أزياء العراق الفلكلورية فسيفساء لونية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب

22

أربيل/ ضحى مجيد

العراق، بوصفه مهدًا للحضارات القديمة، يتمتع بتراث فلكلوري غني ومتنوع يعكس تاريخه العريق، وتعددية قومياته ودياناته. وتعد الأزياء الشعبية والفلكلورية جزءًا لا يتجزأ من هذا التراث، لإنها تُجسد الهوية الثقافية والاجتماعية للشعب العراقي.

تظهر الأزياء التراثية العراقية مدى تمسك أفراد الشعب العراقي بتراثهم وهويتهم. وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها هذه الأزياء في ظل التغيرات الاجتماعية والثقافية، إلا أنها تظل شاهدًا حيًا على عراقة هذا البلد وتنوعه.
زي عربي
للزي العربي أصالته، تحدث عنها عقيل رضا، من مدينة النجف الأشرف، مشيراً إلى تفرد هذا الزي بتفاصيله وألوانه التي تختلف من منطقة إلى أخرى، وتكون الدشداشة (الثوب)، اللباس الأساسي للرجل، وغالباً ما تكون بيضاء أو بألوان فاتحة في الصيف، وأكثر قتامة في الشتاء، أما العقال والغترة (اليشماغ)، وألوانها فتختلف من منطقة إلى أخرى، فأهل الجنوب غالباً ما يكون (يشماغهم) بنقوش سود تشبه شبكة الصيد، تحاكي أصولها السومرية، مضيفاً: “يُعتقد أن كلمة (يشماغ)، لها جذور سومرية، فهي تعني شبكة الصيد. أما في مدن الفرات الأوسط فيكون (اليشماغ) أبيض اللون، وفي المناطق الغربية يكون أحمر. أما العباءة الرجالية، ولها اسماء عدة حسب المناطق، منها (الخاجية) أو (الهدم)، و(البشت)، و(المجراوية)، و(الحساوية)، و(الكلبدون)، فتُعد جزءًا مهمًا من الزي الرجالي، خاصة في المناسبات الرسمية أو الدينية، وغالبًا ما تكون مطرزة بخيوط ذهبية أو بألوان تختلف عن لون العباءة الأساسي، مع نوع من الأحذية التقليدية التي تُرتدى مع الزي العربي.”
هوية وانتماء
أما صالح حسين، الذي يمتهن الخياطة أبًا عن جد، فتحدث قائلاً: “يشهد الزي العربي التقليدي للرجال في العراق، طلبًا متزايدًا في الآونة الأخيرة، وذلك لأسباب متعددة، منها الطبيعة العشائرية السائدة في العديد من المناطق، التي تسهم في الحفاظ عليه كرمز للهوية والانتماء، إضافة إلى المناسبات الاجتماعية والدينية، مثل الأعراس والأعياد.” مشيراً إلى وجود تفاوت في أسعار الأزياء العربية للرجال بشكل كبير، حسب نوع القماش والتطريز والزخرفة والخياطة، فالعباءة (البشت)، المصنوعة يدوياً، المطرزة بتفاصيل فاخرة، قد تصل تكلفتها إلى أكثر من مليون دينار عراقي، في حين مازالت عباءة المرأة العراقية حاضرة إلى اليوم بلونها الأسود، خاصة في المناطق الوسطى والجنوبية. إضافة إلى (العصّابة)، غطاء الرأس، التي تستخدمها النساء الكبيرات في السن لتغطية روؤسهن.
مظهر جذاب
في الشمال هناك الأزياء الكردية لكلا الجنسين، فضلًا عن أزياء أخرى تتعلق بالتركمان والشبك والمسيحيين، ويستمد الزي الكردي روحيته من طبيعة الجبال والتلال والطبيعة الساحرة.
