“الشبكة”تفتح ملف أطفال جهاد النكاح

1٬382

 وائل حمد/

لم يخلف داعش وراءه القتلى والجرحى والمعاقين والمهجرين، جراء جرائمه الارهابية البشعة، إنما ترك أيضا قنابل موقوتة في مجتمعات المناطق التي احتلها وعاث فيها فسادا. ومن بين أخطر ما خلفه داعش على الصعيد الاجتماعي قضية “أطفال جهاد النكاح” تلك القضية الانسانية الخطيرة والمعقدة، التي لاتزال خارج نطاق البحث عن الحلول والمعالجات لمخلفات داعش، وهي قضية تؤرق المئات، بل الآلاف من العائلات التي تعرضت نساؤهن للاغتصاب أو ساهمن في مايسمى بـ”جهاد النكاح” واسفر ذلك عن ولادة أطفال بلا هوية ولا نسب.

«الشبكة العراقية» تفتح هذا الملف الشائك لالقاء الضوء على حيثياته وتعقيداته وحلوله الممكنة:
تدور الشكوك حول المواليد الجديدة، التي جاءت في وقت احتلال “داعش” في الموصل ومناطق في الانبار. إذ لاتوجد أرقام دقيقة أو سجلات مؤسسات صحية يمكن التحقق منها.

كما لايزال الوضع القانوني “غير واضح” لعدد سابق من الأطفال الذين ولدوا في فترة وجود “القاعدة” في العراق، وصاروا الآن مراهقين.

حين سيطر «داعش» في صيف 2014 على مدينة الموصل، نشرت مواقع الكترونية قريبة من التنظيم المتطرف، بياناً، قالت فيه «بعد تحرير ولاية نينوى وترحيب الأهالي بإخوانهم المجاهدين والفتح العظيم… سوف تكون هذه الولاية مستقر المجاهدين ومأواهم».

وطالب «داعش» وفق البيان أهالي الموصل «بتقديم النساء لكي يقمن بدورهن بجهاد النكاح لإخوتهم المجاهدين ومن تخلف سوف نقيم عليه الشريعة وتطبيق قوانين الشريعة».

«وفي اليوم الثاني لدخول «داعش» الى الموصل، اخُتطفت عشرات النساء، مع عدد من الصبية الذين يتمتعون بالوسامة، على أيدي المسلحين، تطبيقاً لـ»جهاد النكاح».

الهروب من الاغتصاب

واضطرت أم سارة أرملة موصلية، بعد أيام قليلة من سيطرة «داعش»، أن تهرب من المدينة خوفا من وقوع بناتها، و3 صبية، بيد عناصر التنظيم ضحايا للاغتصاب تحت ما يسمى «جهاد النكاح».

وهرَّبت الأم (45 عاماً)، بناتها الثلاث اللواتي تراوحت أعمارهن مابين 16 و22 عاما، وثلاثة اطفال أيضاً، من حي النصر بعد اقتحام عناصر «داعش» عشرات المنازل لاختطاف النساء والأطفال بلا رجعة. وصلت أم سارة الى منزل قريبتها في منطقة الغدير، شرق بغداد، وهي لا تحمل سوى المستمسكات الرسمية لها ولأطفالها.

وعن ذكريات تلك الفترة، تقول أم سارة لـ (مجلة الشبكة)، أنه «تم اختطاف الكثير من النساء في الموصل»، مشيرة إلى أن عناصر التنظيم «يتربصون باللواتي يتمعن بمظهر حسن وجمال».

كما لفتت إلى أن الصبية الذين يتمتعون بالوسامة، أيضاً يتم اختطافهم من قبل عناصر التنظيم.. «وعليه قدمت إلى بغداد برفقة أطفالي وبناتي».

وبحسب التقديرات فأن «داعش» كان قد أختطف نحو 5 الآف امرأة من الموصل، من المكونين الايزيدي والتركماني.
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت روايات اغتصاب فتيات بالموصل وانتحار عدد منهن بعد اغتصابهن وإجبارهن على «جهاد النكاح».
واثار الحديث حول مايعرف بـ»جهاد النكاح» سخط عدد من المراقبين والسياسيين في العراق، خصوصا بعد ماقاله محافظ نينوى نوفل العاكوب، في تصريحات له الشهر الماضي، عن «أطفال جهاد النكاح» كإحدى أكبر المشاكل الاجتماعية التي يخلفها داعش في مدينة الموصل.

مستمسكات مؤقتة

ويقدر مسرور اسود، عضو مفوضية حقوق الانسان، عدد الأطفال الذين ولدوا في الموصل خلال فترة احتلال «داعش» للمدينة بين 3 الآف الى 6 الآف.

اسود أكد لـ (مجلة الشبكة) صعوبة الحصول على «أرقام دقيقة»، بسبب انقطاع الاتصالات مع الموصل، فيما يقول ان «داعش قد اصدر مستمسكات لعدد من الأطفال، لكننا كحكومة لن نعترف بها لانها صدرت من جهة ارهابية».
ويتوقع المسؤول في مفوضية حقوق الانسان، ان «تقوم الحكومة العراقية باصدار وثائق مؤقتة للمواليد الجديدة في المناطق المحتلة من داعش كما فعلت مع ابناء القاعدة».

