أنسام الشالجي /
يبدو جلياً من عنوان موضوع هذا العدد من (أسلوب حياة) أننا سنتحدث عن الصوت، نبرته خاصة. والعنوان أعلاه هو شطر من بيت شعري لبشار بن برد المتوفى سنة ١٦٨ هجرية، الذي ولد ضريراً، وقاله في محبوبته (عبدة) التي عشقها من صوتها.
بصمة الصوت
مع بداية سبعينيات القرن الماضي، بدأت الأبحاث الجدية عن لغة الجسد (التي سنتناولها في أعداد مقبلة إن شاء الله)، التي تثبت صدق الشخص الذي يتحدث إلينا أو تشير إلى كذبه، واكتشف الباحثون أن لنبرة الصوت تأثيراً لا يختلف عن لغة الجسد، أي أنها تكشف صدق المتحدث أو كذبه وقوة شخصيته أو ضعفها، ثقته بنفسه أو تردده، والأهم أنها تشكل عاملاً لجذب الآخر أو نفوره منه. كما أكدت الأبحاث أن للصوت بصمة خاصة بكل شخص تماماً مثل بصمتي العين والإصبع. وخلال عقود من الأبحاث، أصبحنا نعرف لماذا ننصت إلى متحدث دون غيره، ولماذا تنجح أمّ مع أبنائها فيستمعون إلى نصائحها بينما تفشل أخرى، ولماذا نستمع إلى هذا المطرب دون غيره، والكثير من الأمثلة الأخرى.
وللمثال، أشير إلى دراسة علمية سبق أن نشرتها قناة (RT) بالعربية قبل سنوات وكانت خاصة بالصوت أجراها علماء أمريكيون أكدت أن الإنسان يختار أصدقاءه انطلاقاً من مدى التشابه بين الأصوات، كما كشفت الدراسة أن الإنسان يصدر إشارات صوتية محددة أشبه ببصمة صوتية تخص صاحبها فقط، وتعتبر بمثابة مرشد في البحث عن الأصدقاء.
التدريب على النبرة
في ورشة عمل لأمهات يشكين من عدم استماع صغارهن، أبناء وبنات، إلى نصائحهن وأوامرهن، بينما يستمعون إلى الآباء والجدة، كان واضحاً أن مشكلتهن تكمن في نبرة الصوت وأسلوب التحدث.
السيدة مها (اسم مستعار)، حتى في حديثها مع المشاركات كانت تلجأ إلى نبرة مسيطرة وحادة وبدت إما متعالية أو مهدِّدة لدرجة أنها فقدت تعاطفهم معها، بينما كسب زوجها، الذي رافقها في اليوم الأول للورشة، صداقة الجميع من خلال نبرة صوت هادئة بدا من خلالها ناصحاً ومتعاوناً. أما السيدة سعاد (اسم مستعار أيضاً) التي فقدت أية وسيلة للتواصل مع ابنها المراهق الذي غادر البيت للعيش مع جدته ولا يتصل هاتفيا سوى بوالده، فقد كانت مشكلتها أيضاً النبرة الحادة التي استخدمتها معه، التي جعلته يخافها ولا يشعر بأي أمان معها. وضعت أمامهن عناوين أبحاث علمية حديثة عن تأثير نبرة الصوت في تربية الأبناء وكسب صداقتهم، وبالتالي نجاحهم في دراستهم وحمايتهم من الانحراف، وطالبتهن بالاطلاع عليها. في اليوم الثاني بدأن التدرّب على تغيير نبرة الصوت عند التحدث مع الأبناء، ولاسيما عند إبداء النصائح لهم، نبرة هادئة تعبر عن الحنان والاهتمام..
بعد ثلاثة أشهر جاءت السيدة مها مع زوجها وحدثتني بسعادة عن علاقتها الطيبة مع أبنائها بعد أن غيرت نبرة صوتها، والأمر نفسه أكدته السيدة سعاد، وخلال كتابتي لهذه المادة، اتصلت بي وأبلغتني بفخر أن ابنها حقق معدل ٩٧ في الفرع الأحيائي بعد أن أصبح يستمع إلى نصائحها بنبرة أشعرته بخوفها عليه وعلى مستقبله.
خيانة!
ونبرة الصوت، أيضاً، تجعل مدرِّساً أو مدرِّسة يحققان نسب نجاح عالية، وهذا مثال ينطبق على الأساتذة الجامعيين أيضاً، وفشل آخرين، وشروط نجاح الفاشلين في التدريس لا تختلف عن الورشة التي تدربت فيها الأمهات.. وفي الدوائر الخدمية، نرى أن المراجعين يتهربون من الموظف ذي النبرة العالية والغاضبة، الذي قد يواجه ما لا يرضيه من المراجعين.
كما أن نبرة الصوت تكشف كذب الزوج أو خيانته أمام الزوجة، فهو يحاول أن يغير نبرة صوته، لكن ما ارتكبه يجعل نبرته تبدو مترددة، ترتفع وتنخفض، وتقول الأبحاث إن النبرة في هذه الحالة تكون لا إرادية، تماماً مثل الإيماءات اللا إرادية التي تشكل لغة الجسد. ورغم وجود معاهد في الدول المتطورة بهذا العلم يدرس فيها سياسيون ورجال أعمال لتعلّم كيفية السيطرة على الإيماءات ونبرة الصوت، إلا أن هناك من يفشل وبالنتيجة يكشف أخطاءه من خلال نبرة صوته.
أخيراً..
لابد من الانتباه إلى أن نبرة الصوت تكشف شخصية الإنسان وتفضح ما يدور في باله وتؤكد حبّه وغضبه وكرهه أيضاً، فهي المقياس الحقيقي للانفعالات. وللمثال فإن النبرة الحادة بصوت ليس عالياً تكشف شخصية طفولية غير ناضجة، بينما النبرة العالية والتحدث بسرعة تكشف عن شخصية غير صبورة، أما النبرة التي لا تتغير فتكشف عن شخصية ملولة..
في العلاقات الزوجية والإنسانية والعملية، تكون النبرة الهادئة غير المترددة مفتاح النجاح وتؤدي إلى وضع مستقر سواء في البيت أو مع الأصدقاء وفي مكان العمل أيضاً.