الأيزيدية.. مرآة لديانات الشرق القديم
عامر جليل ابراهيم – ذو الفقار يوسف/
الايزيدية ديانة قديمة لم تخرج من رحم دين آخر!. وتملك جميع مقومات الديانة التي تميزها عن الديانات الأخرى سواء من ناحية نظرتها الفلسفية للخلق والتكوين او مفهوم الله والالوهية، الملائكة، مفهوم الحياة والموت، الخير والشرّ، العبادات، الطقوس..الخ.
الا ان ان البعض اعتبرها متأثرة بالمسيحية واليهودية أو الزرادشتية مع عدم انكار وجود تأثيرات إسلامية أو مشابهات بين الايزيدية وبين الديانات المذكورة أعلاه ومع معتقدات أقدم منها، وهذا شيء طبيعي ينتج من خلال علاقات الجيرة والاحتكاك والهجرات وحركة الشعوب والغزوات، لكن كل هذه التأثيرات والمقاربات بين الأديان بحاجة الى دراسة وتحليل علميين قبل ان تطلق أحكام مسبقة لتبعية هذا الدين الى دين آخر.
الباحث الدكتور خليل جندي رشو تحدث لمجلة “الشبكة” عن الديانة الايزيدية مجيبا أولا عن سؤالنا ان كانت الايزيدية دينا أم طائفة أم فرقة فقال:
ـ الديانة الايزيدية هي من بين إحدى الديانات القديمة في منطقة الشرق القديم بما فيه وادي الرافدين وشمال ميسوبوتاميا، والتي تتحدث اللغة الكرمانجية الكردية. والايزيدية هي من ديانات الطبيعة، وديانة التوحيد الأولى بمعنى قدرة الاله على الخلق بامكانياته الذاتية، تؤمن بإله واحد أحد من دون تدخل. وهي ليست ديانة وثنية، ويضيف رشو: ان الديانة الايزيدية تعد مرآة تعكس من خلالها عادات وطقوس ورموز وعبادات متنوعة للديانات الشرقية القديمة، كقصة التكوين والخليقة لدى الايزيدية، ومن خلال نصوصها الدينية تذكرنا بقصة الخليقة السومرية والبابلية. وأسماء الملائكة السبعة لدى الديانات اليهودية، المسيحية، الإسلامية والأيزيدية هي مشتركة، إلى جانب وجود عالم الملائكة ورؤسائهم وملائكة الخير التي تعود بأفكارنا إلى بلاد فارس وإيران. أما رمز الثور في النصوص الدينية الأيزيدية، يذكرنا بثيران آشور وميثرا. كما ان رمز السمكة عند الأيزيدية يذكرنا هو الآخر بقصة النبي يونس. أرباب (خودان) الأيزيدية المتمثل في (40) سلالة من الشيوخ و(40) سلالة من الأبيار (جمع بيرPeer)، يذكرنا أيضاً بأرباب المدن السومرية والبابلية والآشورية وكذلك عبادة الأجداد عند الشامانيين. تقديس واحترام الأيزيدية للشمس والقمر والنار والنور ليست بعيدة عن تقديس تلك العناصر عند الديانة الزرادشتية والميثرائية والهندوسية وعند الكثير من الشعوب الشرقية وعند الفراعنة.
اشكالية التسمية
*كيف يلفظ اسم الديانة هل تلفظ بكلمة ايزيدية أم يزيدية؟
لو سألت أي ايزيدي سيقول لك انا (ايزيدي) أي ان الكلمة الايزيدية تبدأ بالياء المفتوحة (ê) الهمزة على كرسي الياء (ئيزيدي) ومن الصعوبة على ناطقي اللغة العربية تلفظ هذا الصوت، إلى جانب عدم وجود صورة هذا الحرف في اللغة العربية، وعليه يلفظون و يكتبون (يزيد ويزيدي) بدلاً عن (ايزي و ايزيدي= ئيزي-ئيزيدي) وهذه هي إحد الاشكاليات التي واجهها الايزيديون وتسمية الأيزيدية مشتقة من الكلمة ايزد Ized بمعنى ( الملك الإله).
وعن تاريخ ظهور الديانة الايزيدية ومكان ولادتها يوضح الباحث رشو بالقول: الايزيدية من بين ديانات الخصب الأولى، ديانات الطبيعة، لا ترتبط بظهور نبي أو رسول لذلك لا يمكن تحديد تاريخ ظهورها ولا مكان ولادتها بالضبط، بل يمكن تخمين انطلاقة رقعها الجغرافية بناءً على معطيات علمية في البحث عن تاريخ اللغة وعلم الأجناس والانثروبولوجيا الاجتماعية المقارنة، الأديان والأساطير والبحث عن تاريخ الفنون والآداب لذلك الشعب.
