شارع الرشيد.. نبض بغداد.. بيتاً للأدباء والفنانين

23

ريا عاصي

تصوير / خضير العتابي

إرث بغدادي
يضم شارع الرشيد العديد من المعالم التي تجسد الإرث البغدادي، من بينها جامع الحيدرخانة المُشيد في القرن السابع عشر على يد والي بغداد حسن باشا، الذي يُعد من أقدم الجوامع في المدينة. وسينما روكسي، التي كانت من أوائل دور العرض السينمائية في بغداد، وشهدت عرض أول الأفلام العالمية في العراق. ومصرف الرافدين القديم، أول المؤسسات المصرفية الحديثة في العراق. ومبنى البنك المركزي العراقي القديم، الذي كان مركزاً مالياً مهماً قبل انتقاله إلى مقره الجديد. وسوق السراي، أقدم سوق للقرطاسية والكتب، الذي احتضن أجيالاً من الكُتاب والمثقفين. إضافة للمتحف البغدادي، الذي يعرض مشاهد من الحياة البغدادية التقليدية في مجسمات واقعية.
أحداث لا تنسى
لم يكن شارع الرشيد مجرد ممر تجاري، بل كان مسرحاً للأحداث المفصلية في تاريخ العراق، حيث شهد ثورة العشرين (1920)، عندما انطلقت منه التظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، واندلعت مواجهات مع القوات البريطانية. وانقلاب بكر صدقي (1936)، الذي قاد أول انقلاب عسكري في تاريخ العراق الحديث، وكان شارع الرشيد مركز الحراك. وثورة 14 تموز (1958)، حين أُطيح بالنظام الملكي، وانتشرت القوات في شارع الرشيد. والاحتجاجات الشعبية (2019)، حيث عاد الشارع ليكون نقطة التقاء المتظاهرين المطالبين بالإصلاحات.
مقاهي الأدباء والمفكرين
منذ عشرينيات القرن الماضي، كانت مقاهي شارع الرشيد ملتقيات للمثقفين والفنانين والسياسيين، ومن أبرزها مقهى حسن عجمي، الذي وُصف بأنه (جامعة ثقافية)، حيث كان ملتقى أدباء العراق الكبار، مثل بدر شاكر السياب والجواهري. ومقهى الزهاوي، ومن رواده الشاعر جميل صدقي الزهاوي، وكان مركزاً للحوار الثقافي والفكري. ومقهى البرازيلية، الذي كان يضم الفنانين والصحفيين، خاصةً في الخمسينيات والستينيات.
رواد الشارع
على مدى عقود، كان شارع الرشيد بيتاً لكبار الأدباء والفنانين، أمثال بدر شاكر السياب، الذي جال في زواياه وأزقته، وهو يستلهم قصائده الشعرية التجديدية. ومحمد مهدي الجواهري ومجالسه الثقافية والأدبية مع الأصدقاء. وعزيز علي، الفنان الذي انتقد السياسة بأغانيه الساخرة، وكان جزءاً من المشهد الثقافي للشارع. وغائب طعمة فرمان، الروائي الذي كتب عن مناطقه القديمة، وكان زائراً دائماً لمقاهيه الثقافية.
روح الماضي
مع مبادرة (نبض بغداد)، يعود شارع الرشيد إلى الحياة بعد سنوات من الإهمال، حيث يجري ترميم أبنيته التراثية، ورصف أرصفته، وإضاءة أزقته بروح الماضي وحيوية المستقبل. هذا الشارع لم يكن مجرد طريق، بل كان وما يزال القلب النابض لبغداد، حيث تُكتب الفصول الجديدة من تاريخ المدينة. المبادرة أطلقت مرحلتها الثالثة في شباط 2025، بهدف إعادة تأهيل شارع الرشيد وتعزيز مكانته كرمز ثقافي وتراثي.
هذه الخطوة تأتي بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، ما يضفي أهمية خاصة على المشروع. ويشارك في تنفيذ هذه المبادرة مكتب رئيس مجلس الوزراء، بالتعاون مع رابطة المصارف الخاصة العراقية، وأمانة بغداد، ووزارة الثقافة، الهدف منها تطوير البنية التحتية للشارع، وترميم المباني التراثية، وتحسين المرافق العامة، ما يسهم بإعادة ألق الشارع وجعله جهة سياحية وثقافية مميزة.
يُذكر أن المرحلتين الأولى والثانية من مبادرة (نبض بغداد)، شملتا إعادة تأهيل شارعي المتنبي والسراي، ما أسهم في إعادة الحياة إلى منطقة بغداد القديمة. واليوم، يواصل المشروع مسيرته في إحياء شارع الرشيد، ليظل شاهداً على تاريخ المدينة وحاضراً ينبض بالحياة والثقافة.