اليـــوم العالمــــــي لحمايــــــة المواقـــــــع الأثريــــــة اكتشافات أثرية جديدة وإحياء التراث الوطني

14

ريا محمود – تصوير: حسين طالب – وكالات / 

في ظل الاستقرار الأمني الذي يشهده العراق، يتجدد اهتمام الشباب العراقي بتراث بلادهم العريق. متزامنًا مع اكتشافات أثرية حديثة، تسلط الضوء على عمق الحضارات التي ازدهرت في بلاد الرافدين. ومع اقتراب اليوم العالمي لحماية المواقع الأثرية في 18 نيسان، تتعزز الجهود المبذولة للحفاظ على هذا الإرث الثقافي.
فهم التاريخ
شهد العراق في السنوات الأخيرة اكتشافات أثرية مهمة، عززت فهمنا لتاريخه العريق، منها اكتشاف أدوات حجرية في الصحراء الغربية، ففي شباط 2025، عثر باحثون من جامعة بروكسل الحرة، في بحيرة جافة بالصحراء الغربية، على أكثر من 800 قطعة أثرية من العصر الحجري القديم، ما يوفر نظرة أعمق إلى حياة البشر الأوائل في المنطقة، كما عُثر في كانون الثاني 2025، على ألواح مسمارية من العصر البرونزي، في كرد قابرستان، اذ كشفت الحفريات عن ألواح مسمارية، منها لوح يمثل لعبة، وآثار لهيكل كبير يعود إلى نحو 1800 قبل الميلاد، يضاف لها اكتشاف مدينة (بارثية) في الصويرة (60 كم جنوب بغداد)، من قبل علماء الآثار في آب 2022، حيث عُثر على 200 قطعة أثرية، ما يساعد على فهم تأثير الإمبراطورية البارثية على العراق القديم.
أبرز المواقع الأثرية
يضم العراق أكثر من 8,000 موقع أثري معروف، بعضها مُدرج على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، بينما لا تزال مئات المواقع قيد التنقيب، ومن أبرز هذه المواقع: أور (ذي قار)، عاصمة السومريين، وموطن الملك (أور نامو)، التي تضم الزقورة الشهيرة، وهي من أفضل المعابد السومرية المحفوظة. وبابل (الحلة)، أعظم مدن العالم القديم، التي ارتبطت بالملك نبوخذ نصر، وحدائقها المعلقة، التي سجلت ضمن التراث العالمي لليونسكو عام 2019. كذلك نينوى (الموصل)، عاصمة الآشوريين في عهدي سرجون الثاني وسنحاريب، التي تضم البوابات الضخمة، مثل بوابة (نركال)، وتماثيل الثيران المجنحة، ونمرود (جنوبي الموصل)، مدينة آشورية دمرها (داعش) الإرهابي جزئيًا، يجري ترميمها حاليًا.
الحضر وطاق كسرى
كما كشفت الحفريات الحديثة أيضًا عن معبد (نينورتا) وآثار ملكية مهمة. وهناك الحضر في (نينوى)، مدينة أثرية بارثية، يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، تحوي أعمدة ضخمة وتماثيل فريدة، تعرضت لدمار جزئي على يد (داعش). وسامراء (صلاح الدين)، التي كانت عاصمة الخلافة العباسية في القرن التاسع الميلادي، وتحتوي على مئذنة الملوية الشهيرة ومسجد سامراء الكبير. والمدائن (طاق كسرى)، التي تقع جنوبي بغداد، عاصمة الإمبراطورية الساسانية، ويشتهر الموقع بإيوان كسرى، الذي يضم أكبر قوس مشيد من الطوب في العالم. وبوابة بغداد، بوابة أثرية تعود للعصر العباسي، وتعد واحدة من البوابات القليلة المتبقية من أسوار بغداد القديمة، التي تمثل رمزية قوية للتراث الإسلامي في المدينة. والقصر العباسي (بغداد)، الذي يقع في قلب بغداد القديمة، وهو من آخر المعالم الباقية من عصر العباسيين، يتميز بطرازه المعماري الفريد ونقوشه الزخرفية المعقدة. وعكركوف (غرب بغداد)، مدينة قديمة تعود إلى العصر الكيشي، إحدى أقدم العواصم العراقية، تضم الزقورة الضخمة، التي تعد من أهم المعابد السومرية خارج أور.
حماية الآثار
اليوم العالمي لحماية المواقع الأثرية دعوة للتوعية والعمل، يُحتفل به في 18 نيسان من كل عام، بهدف زيادة الوعي بأهمية التراث الثقافي، بإشراف المجلس العلمي العالمي للمعالم والمواقع الاثرية (إيكوموس)، ما يبرز الحاجة إلى حماية المواقع الأثرية، خاصة في الدول التي شهدت نزاعات مثل العراق.
حملات توثيق
أصبح الشباب العراقي اليوم أكثر وعيًا بأهمية التراث، إذ تزايدت مشاركتهم في حملات التوثيق والتنقيب تحت إشراف جامعات ومنظمات أثرية، ومبادرات توعوية على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل نشر فيديوهات عن تاريخ العراق، ومشاريع إعادة بناء افتراضية للمواقع الأثرية باستخدام تقنيات مثل الواقع الافتراضي (VR).
يقول حسن الموسوي، أحد المتطوعين في مشروع توثيق المواقع الأثرية: «حين نعرف تاريخنا، نفهم من نحن، ونفهم كيف نبني مستقبلنا.»
آفاق المستقبل
وبالرغم من هذه الجهود، لا تزال هناك تحديات، مثل ضعف التمويل الحكومي لمشاريع الترميم والتنقيب، كذلك التجاوزات البشرية بسبب البناء العشوائي حول المواقع الأثرية، وسرقة الآثار وتهريبها، خاصة في المناطق النائية، لكن مع الحماس المتجدد بين الشباب، والدعم المتزايد من المؤسسات الدولية، هناك أمل في أن يكون العراق نموذجًا في حماية تراثه وإعادة إحيائه.
يتزامن اهتمام الشباب بتاريخ العراق مع الاكتشافات الأثرية الحديثة وفعاليات اليوم العالمي لحماية المواقع الأثرية، ما يعزز الأمل في مستقبل أكثر إشراقًا لهذا الإرث العريق. إن ما يحدث اليوم ليس مجرد موجة اهتمام عابرة، بل حركة ثقافية متنامية، تهدف إلى استعادة التاريخ من بين الأنقاض، وإعادة تعريف الهوية العراقية.