(أبو حسن)، صاحب متجر لبيع الأزياء الكردية الرجالية، أشار في حديثه لـ “الشبكة العراقية” إلى أن الزي الكردي يتكون من (الجاكيت والسروال)، وهما الأساسان، ويكون الجاكيت فضفاضاً ومريحاً، مصنوعاً عادة من صوف الخراف أو الماعز، يتميز بتصميم بسيط ولكن أنيق، مع أزرار تقليدية، وأحيانًا تطريزات على الأطراف، في حين يكون السروال (الشروال) فضفاضاً أيضًا، ويُصنع من الصوف الطبيعي، ما يجعله مناسبًا للطقس البارد في المناطق الجبلية. فيما يكون الحزام عبارة عن قطعة قماش تُلف حول الوسط، تُعرف باسم (شوتك)، تساعد على تثبيت السروال، وتضيف لمسة جمالية للزي. أما غطاء الرأس فيتطلب دقة في القص والخياطة، خاصة عند إضافة التطريزات والزخارف.
وفي ما يخص الأزياء الكردية النسائية، يذكر الخياط حمه حسين: أن “الزي الكردي النسائي يتكون من الدشداشة، (الثوب الطويل)، تغطي أخمص القدمين، مع كمين طويلين يرتبطان بذيلين مخروطيين يُطلق عليهما في اللغة الكردية (فقيانة)، تُخاط الدشداشة عادة من قماش شفاف جدًا ذي خيوط حريرية ناعمة الملمس، وتكون مطرزة بأنواع مختلفة من المنمنمات والحراشف المعدنية البراقة التي تشبه حراشف السمك، ما يعطيها مظهرًا لامعًا وجذابًا. وهناك القميص الداخلي الذي يكون بلون داكن وغير شفاف، يعمل كخلفية عاكسة للدشداشة الشفافة، تضاف إليه الأكسسوارات والحزام، الذي يعد تقليدياً لتثبيت الدشداشة حول الوسط، وغالبًا ما يكون مطرزًا أو مزينًا بتفاصيل ذهبية أو فضية.
تراث آشوري
ومن أزياء المكونات الأخرى في شمال العراق الأزياء المسيحية، التي تنتشر من الموصل إلى أربيل وصولًا إلى شقلاوة ودهوك ومحافظات أخرى، من أبرزها الزي الفلكلوري السرياني، والآشوري، المعروف باسم (الخومالا)، أو زي الزينة، الذي يتميز بألوانه الزاهية.
المهتمة بالأزياء الفلكلورية السريانية، جان دارك هوزايا، مؤلفة كتاب (أزياؤنا التراثية – بابلية آشورية)، تحدثت لـ “الشبكة العراقية” عن تفاصيل هذا الزي قائلة: “تراثنا وتاريخنا يتواصلان مع الحضارتين البابلية والآشورية، المتجسدتين في الألواح والأختام والنقوش، المرسومة على الجدران والسقوف.” موضحةً أنها تمتاز بالبساطة في التصميم، وبألوان عميقة وقوية، مطعمة بأشكال هندسية أو أزهار أو نجوم، وفيها دلالات تاريخية، وأحياناً برموز تلك البلدة التي تظهر منقوشة على بعض قطع الزي، موضحةً أن قطع الأكسسوارات التي ترتديها النساء تشبه إلى حد كبير تلك المكتشفة مع مقتنيات الملكات في بلاد مابين النهرين الضاربة في أعماق التأريخ.
مناسبات دينية
أما الدكتور روبين بيت شموئيل، المدير العام للثقافة السريانية في أربيل، فتحدث عن هذه الموضوعة قائلًا: “الأزياء السريانية مثلها مثل العديد من الأزياء الفلكلورية، الطلب عليها يظل محدوداً مقارنة بالأزياء الحديثة، وذلك لأسباب متعددة منها التغيرات الاجتماعية والثقافية، وصعوبة الحصول على هذه الأزياء بسبب ندرة الخياطين المهرة الذين يمكنهم صناعتها.” مشيراً إلى أن ارتداءها عادة ما يكون في المناسبات القومية مثل رأس السنة الآشورية البابلية (أكيتوا)، والمناسبات الدينية، وعند زيارات القديسين، وتذكارات رجال الكنيسة، وفي الأعياد المسيحية، مثل عيدي الميلاد والفصح، إذ تُعتبر هذه الأزياء جزءًا من الاحتفالات الدينية، وكذلك المناسبات الاجتماعية والأعراس والعماد.
