ستار جبار حلو: رئيس طائفة الصابئة المندائيين ديننا من أوائل الأديان التي أنزلت على آدم رأس الذرية
عامر جليل ابراهيم – تصوير: صباح الامارة – عامر الساعدي/
لايعرف كثيرون شيئًا عن الصائبة ودينهم التوحيدي ولا عن أتباعهم ووجودهم في العراق، ولكنهم وعلى مدى تاريخهم المغرق في القدم، حافظوا على وجودهم، رغم ما عانوه من جور وآلام واضطهاد نتيجة تسلط الحكومات الجائرة على العراق.
يسمى المندائيون في اللهجة العراقية “الصبّة”، وكلمة الصابئة مشتقة من “صبا” والتي تعني باللغة المندائية “اصطبغ” أو “غطس في الماء”، حيث أن الغطس في الماء/التعميد، أحد أهم شعائرهم الدينية، حيث تعني الصابئة حسب معتقداتهم “المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان.. ويعد الدين الصابئي أقدم دين توحيدي عُرف على الأرض كما تشير الكثير من المصادر التاريخية، ولا يزال أتباع هذا الدين موجودين في العراق. خاصة في الجنوب منه.
تبدأ مجلة “الشبكة العراقية” بتعريف التنوع الديني والاثني الذي يمنح العراق ثقافته العامة الى القراء وتبدأ من اقدم الديانات التوحيدية وتلتقي الشيخ جبار الحلو رئيس طائفة الصابئة في العراق والعالم ليحدثنا عن هذه الطائفة المهمة في المجتمع العراقي والتعريف بمعتقداتهم واصولهم وإرثهم الحضاري.
أول الاديان
*كثيرا ما تردف كلمة الصابئة بكلمة مندائية هل هي تسمية أم أن هنالك مذهباً آخر للصابئة؟
-الصابئة هي من جذر الفعل الآرامي المندائي “صبا” اي غطس او التمس او تعمد في الماء الجاري، والمندائيون من جذر الفعل الآرامي المندائي “دا” التي تعني العلم او المعرفة، والعلم والمعرفة هما من صفات الحي العظيم جل شأنه. والصابئة المندائيون هم المصطبغون العارفون بدين الحي العظيم لأن دين الصابئة يعد من أوائل الأديان التي انزلت على آدم راس الذرية، فلدينا الصحائف الاول صحائف آدم، وبعد صحائف ادم كانت هناك صحائف شيت ابن آدم أو شيت الغرس الطيب وتعني بالمندائية دنا نوخت أو ادريس نبي وبعده سام بن نوح وآخر انبيائنا هو يحيى ابن زكريا عليهما وعلى كل الانبياء الصلاة والسلام.
*معظم الديانات غير التبشيرية ومنها الصابئية تعرضت لسوء فهم، ماذا فعلتم كمرجعية لمحو تلك الصور السيئة عن الطائفة؟
ـ كانت أولى بدايات الديانة المندائية ونشوئها في أرض وادي الرافدين جنوبي العراق في أور بالتحديد وانتشرت بعدها في كل ارض العراق وبلاد الشام، ولدينا آثار في فلسطين وفي حوض الأردن الذي عمد فيه نبينا يحيى بن زكريا جموع المصطبغين، وآخر من عمده يحيى هو النبي عيسى عليه السلام في حوض الأردن، ولدينا اثار في (طيب ماثة) في ميسان وهنالك وجدوا من اللقى والقحوف وحتى مسكوكات نقدية عليها اللغة المندائية وهذه دلالة ان المندائية كانت منتشرة في ذلك الوقت.