الى ذلك قال المتحدث السابق باسم وزارة حقوق الإنسان كامل أمين إن «الوزارة إبان وجود تنظيم القاعدة وجدت حالات زواج بين عناصر التنظيم وفتيات عراقيات».

امين وفي حديث لـ (مجلة الشبكة) اكد أن «العديد من آباء وأقرباء النساء اللواتي أجبرن على الزواج من الارهابيين، قاموا بتسجيل الأطفال بأسمائهم للالتحاق بالمدارس بعد طرد القاعدة من العراق».

قنبلة «العاكوب»

وكان محافظ نينوى قال خلال اجتماع لاعضاء كتلته في المحافظة، لبحث بعض الأمور العالقة أمام مجموعة مسؤولين عراقيين: «سنواجه مشكلة الأطفال مجهولي النسب بسبب جهاد النكاح والتخلف التعليمي بعد تحرير الموصل»، وعمت الفوضى داخل مقر كتلة النهضة بمدينة أربيل، بعد ورود أنباء عن تخلي كتلة النهضة عن المحافظ بسبب تصريحاته.

مصادر من داخل قاعة الاجتماع أكدت أن اشتباكاً بالأيدي حصل بين اعضاء في الكتلة. وقال رئيس الكتلة المدنية في مجلس محافظة نينوى المهندس عبدالرحمن الوكاع «نستنكر التصريحات ونطالب محافظ نينوى بتوضيح ما سماه جهاد النكاح والأطفال غير معروفي النسب».

واضاف الوكاع في حديث مع (مجلة الشبكة): «من أين حصل المحافظ على هذه المعلومات وهل هناك جهات رسمية أو دولية قدمت له تلك المعلومات، وإلا فلن نقبل الإفتراءات على حرائر نينوى، فهن خط أحمر وسنعمل على إضافة ذلك إلى جدول أعمال الجلسة القادمة».

وبحسب المصادر المقربة من حكومة نينوى، فان كل شيوخ العشائر في المحافظة، احتجوا على نوفل العاكوب لأنه «مس بشرف نسائهم».

قتل ابن شقيقة المحافظ

وفي تطور «دراماتيكي» لاحق على تصريحات «العاكوب» قام مجهولون بقتل ابن شقيقة المحافظ وسط أربيل. وقال مسؤول قريب من المحافظ، طالباً عدم كشف هويته لـ (مجلة الشبكة)، إن «الشاب صفوك وطبان السلطان (26 عاما) قتل على بعد مئة متر عن منزل المحافظ في منطقة وزيران وسط أربيل».

واشار الى ان «قوات الأمن الكردية سحبت كل كاميرات المراقبة القريبة من منزل المحافظ» بعد مقتل الشاب، في إطار التحقيق.

وكان أسامة النجيفي الذي يتزعم تحالف «متحدون» أكبر قوة سياسية تسيطر على المحافظة، رد بـ»عنف»، هو الآخر على تصريحات العاكوب.

من جانبها استغربت النائبة عن محافظة نينوى انتصار الجبوري تلك التصريحات، مؤكدة لـ (مجلة الشبكة)، إن «تصريحات العاكوب مثيرة للاستغراب، لاسيما عندما تصدر عن أعلى مسؤول في المحافظة»، مشيرة إلى أن هذا الأمر غير موجود سوى للنساء اللاتي جلبهن التنظيم من خارج العراق، وأن «أهالي الموصل وإن كان جلهم يقبع تحت سطوة داعش إلا أنهم لن يسمحوا بحدوث مثل هذه الأفعال المشينة».

كما طالبت النائب الايزيدية فيان دخيل، مجلس النواب باستجواب محافظ نينوى نوفل العاكوب على خلفية تصريحاته الأخيرة.
وقالت دخيل ان «الايزيديات أخذن سبايا وليس لجهاد النكاح وان كل من يصرح حول ضحايا المكون الايزيدي يدعم داعش».
«داعش» والجنس

هذا وكانت مصادر مطلعة في الموصل، قالت بان شابة من المدينة قامت بقتل عنصر من «داعش» وسط الموصل، ردا منها على أجبارها على ممارسة «جهاد النكاح».

وقال مصدر لـ (مجلة الشبكة) شريطة عدم نشر اسمه لحساسية المعلومات، ان «الشابة التي يبلغ عمرها 23عاما فقط، قتلت احد عناصر التنظيم بعد ان اجبرها على ممارسة جهاد النكاح لعدة اشهر». فيما نفى علمه بمصير الفتاة بعد الحادث.

وكانت تقارير صحفية ذكرت أن مسلحي التنظيم أعدموا نحو 30 امرأة في قاعدة الغزلاني العسكرية قرب الموصل في اشهر، بعد أن رفضن الزواج على طريقة «جهاد النكاح».

