فحص جماعي!

888

خضير الحميري /

أذكر رسماً لفنان الكاريكاتير رائد نوري يعود إلى أواخر سبعينيات القرن الماضي، يظهر فيه طبيب وهو يفحص بسماعته عدداً من المرضى، وقد وضع بينهم أوراق (كاربون) في إشارة لحالات الفحص الجماعي المستنسخ في عيادات الأطباء. وكنت أظن أن هذه الظاهرة قد انتهت مع انتهاء ظروفها المتمثلة بضيق العيادات وضيق الوقت وكثرة المرضى وقلة الأطباء، وغيرها من الحجج الواهية، إلا أن الظاهرة ماتزال حية ترزق، وقد لمستها لدى أكثر من طبيب، بل إن هناك طبيباً معروفاً كنت شاهداً على استقباله المرضى في عيادته الخاصة التي (تكصب كصب) تغص حتى غرفة الفحص بهم، ثم يبدأ بسؤالهم عن أوجاعهم واحداً تلو الآخر، فيضطر بعضهم لخفض صوته لكي لا يعرف (الجمهور) شيئاً عن خصوصياته، فيجيبه الطبيب: ارفع صوتك شوية..
الأمر يتكرر لدى أكثر من طبيب وفي أكثر من اختصاص (على قلتهم)، أما بالنسبة لطبيبات النسائية فالظاهرة حاضرة بإصرار(كما وشوشت لي بعض النساء)، رغم حساسية الاختصاص وحاجة المراجعِة الى الانفراد بطبيبتها لتبثها أوجاعها الخاصة إيماناً بالعهود (الأبقراطية) الراسخة!
وبعيداً عن مسألة الخصوصية وحاجة المريض إلى البوح لطبيبه، فإن وجود أكثر من مريض في غرفة الفحص يشوش على تركيز الطبيب والمريض معاً، إذ يُشعر المريض أن هناك آذاناً أخرى تشارك أذن الطبيب في سماع دقات قلبه أو قرقرات بطنه..
وفي عيادة طبيب آخر( اختصاص عيون) يجري إدخال ثمانية مرضى، حيث توجد ثمانية كراسي، وعلى المرضى الزحف دورياً إلى الكرسي المجاور كلما انتهى الطبيب من فحص وتشخيص مريض منهم، وكلما خلا كرسي يُدخل السكرتير من يشغله.. وهلم زحفا..
وقد حدثني أحد الأصدقاء -الذين أثق بهم كثيراً- بأنه راجع أحد الأطباء في المستشفى لأنه كان يعاني من انتفاخ الأوردة في مقعده (لها تسمية طبية أخرى تبدأ بحرف الباء) لكنه فوجئ، بعد أن قطع تذاكر الفحص، بوجود جمهرة من المرضى يحتشدون في غرفة الفحص، وحين سأله الطبيب عمّ يشكو.. أجابه متلعثماً وهو يتطلع إلى الآذان والعيون المبحلقة حوله.. بأنه يشكو من حموضة المعدة !! فكتب له الطبيب .. فوّاراً مع حَب كرط !!