستثمارية وتنمية مواردها من خلال بعض المشاريع الاستثمارية، كذلك دعم صندوق الشهداء بما يتيح للمؤسسة التوجه نحو الاستثمارات من أجل تنمية الموارد لضمان إحداث موازنتين: الأولى استثمارية، تتوفر من الهبات والمنح والتبرعات والإعانات التي تقدمها الدولة، أو من دول. والثانية لدعم إيراداتها، ونحن متوجهون حالياً لاستثمار موقع نصب الشهيد، الذي يعد صرحاً كبيراً، إذ يحوي مساحة كبيرة جداً، ونحن –كمؤسسة- نحافظ على هذا الصرح من التلف أو الاندثار، وقد جرى مؤخراً افتتاحه لطلبة الجامعات لإقامة حفلات التخرج وأغراض التصوير، لكن هذا لا يكفي، ولدينا نية بجعل نصب الشهيد والمساحة التابعة له مرفقاً سياحياً ومتنفساً للعوائل العراقية من خلال إنشاء حدائق ومراكز تسوق ومرافق خدمية وصحية، ما يتيح توفير أمرين: أولهما أن يكون متنفساً ومورداً استثمارياً داعماً للمؤسسة، من خلال جباية بعض الرسوم البسيطة، وهو لدعم لعوائل الشهداء وصندوق الشهداء ورعاية الحالات الصحية والاجتماعية لعوائل الشهداء، الثاني بالانفتاح على مشاريع استثمارية واقتصادية وصناعية وتجارية، كما أن لدينا رغبة في إنشاء شركات مختلطة مع القطاع الخاص كي نطور عملية الاستثمار، ولاسيما أن المؤسسات الحكومية لا تستطيع أن تنهض لوحدها في مجال الاستثمار، لذلك ممكن إنشاء شركات مساهمة مع القطاع الخاص، وبالتالي تكون للمؤسسة نسبة معينة، وبذلك تستطيع المؤسسة الانفتاح على المشاريع الاستثمارية كافة، وكذلك الاستيراد والتصدير، ما يحقق عائداً مالياً للمؤسسة، وإذا ما توفرت لصندوق الشهداء مبالغ يعتد بها، فمن الممكن الاتجاه الى أي مشروع جديد.
توفير السكن لعائلات الشهداء
وشدد عبد الإله على أن الشغل الشاغل للمؤسسة هو توفير السكن لعائلات الشهداء من خلال مطالبة الجهات ذات العلاقة، والمتمثلة بعقارات الدولة وأمانة بغداد، بتوفير الأراضي للمؤسسة، ليتسنى لنا بناء مجمعات سكنية توفر أيضاً فرص عمل كبيرة لتشغيل الأيدي العاطلة، داعياً وسائل الإعلام إلى مساندة مؤسسة الشهداء في مهمتها الإنسانية الكبيرة، التي تتطلب مؤازرة الجميع، لأن المؤسسة لا تستطيع، بإمكاناتها المتواضعة وبموازنتها المحدودة، تلبية كل متطلبات عائلات الشهداء.