وتعود جذور قضية جهاد النكاح إلى شبـاط العــام 2013، حينما أسندت فتوى للداعية السعودي الشاب «مـحـمــد الـعـريــفي» دعا فيها «الـنـساء الـمـسلـمـات البالغات إلــى التــوجه لــسـوريا لـمــمارسـة جـهـاد النكاح مــن أجــل إمـتاع المقاتلين الذين يقاومون نظام الأسد في سوريا».

ونشرت الفــتـوى المنسوبة للعريفي مـن خـلال تــغــريـدة علــى تــويـتر، قيل فيما بعد أنها تـجـاوزت 200 حــرف، في حين أن هذه الشبكة لا تسمح بنشر تغريدات أكثر من 140 حـرفا، قبل أن يخرج الــعــريـفي بالصوت والصورة وعبر بيانات لتـكـذيـب الفتوى عدة مرات متحديا من ينقل عنه الفتوى إظهار الدليل.

ماذا يقول القانون العراقي؟

وفي تفسير قانوني لمصائر هؤلاء الأطفال تشير أستاذ القانون في جامعة بغداد والناشطة النسوية بشرى العبيدي، الى ان القانون العراقي يعتبر كل من ولد من أم أو أب على أرض عراقية، «عراقياً».

وتضيف العبيدي لـ (مجلة الشبكة) ان «العراق نظم وضع الأطفال مجهولي النسب في قانوني الأحوال الشخصية رقم 65 لسنة 1972، وقانون البطاقة الموحدة الجديد».

واشارت العبيدي ان «المادة 18 من الدستور، تعرف العراقي، بانه من ولد من أم أو أب عراقي»،

وتؤكد ان القوانين العراقية، تفرض مجموعة اجراءات لاعطاء «مجهول النسب» سواء كانت أمه معلومة أم لا، وثيقة رسمية، على ان تبقى معلوماته الاساسية «سرية» حفاظا على خصوصية الطفل، ووالدته.

لكنها تلفت الى وجود عدة صعوبات في تسجيل المواليد التي جاءت في فترات احتلال «القاعدة» و»داعش».
إذ تقول ان «المولودين في زمن القاعدة لم يسجلوا حتى الان، بسبب تردد الأمهات من اجراءات تلك المعلومات، خوفا من الملاحقة الأمنية والاعراف الاجتماعية».

كما تقول ان «الطفل الذي صار مراهقا، والذي كان مولودا في زمن القاعدة، سيتردد هو ايضا لانه سيكون مشكوكا به امنياً، كما ان تسرب معلومات عن مجهولية نسبه تثير حساسية كبيرة».

وتحذر العبيدي من خطورة «عدم الاعتراف» بتلك المواليد، وتقول بانهم «سيتحولون الى اعداء للدولة، وسهولة جذبهم الى التنظيمات الارهابية».

كذلك تقول بان اعدادا كبيرة (خصوصا من ابناء فترة القاعدة)، «موجودون بيننا، لكنهم بلا مستمسكات، ولايستطيعون الذهاب الى المدرسة».

170 جريمة اغتصاب

وكان رئيس اسناد الفلوجة الشيخ عبد الرحمن النمراوي ، أكد في تصريحات سابقة، تدوين اكثر من 170 جريمة اغتصاب جنسي اقترفتها داعش بحق النساء في المناطق الساخنة في محافظة الانبار.

كما كان الشيخ حميد الهايس رئيس مجلس انقاذ الأنبار قال في تصريح صحفي سابق، إن «المعلومات التي بحوزتنا تؤكد وجود 15 امرأة داعشية من جنسيات مختلفة يمارسن ما يسمى جهاد النكاح مع عناصر داعش في قضاء الفلوجة، وأن هذه الظاهرة جاءت من خارج الحدود لغرض ممارسة الجنس الحرام تحت غطاء الدين».

أطفال في زمن الارهاب

في غضون ذلك اختلفت الآراء الدينية حول كيفية معالجة هذا الموضوع، إذ يشير السيد علي الموزاني، الى ان «الطفل» الذي ولد في مناطق احتلال «داعش»، لايعتبر «داعشياً».

ويقول الموزاني لـ (مجلة الشبكة): «الولد للفراش. بمعنى ان الولد تابع لابيه العرفي، ولايلحق بالزنا أو اي زواج آخر، كما لايحق لنا ترتيب الأثر على من نشك بانه من الدواعش».

وحتى في حالة ثبوت بان الطفل من ابناء «داعش»، فيقول الموزاني «لايحق لنا قتله».

لكن الشيخ جاسم الحيدر، يقول ان «عقد الزواج سيكون صحيحا، اذا كان وفق الشريعة الاسلامية، بمختلف مذاهبها».

لكنه اعتبر في تصريح لـ (مجلة الشبكة) بان «المولودين مما يعرف بجهاد النكاح، بانهم أولاد زنا»، مشيرا الى ان «جهاد النكاح، عقد باطل».

الحيدر اشار ايضا الى ان «الرجل في تلك العقود أو حالة الاغتصاب، لايرث زوجته أو الطفل اذا توفيا، ويعطى الطفل الى الام». لافتا الى ان «الله سيغفر للطفل (ابن الزنا) اذا التزم بتعاليم الدين».