علم الصدر
وعن ابرز رموز الديانة الايزيدية وان كانت ديانة كتابية ام غير كتابية يقول الباحث خليل رشو : للايزيدية رمز يتمثل بالشمس إلى جانب (الطاووس) الذي يرمز اليه بهيكل (السنجق) المصنوع من البرونز. أما ما يتعلق ان كانت الايزيدية كاتبية أم غير كتابية، فان الايزيدية من ديانات الخصب والطبيعة فهي لا يرتبط ظهورها برسول أو نبي، بل تعتمد على “علم الصدر” الذي يحفظه رجال الدين في صدورهم شفاهياً ويتناقلوه من جيل إلى جيل. إلاّ أنه إلى جانب ذلك صار للأيزيديين كتابان مقدسان عندما ظهر بينهم الشيخ (آدي بن مسافر الشامي الهكاري)، الأول كان بإسم “مصحف رش” والأخر بإسم “الجلوة”. وقد ترجم الكتابان لأول مرة الى اللغة الانكليزية من قبل القس اوزوالد . باري البريطاني عام 1892. وقام جوزيف الأمريكي بعد ذلك بترجمتهما من اللغة العربية الى اللغة الانكليزية. وقام الأب أنستانس الكرملي بترجمة الكتابين من اللغة الكوردية الى اللغة الفرنسية مع نشرهما. أما الدكتور بيتنر النمساوي فقام بترجمتهما من اللغة الكوردية الى العربية. وهكذا قامت جهات علمية وجامعات وكتاب أجانب وكورد وعرب وغيرهم بالإعتماد على ما تم نشره واستندوا اليه. والكتابان المنشوران من قبل المستشرقين كانا بالأصل باللغة الكوردية وبحروف خاصة تشبه الحروف الآرامية الى حد ما. إلاَ أن هناك شكوكا أن يكون الكتابان المنشوران هما الأصليان.
جغرافية التوزيع
يعتبر الموطن الأصلي للأيزيديين العراق وسوريا وتركيا. يقول رشو ويضيف: كما يتواجدون في كل من أرمينيا وجورجيا وبقية جمهوريات روسيا الاتحادية، ومجموعة قليلة في إيران. ومع أنه لا يوجد إحصاء رسمي ودقيق حول الأيزيديين، إلاّ أنه يمكن إعطاء عدد نفوسهم التقريبي، علماً أن ثقلهم يتركز حالياً في محافظتي نينوى ودهوك ويقدرون بأكثر من خمسمائة ألف موزعين على أقضية شنكال/سنجار والشيخان وتلكيف وزاخو وسميل (محافظة دهوك)، فضلاً عن قصبتي بعشيقة وبحزاني.
شخصيات وأعلام
ويبين الباحث خليل جندي رشو لـ “مجلة الشبكة” ان للايزيديين رموزا واعلاما وشخصيات الذاكرة الشعبية الايزيدية، فإلى جانب أولياء الايزيدية الذين عاصروا الشيخ آدي بن مسافر مجدد الديانة الايزيدية من القرن الحادي عشر، وإبن أخيه الشيخ أبو البركات صخر بن صخر، وإبنه الشيخ عدي الثاني بن صخر إلى الشيخ شمس الدين الحسن بن الشيخ عدي الثاني هنالك شخصيات تحتفظها الذاكرة الايزيدية مثل (الأمير علي بك) الذي تم نفيه الى سيواس في عهد الدولة العثمانية, ومع الأمير علي بك يأتي إسم زوجته (ميان خاتون) كأقوى النساء الايزيديات، حيث أصبحت بعد مقتل زوجها وصية على إبنها (الأمير سعيد بك) الذي خلف والده وهو صغير السن، وبعد وفاته المبكر خلفه إبنه (الأمير تحسين بك) عام 1944 وهو يبلغ من العمر اثني عشر عاماً، فظلت (ميان خاتون) وصية عليه إلى أن توفيت عام 1957، أي أنها حكمت الايزيدية أكثر من أربعين عاماً.
ومن الشخصيات الأخرى المعروفة (ايزيدي ميرزا) الذي نصبه السلطان العثماني باشا على الموصل في القرن السادس عشر، لكنهم اغتالوه فيما بعد و(شيخ كالو) الذي قاوم العثمانيين في إحدى حملات الابادة على سنجار. ومن الأسماء الأخرى نذكر درويش عبدي، ميرزا أنقوسي، جنكير آغا، إسماعيل بك، حمو شرو الذي تم منحه رتبة الباش من قبل البريطانيين أثناء انتدابهم للعراق، وأخيراً (داود الداود) الذي قاوم الجيش البريطاني.
*ماذا عن تمثيلكم السياسي في البرلمان؟
– للايزيدية مقعد واحد في البرلمان العراقي، في حين كان يفترض أن يكون للأيزيديين (5) خمسة مقاعد بحسب عدد نفوسهم الذي يزيد على الخمسمائة ألف. وكان للأيزيدية في في حكومة رئيس وزراء الاسبق أياد علاوي والتي دامت ستة أشهر وزير من دون وزارة (المجتمع المدني) ، ولم يمنح الايزيدية أية وزارة أخرى بعد ذلك التاريخ وإلى يومنا هذا.