أحكام خاطئة
*يقال انكم تخنقون الذبيحة ولا تذبحونها، هل ما يتداوله الناس حول ذلك صحيح؟
ـ ليس صحيحا أبدا، ومرد هذه الأقاويل يعود الى أمرين اولهما ان رجال الدين لم يوضحوا حقيقة الدين المندائي للملأ، والأمر الثاني هو انغلاق المجتمع وعدم انفتاحه على الصابئة ومعرفة طقوسهم الدينية. اذكر لك حادثة ان جاءني احد رجال الدين من النجف الاشرف وقال لي اني قرأت كتبكم وعرفت انكم ناس موحدون، ولكن لدي سؤال بخصوص مسألة الذبح أود ان القى أجابته عندك هل صحيح انكم تخنقون الذبيحة؟ قلت له انتظر سأجيبك عن سؤالك فأخذت احدى الدجاجات ثم توضأت ونحن نسميها رشامة ولبست ملابسي الدينية وذبحتها باسم الحي فنظر الى الدجاجة وقال هذا ذبح ودم فأجبته انك قد رأيت بأم عينيك كيف نذبح الذبيحة. عندنا الدم محرم فإن ذبحت ذبيحة وجرح احد اصابعي وسقط دم من اصبعي على الذبيحة يعتبر الذبح باطلا. لذلك كل ما يقال بخصوص هذه الأمور غير صحيح ولا أخفيك سراً أن عدم انتشار اللغة المندائية وانغلاقها أدى الى احكام وشائعات كثيرة من قبيل من يقول اننا نعبد الكواكب او اننا نعبد الملائكة، وآخرون يقولون اننا نعبد الماء وغيرها من الأقاويل الخاطئة عنا. وعلى الباحث والكاتب والمؤرخ ان يأتي الينا ويطلع على كتبنا وحقيقة ديننا ثم يطلق احكامه علينا. كتابنا ترجم سنة 2000 ووزع على كل المرجعيات الدينية والمكتبات وكثيرا ما نظهر على وسائل الاعلام ونوضح حقيقة الدين المندائي، ولا أدري بالضبط لماذا لا يريد الآخر ان يعرف جوهر ديننا. كنت اتمنى ان تكون لدينا قناة فضائية يتعرف الناس عن طريقها على ديننا وعاداتنا لكن للأسف ليست لدينا الامكانية المادية لذلك. وحسنا فعلت قناة عشتار الفضائية مشكورة عندما خصصت ساعة بث اسبوعية كل يوم أحد عبر برنامجها يوضح حقيقة الدين المندائي.
كفاءاتنا مهمشة
*هل مازالتم تعانون التهميش؟
ـ نعم، نحن مهمشون بطريقة جائرة في كثير من الأمور. تصور الى الآن لانمتلك منصب مدير عام بالدولة !! لدى الطائفة كفاءات وكوادر غاية في الإبداع من أطباء ومهندسين واصحاب شهادات عليا، لكن للاسف اغلبهم جليسو البيت وعاطلون عن العمل او ان طاقاتهم لم تستثمر بالشكل الامثل. صدقني كثير من اصحاب الشهادات الجامعية عندنا يأتون إلي يتوسلون للتعيين في وظائف لا تتناسب مع ما يحملونه من مؤهلات علمية.
زيادة أعداد الإناث
*هل استنزفت الهجرة خارج البلاد الطائفة المندائية، وهل هناك محاولات لتشجيع افراد الطائفة على الزواج والانجاب وزيادة افرادها؟
ـ نحن اصلا ضد مبدأ الهجرة وترك ارضنا، وفيما يتعلق بتشجيع الزواج والإنجاب، فأعتقد ان الأمر يعتمد على الظروف المادية والاقتصادية. ولا تنسَ ان اغلب الشباب عاطلون عن العمل وكثير من شباب الطائفة هاجروا بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة التي كانت سائدة، كل هذا ادى الى زيادة أعداد الأناث، اضف الى ذلك الكلفة المرتفعة لمستلزمات الزواج رغم تشجيعنا لحفلات الزواج المجاني كل هذه الامور وغيرها اثرت على نسبة الولادات ضمن الطائفة. ناهيك عن ارتفاع حالات الطلاق كعموم المجتمع العراقي. في السابق كانت حفلات الزواج تصل الى 5 الى 6 حالات في الاسبوع الواحد واحيانا يتعدى الرقم العشر حالات، لكن النسبة في الوقت الحاضر لا تتجاوز الحالتين او الحالة الواحدة واحيانا لاتكون هناك اية زيجة.
سياسة
*هل فكرتم بزج رجال الدين الصابئة في السياسة؟
ـ انا من دعاة فصل الدين عن السياسة، لأن على رجل الدين ان يكون نقيا ويجب ان يبتعد عن السياسة، لانها ـ اي السياسة ـ فيها مراوغة وكذب وحتى دجل.
*كما نعرف ان نظام الطائفة ديمقراطي ولهم اكثر من مجلس داخل الطائفة نفسها هل مازال النظام كما هو؟
ـ نعم نظامنا هذا ما زال قائما، فالمجلس الروحاني ينتخب مجلس رجال الدين ويعرض على مجلس العموم وعلى جمعياتنا التي هي موجودة بالخارج والاتحادات ثم ينتخب (الريش مة). نعم نعمل بهذ النظام .
عالم النور
*لماذا ارتبط الصابئة بالماء
ـ لأن الماء هو أساس الحياة، هذا اولا، وثانيا نحن نعتمد الماء الحي هنالك انواع عديدة من المياه (مية تاهمي مية مريري الماء المر مية بيري ماء الابار)، ومية تاهمي هي مياه البحار لا نستخدمها، نحن عندنا الماء الجاري الذي توجد فيه ديمومة الحياة نستخدمه للصلوات وللغسل من الجنابات وللصباغات والطقوس الكبرى والزواج، فاذا لم يتوفر الماء الجاري لا يمكن تكملة طقوسنا الدينية. لا يوجد تيمم عندنا فقط ماء جار واذا وقف الجريان لا يحق لنا استخدامه الماء.