صاية تركمانية
في حين تحدث سامان نبيل، صاحب متجر لبيع الأزياء الفلكلورية، يسكن في محافظة كركوك، عن تفاصيل الزي التركماني قائلاً: “الزي التراثي التركماني الرجالي، ويطلق عليه (الزي البغدادي)، يتكون من القميص الأبيض البسيط والأنيق بدون أكمام، المصنوع من القطن أو الكتان، الذي يُعد الجزء الأساسي من الزي، أما القطعة الثانية فهي (السروال المتسع)، المصنوع من قماش متين، ما يسمح بحرية الحركة، ومن ثم الرداء الواسع (الصاية)، والعباءة العربية، لكن بتصميم خاص يعكس التراث التركماني، إضافة إلى (الجاكيت)، الذي يلبس فوق القميص، ويكون عادة مطرزاً بتفاصيل زخرفية تقليدية، وعليه يوضع حزام لتثبيت الرداء حول الوسط، وغالباً ما يكون مصنوعًا من الجلد أو القماش المزين، وطاقية الرأس (العرقجين) التي تُصنع عادة من الصوف أو القماش التقليدي.”
كما أوضح (نبيل) في حديثه أن الزي التركماني النسائي يطلق عليه (الأناضولي أو العثماني)، ويتكون من الليلك (الرداء الطويل) حتى الذيل، يصنع من الأقمشة المزخرفة، ويُلبس فوق القميص، ويكون مفتوحاً من الأمام، ما يسمح بإظهار القميص الداخلي، الذي يكون مصنوعًا من قماش ناعم، وغالبًا ما يكون مطرزًا بتفاصيل زخرفية، وعليه يوضع حزام من الحرير أو الكشمير أو المعدن حول الخصر، ما يضيف لمسة من الأناقة إلى الزي، وتحته يكون السروال الفضفاض. أما (البرقع) فكانت النساء التركمانيات يرتدينه كغطاء للوجه، إضافة إلى القبعة الخاصة التي تُعد جزءاً من الزي التقليدي.
ألوان إيزيدية
قد لا تختلف تفاصيل الزيين الإيزيدي والشبكي، في بعض تفاصيلهما، إلا أن لكل منهما مواصفاته الفريدة. الخياط، رود سنجاري، يحدثنا عنهما قائلاً: “برغم وجود التشابه بينهما وبين أزياء المجموعات القومية الأخرى، مثل الكرد، إلا أن لكل منهما مواصفات فريدة، تميزه من حيث الألوان والتفاصيل، فالزي الإيزيدي الرجالي يتميز باستخدام ألوان محددة، مثل الأبيض والأخضر والأصفر والأحمر، ومشتقات هذه الألوان التي تعكس رمزية ثقافية ودينية خاصة بالايزيديين.” موضحاً أن الأزياء تختلف من منطقة إلى أخرى، إذ أن هناك اختلافًا بين أزياء أهالي سنجار عن أزياء أهالي شيخان أو بعشيقة. مشيراً إلى أن النساء الإيزيديات يفضّلن الألوان الزاهية، كما يتشابه الزي الشبكي الرجالي مع الزي العربي، بفعل التأثير الجغرافي، نتيجة للتعايش والاختلاط الاجتماعي.
بياض الصابئة
فيما وصفت صفا مغامس، أستاذة جامعية من طائفة الصابئة المندائيين، الزي المندائي بأنه يتميز باللون الأبيض، دلالة على النقاء والطهارة، يحاكي النور والبهاء. مبيّنةً أن أجزاء الزي تتكون ابتداءً من (المانا)، العمامة، التي تعبر عن المعرفة ونضج العقل، و(الهيانة)، أي الحزام، و(الكسوة)، القميص، و(النصيفة)، السراويل.