اعياد
وللايزيديين اعيادهم الخاصة التي تميزهم عن بقية الاديان، وفي سعيها لتسليط الضوء اكثر على هذه الاعياد التقت مجلة “الشبكة” بالسيد حامد السنجاري “45” عاما، ليحدثنا عن أهم الاعياد عند الايزيديين واكثرها خصوصية فقال: للديانة الأيزيدية اعيادها الخاصة التي لاتقل عن اعياد الديانات الاخرى المتواجدة في العراق، حيث تبدأ من الشهر الاول الى نهاية السنة، ويعتمد الايزيدية في اعيادها على التقويم الميلادي الشرقي، الذي يتخلف عن التقويم الميلادي الغربي بـ (13) يوما.
ومن اول الاعياد “عيد ايزيد عيد الصوم” والذي يكون بعد نهاية صوم لثلاثة ايام ذات نهار قصير، وتحديدا اول جمعة من شهر كانون الاول الشرقي، حيث يقوم الايزيديون بتزيين بيوتهم وشراء الحلويات والبخور ابتهاجا بقدوم العيد.
وثاني اعيادهم عيد نهاية البرد “اربعينية الشتاء” ويحتفل به رجال الدين الايزيديون حصرا والذين يصومون لمدة اربعين يوما”، يبدأ صوم رجال الدين في 20 كانون الاول من كل عام وينتهي في 20 من كانون الثاني بحسب التقويم الشرقي”، حيث ان العيد في هذا الوقت بالذات ماهو الا احتفال بنهاية قساوة برد الشتاء، حيث يقومون بزيارة معبد “لالش” لتقديم التهاني للمراجع الروحية ورجال الدين بمناسبة اكمال الصيام، والمشاركة في المراسم الدينية التي تقام في المعبد.
ومن الأعياد ايضا عيد البيض وشقائق النعمان وهو عيد رأس السنة الشرقية، والذي يصادف اول اربعاء من شهر نيسان، حيث يسمى بعيد (سه ر سال) ويتم في هذا اليوم حسب العقيدة الايزيدية وهي أن تسلم السلطة إلى الملك طاووس ليدير شؤون الدنيا، وهو من الأعياد المقدسة، حيث لا بد لكل بيت ايزيدي من ان يقوم بذبح خروف في ليلة العيد، يطبخ قسم منه ويوزع القسم الاخر على الفقراء.
ثم يأتي عيد خضر الياس او كما يسمى “خضرلياس” يقع عقب نهاية موسم نثر البذور، وهو ذات علاقة واضحة بالمعتقدات الزراعية، والغريب في هذا العيد بان خدر الياس في الديانة الايزيدية هو نفسه الخضر عند الاسلام وايضا هناك تشابه مع العديد من الديانات الاخرى، كالديانة المسيحية واليهودية وحتى الهندية.
وعن اطول الاعياد يقول السيد السنجاري: في 23 ايلول الشرقي من كل عام يأتي اطول الاعياد عند الايزيدية ويستمر لمدة سبعة ايام ويشتمل على الكثير من الطقوس والمراسيم، ويسمى بعيد “الجماعية”، مضيفا ان هناك الكثير من الأعياد والاحتفالات التي كانت تقام بين العديد من ابناء الشعوب والديانات القديمة تتوافق مع عيد الجماعية، كعيد الجمع الكنعاني، وعيد جوبتير العظمى عند الرومان، واعياد راس السنة البابلية والسومرية، حيث يكون الاحتفال فيه اول كل عام حيث موسم الشتاء ويعتبرونها زيارة الحج ، حيث فيها يتوافد الايزيديون من كافة ارجاء العالم إلى معبد لالش وتجري في هذه المناسبة الكثير من المراسيم الدينية، ولهذا العيد مسميات اخرى مثل “عيد صفر الالبان ، عيد الحجاج ” وغيرها من التسميات.
افراح غير محدودة
والافراح عند الايزيديين كثيرة بسبب كثرة اعيادهم، والتي يكون لها طقس خاص يمارسون فيه الاحتفال والفرح، ومن امثال هذه االاعياد هي: “عيد الميلاد” حيث يتم اشعال النار مع مغيب الشمس، و”عيد العجوي” حيث تكسر قرصة الخبز التي تحوي حبة زبيب او نواة الزيتون ومن ثم توزع على العائلة، وعيد “النواشين” الذي يصادف يوم السبت في الخامس من الشهر الثالث، وعيد “القربان” حيث يقع في اول يوم من ايام عيد الاضحى عند المسلمين، واخر الاعياد هو عيد “المحيى” ويقع هذا العيد في ليلة النصف من شعبان، ويبقى الايزيديون فيه ساهرين حتى الصباح.