حلم الأطفال وملتقى العشاق كورنيش البصرة… ما زال يحتفظ ببريقه

330

البصرة : محمد العبودي/

الفرح الزاهر الزاهي الذي يسعد النفس، والذي يملأ كورنيش شط العرب ويرسم سرورا استثنائيا خاصا أمام زائر هذا الكورنيش، بعد أن ظهر بحلّته الجديدة التي أقل ما يقال عنها إنّها في قمة زهوها، إذ لم يظهر هذا الشارع المهم بهذه الاشراقة الا بعد أعمال تواصلت ليلا ونهارا وعلى يد أمهر المهندسين والفنيين والمتخصصين والمبدعين الذين زجّتهم مديرية بلدية البصرة .
الشركة التي رست عليها أعمال مشروع تأهيل الكورنيش عملت بشكل مختلف جدا وحضاري وجديد وبالشكل الذي خططت له وتابعته الحكومة المحلية في البصرة وفي مقدمتها محافظ المدينة الفيحاء المهندس أسعد العيداني ونائباه ومعاونوه وكل المعنيين بالأمر وبالشكل الذي يليق بمكان مبهج له تاريخ مشرق لا ينسى في ذاكرة كل من فتح عينيه على هذا الشارع او زاره من البصرة وخارجها ليعيد للناظرين تاريخا يتعلق بإنشاء هذا الكورنيش الذي بدأت حكايته في 4 آب 1941 من تقرير رفعه مهندس البلدية نجيب نورس مرفقة معه خارطة لشارع يراد إنشاؤه، وبعد أن تمت موافقة متصرف لواء البصرة آنذاك صالح جبر وتمّ تشكيل لجنة لدراسة الموضوع ضمّت (الحاج عبد الرحمن السلمان البدر, والحاج عبد الرزاق العيسى والمعمار علوان الشراد, والسيد كاظم النجفي) وقد أنجزت اللجنة توصياتها ورفعتها للبلدية لإنشاء الشارع وكان الشارع يمر ببساتين (ملك) لشركات ومواطنين من البصرة وتم استملاك جميع الأراضي بعد الكثير من المشكلات والدعاوى القضائية, وباشرت البلدية بإنشاء (مسناة) كما تم إنشاء أول كازينو فيه في 3 آذار 1941 وإنشاء عدد آخر منها أيضا ومن رواد الشارع الذين كانوا يجلسون في أبرز كازينو فيه هم بدر شاكر السياب، ومحمود البريكان، ومحمود عبد الوهاب، وسعدي يوسف والدكتور مصطفى الخضار وغيرهم.
مسيرة البواخر
ولهذا الشارع تاريخ يتذكّره جيل الخمسينيات والستينيات ومن سبقهم إذ يحتفي المئات من أهل البصرة في 21 آذار وهم يحجزون أماكن جلوسهم من ساعات الصباح ليشاهدوا الفرق الشعبية والغنائية في مناسبة اسمها (الكسلة) وتنطلق الابلام العشارية المعروفة والماطورات وهي تحمل ألوانا من الزينة ليستأجرها البعض وهم في أحلى أفراحهم بمشاركة أدوات الفرح من الطبول وغيرها بينما تنطلق من ميناء المعقل آنذاك عدة بواخر في مسيرة نهرية في مياه شط العرب وتحيّي الناس الذين يكونون بانتظارها وهي تحمل المئات من البصريين وتطلق صفاراتها تحية للمتواجدين المحتفلين على ضفتي الشط وتستمر حفلات السمر العفوية ودونما تخطيط مسبّق الى ساعات متأخرة بمشاركة العديد من الفرق الشعبية ليمضي يوم ما زال كبار السن يتذكرونه ولا يمكن نسيانه.
ومن ذكريات كورنيش شط العرب أنَّ مواكب الاعراس من السيارات في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي لا بد لها من المرور بهذا الشارع وكل البصريين يعرفون ويتذكرون تماما أن فرحة زوار البصرة لا تكتمل الا بتمضية أوقات في كورنيش شط العرب، ولكل بصراوي ولكل زائر قصة وقصص مع هذا الكورنيش الذي كانت السفن الشراعية (المهيلات) تقف على مقربة منه.
مكان سياحي
المهندس علي الموسوي مدير بلدية البصرة وصف مشروع تطوير الكورنيش بالمشروع الحيوي إذ قال: إن الكورنيش واحد من أهم معالم البصرة واشتهرت فيه الجولات والسفرات الترويحية منذ الستينيات، ومرّ بظروف كثيرة لم تنل من جماليته أو مكانته السياحية، وبقي الملاذ المهم للعائلة وللبصريين بشكل عام.
ولما له من أهمية كبيرة خلال بطولة خليجي 25 “كان هناك إصرار من الحكومة المحلية في البصرة ليكون افتتاحه متزامنا مع افتتاح وانطلاق منافسات البطولة في بداية هذا العام.
وفعلا بدأت الأعمال فيه من قبل احدى الشركات البصرية التي قامت بتوسعة الطريق وبناء الجدار الساند ونصب كاسر الامواج قرب ضفاف شط العرب، او ما يسمّى بالمصدّات لحمايته من التآكل، كما نصبت إنارته بشكل متقن وزرعت فيه أشجار النخيل وتمّ نصب النافورة الراقصة التي تعمل على أنغام الموسيقى.
وبدأ العمل بالمرحلة الاولى للكورنيش الشمالي عام 2021 وانتهت الاعمال قبل انطلاق خليجي 25 بشهر وستكون هناك مرحلة أخرى للربط مع الكورنيش الجنوبي في منطقة السراجي عبر منطقة البراضعية، مستثمرين المنطقة الواقعة أسفل الجسر (الايطالي) ليكون ممرا للمشاة يربط المشروعين ببعضهما البعض على ملتقى شط الخورة.
ونحن نتحدث عن أيام كورنيش شط العرب وذكريات الناس فيه من داخل البصرة وممن قصدوا الكورنيش من كل محافظات العراق او من أبعد مكان في الدنيا ونودّع الكورنيش في هذه اللحظات وأمامنا أكبر نافورة راقصة تم تشيدها ضمن خطة حكومة البصرة المحلية في أن يكون كورنيش شط العرب متنفسا يسهم بصناعة الفرح لكل زائريه.