* الى ماذا يرمز شعار الصليب ورداءآدم؟
ـ اسمه (الدرفش) وهذه الاشارة هي دلالة على اتجاهات الكون الاربعة شمال شرق جنوب غرب، هو ليس صليبا هذا جلبه جبرائيل الرسول من عالم النور ووضعه على حافة نهر الفرات وقام بصباغة آدم، وأعني عمد آدم وحواء وزوجهما، استخدمه نبينا يحيى في حوض الاردن ووضعه على الحاف، هو قبس من نور جلب من عوالم النور العليا لكي يضيء هذا العالم، توجد ثلاثة عوالم عندنا: عوالم النور العليا، والعوالم الوسطى التي نعيش عليها والعوالم السفلى وهي الجحيم أو عوالم الظلام، فهذا القبس من النور تميز او ارتسم بالرداء والرداء من الحرير الخالص يأتي من ايران نسميه جز هذا يمثل النور او الاشعاع.
طقوس مندائية
*طقوسكم في الزواج والإنجاب والوفاة كيف تكون؟
ـ في الزواج يجب ان يكون الأشخاص بالغين متفاهمين، هنالك عقد للزواج فيه حاضر وغائب.. وسن البلوغ عندنا هو 18 عاما وان قل فعلينا أخذ موافقة الآباء في الخارج، لا يجوز التزويج قبل سن البلوغ، وطقوس زواجنا هي ارتداء الزوجين للملابس البيضاء والاصطباغ اي وضع الزوج في (الأندرونة) بيت القصب ويرمز الى الصلابة او الذكورة وتوضع العروس في الكلّة وأمامها صينية فيها شموع وبخور ودهن ودبس ومرايا وبعض الحلويات والزهور ونرسل محبسين وجوز ولوز وزبيب للزوجة بيد رجل الدين يسألها هل انت موافقة وغير مجبرة ترد نعم ثم يلبسها المحبس الذهب الذي يحتوي على شذرتين احداهما زرقاء تطرد الشر والشذرة الاخرى حمراء وترمز للحب والعاطفة. وبعد ذلك نأتي بالزوج لنحزمه بوصلة خضراء دلالة على اخضرار حياتهم ونضع ظهراً على ظهر ونبدأ بالقراءات دلالة على قوتهما واتحادهما في هذا العالم ثم نضرب رأسيهما تسع مرات برفق من الخلف لان رقم 9 رقم مقدس عندنا ويرمز الى الولادة الجديدة، توجد تسعة اوعية من الطين ببيت القصب ترمز الى الولادة بها من طيبات الحياة جوز بصل سمك زبيب خبز و 26 رغيفا ترمز الى الولادة الجديدة.
وفي ما يخص الوفاة فاننا نقوم بغسل المتوفى بالماء الجاري بعد خلع ملابسه ونلبسه الكفن المغسول ايضا بالماء الجاري لاننا نؤمن ان النفس عندما دخلت جسد ادم دخلت نقية طاهرة فيجب ان تخرج من الجسد نظيفة ثم نلبسه ونقبله ونضع اكليل الآس الذي يرمز الى الديمومة وهو من نباتات الجنة نضعه على صبغة 45 يوما ينير له الطريق الى ان يصل الميزان كل يوم نقرأ باسمه صلاة خاصة ونأكل الثواب ونشرب الماء باسمه.
*اخيرا ما هو الفرق بينكم وبين صابئة حرّان؟
ـ صابئة حرّان لانعرف عن عباداتهم ولا عن اصولهم شيئا. قبل فترة التقيت بباحثة تونسية في سوريا عام 2011 وعندما تحدثت عن صابئة حران وقلت لها أن ليست لدينا اية علاقة بهم قالت هم موجودون في سوريا وتعدادهم 2800 شخص، وهم منعزلون وموجودون في اللاذقية، وكانت لدينا رغبة في زيارتهم والتعرف عليهم وعلى كتبهم وعباداتهم ولغتهم، لكن الحرب هناك حالت دون تحقيق ذلك. الحورانيون معروفون بعلم الكواكب، وهناك فرق طبعا بين عبادة الكواكب وعلم الكواكب. عبادة الكواكب تعد من المحرمات لأنه جاء في كتابنا: لا تسجدوا للشمس والقمر ولا للكواكب السبعة والأبراج الاثنى عشر، انما اسجدوا للحي العظيم الذي وهبها نورا، ولا نعرف ان كانوا يعبدون الكواكب والنجوم ولا يمكنني الجزم بذلك، لأننا لا نعرف عنهم شيئا ولم يصل لنا من كتبهم شيء.