
زياد جسام /
الرسم نشاط حركي فكري، يعبر عن التصورات التي تدور في العقل. وعندما يرسم الشخص، فهو في الأساس يركز على جوانب عدة، من أهمها الجانبان الإبداعي والنفسي، إذ يصاحب فعل الرسم الكثير من العواطف والإدراكات وردود الفعل الغريزية والتأمل.
من هذا المنطلق، اتخذت عائلة نوار قصي رحيم، المولود عام 1998، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، من الرسم وسيلة علاجية له، وبالفعل تمكن نوار من تجاوز هذه الأزمة إلى حد ما بفعل الرسم. تعلم (نوار) الرسم والتلوين من والده النحات قصي رحيم، وتأثر به كثيراً، وقد تجاوز بذلك مشاعره المكبوتة وعبّر عن مخاوفه وقلقه ورضاه من خلال ما يعطيه للرسم من محتوى.
تعبير فطري
رسومات (نوار) التي يرسمها بأسلوب تعبيري فطري، غالباً ما تتعلق بالواقع الاجتماعي العاطفي الذي يعيشه، التي يطلق عليها أحياناً تسميات تمثل ما بداخله من هموم، مثل (لوحة الشهيد، بغداد تنزف). كما أقام معرضاً فنياً مشتركاً مع والده في مقر نقابة الفنانين العراقيين فرع المثنى، ولاقى المعرض استحسان العديد من الحضور. وهذا ما أعطى نواراً دفعة نحو حب الرسم والتعلق به، حتى أصبح بمثابة زاده اليومي، وحسبما تحدث به والده قصي، فإن نواراً ينتج كل يوم لوحة جديدة، يحاكي من خلالها أفكاره التي لا يستطيع الافصاح عنها بالكلام، وهذا ما يؤكد أن الفن أحد أهم الوسائل العلاجية للصحة النفسية، لذا يتبنى الأطباء، خصوصاً في دول العالم المتقدمة، برامج علاجية بالفن التشكيلي، مهمة تندرج تحت عنوان (العلاج بالفن)، باعتباره علاجاً فعالاً، وله تأثير إيجابي نفسي على صحة الإنسان.
تأثير اللون
عدد من المتخصصين أشاروا في هذا الشأن إلى وجود علاقة كبيرة بين ما يعانيه الإنسان من آلام نفسية، وامتلاكه موهبة الرسم، فقد يتعرف المعالج على مشاعر الأشخاص المعنيين من رسوماتهم وطريقة تنفيذها، ليستطيع معالجة مشكلاتهم النفسية، إذ يساعد تأثير اللون والملمس والجو العام للوحة، في العملية العلاجية، من خلال الكشف عن أفكار الفرد ونواياه ومشاعره وميوله النفسية.
لا شك في أن الفنان قصي رحيم، والد (نوار) له دور كبير في العلاج النفسي، إذ راعى فيه الجانب الإنساني، وجعله يفكر في الرسم وإنتاج الأعمال الفنية، وشجعه على ذلك كثيراً، من خلال زرع الثقة فيه، وزجه في الوسط الفني العراقي بين زملائه الفنانين، عن طريق نقابة الفنانين العراقيين في مدينتهم السماوة، وعرض أعماله في المعارض التي تقام هناك بشكل جمعي، ومن خلالها أحب (نوار) مسألة الحضور بين الفنانين الذين شجعوه على هذه التجربة، وبسببها صار ينتج أعماله بغزارة وينوع في محتواها، منطلقاً من إدراكه أن الأعمال الفنية تمنح صانعها طاقة إيجابية، وتعبر عن شخصيته أكثر من أي شيء آخر.
ترجمة المشاعر
الفن يساعد الأشخاص على التعبير عما في دواخلهم، وهو يترجم حالاتهم النفسية بأسلوب غير لفظي، فالكثير من الأشخاص المعنيين بهذه الحالات، لم يستطيعوا التحدث عن مشاعرهم إلى الآخرين، وهذا ما يجعلهم منطوين على أنفسهم، ويهذا يكون الفن سبيلهم الوحيد لفهم ما يعانونه من مشكلات واضطرابات نفسية عميقة أثرت على حياتهم، وهنا تكمن ضرورة الفن في المجتمعات بوصفه أداة مهمة للتواصل مع الآخرين دون الحاجة إلى الكلام.