نفحاتُ رمضان تعطر أجواء كردستان العراق

381

ضحى مجيد سعيد /

لشهر رمضان المبارك أجواءٌ وطقوسٌ وخصوصية في البلدان الإسلامية عامة، يختلف فيها عن بقية الشهور، ولاسيما في العراق من شماله إلى جنوبه، حيث اعتادت العوائلُ العراقيةُ الاستعداد والتحضير والتهيؤ لاستقباله بجملة أمور باتت جزءاً من ثقافة المجتمع وتراثه، ربما منها تسوق لوازم رمضان المتنوعة ونشر الأجواء الرمضانية في المنازل والشوارع.
ومن المعروف أن مائدة هذا الشهر الفضيل لها نكهةّ خاصة، إذ تمتاز بتنوع المأكولات والمشروبات والأطعمة المميزة والحلويات، وتكون الشهية مفتوحه ليس فقط على الطعام، بل على (اللمّة) والجَمعة العائلية الجميلة على مائدة واحدة وفي وقت واحد ساعة الإفطار، وما يُرافق ذلك من أجواء المَحبة والأُلفة بين المجتمعين، وفض الخلافات والتسامح والتصالح، فضلاً عن الأجواء العبادية المتمثلة بقراءة القرآن والأدعية والزيارات والصلاة والتراويح.
تبادل الزيارات
في هذا الشهر المبارك، يتبادل أفراد المجتمع الكردي من المسلمين، وحتى غير المسلمين، التهاني فيما بينهم، حالهم حال بقية المجتمعات الأخرى المتآلفة فيما بينها، ولاسيما مع بداية حلول الشهر الفضيل، ومع ختامه تهل التهاني والتبريكات بينهم إيذاناً بحلول عيد الفطر المبارك.
ويحل شهر رمضان في المرتبة التاسعة في تسلسل التقويم الهجري، وهو شهر مميز لدى المسلمين، إذ أُنزِل فيه القرآن على النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في ليلة القدر، إحدى الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان، وتختلف الروايات عن معنى اسم هذا الشهر ، فيقول بعضهم إن كلمة رمضان جاءت من الأصل “رمَض” ويعني شِدة الحر، حين كانت تسمية رمضان في وقتٍ كان شديد الحرارة. فيما يذهب آخرون إلى أن كلمة رمضان جاءت لأن العرب كانوا يرمضون أسلحتهم فيه، أي يحشدونها ويُجهزونها استعداداً للحرب في شهر شوال. وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن أسباب التسمية، فإن هذا الشهر الفضيل يُعد من أهم الشهور لدى المسلمين في سائر بلاد المعمورة.
تقول السيدة (أم كريم)، البالغة من العمر ستين عاماً، أثناء تبضعها، حين توجهنا إليها بالسؤال عن استعدادات أسرتها لشهر رمضان إن “الاستعدادات لشهر رمضان عديدة، منها ما يتعلق بالمائدة الرمضانية، فمن المعروف أن المطبخ العراقي مُميز بأكلاته الشهيرة، نبدأ بالتسوق والتبضع لتجهيز موائد الإفطار، التي عادة ما يتميز فيها طبق الحساء (الشوربة)، فضلاً عن التمر واللبن والعصائر وأكلات أخرى (كالدولمة والمسكوف والبرياني).”
وفيما يتعلق بالذكريات حول شهر رمضان، توجهنا بالسؤال إلى السيدة (بيري عمران)، الموظفة في وزارة الصحة من سكنة مدينة اربيل، إذ تقول إن “أجمل ما في أيام رمضان هو اجتماع الأسرة على مائدة واحدة، وعادة ما يحرص الجميع على الحضور قبل مدفع الإفطار، وتبادل الزيارات، وكنا نُراقب كيف كان الأكبر منا من أهلنا يمارسون طقوس رمضان، بدءاً من الإفطار، مروراً بالعبادات والصلوات، وصولاً إلى السحور، وانتهاءً بصلاة الفجر الجماعية داخل البيت، فكانت أجواء رائعة أحاول الآن أن أكررها داخل أسرتي الجديدة للحفاظ على طقوس هذا الشهر الفضيل المبارك.”
طقوس وذكريات
وللاطلاع أكثر على الذكريات الرمضانية وطقوس رمضان اليوم تحدثنا إلى السيدة (ده شنه أحمد – أم عبد الله)، تبلغ من العمر أربعين عاماً، وتعمل مديرة لإحدى المدارس، التي قالت: “كنت في بغداد وقتذاك، وأتذكر كيف كان الصغار يجوبون الأزقة قبل أيام العيد ويهتفون (ماجينا يا ماجينا حِلّي الجيس وانطينا)، وكان أهل البيوت يُعطونهم بعض النقود، كما أتذكر أيضا (المسحراتي)، وكان صوت الطبل يُخيفني في البدء، لكن سرعان ما اعتدنا عليه، وكان والدي يأخذنا إلى الخارج لنراه وهو يضرب على طبله لينبه الأهالي إلى موعد السحور، إنها ذكرياتٌ جميلة جداً نتمنى أن تحافظ كل الأجيال على طقوسها في شهر رمضان.”
بدوره، (أبو وجية أسطواني – صانع حلويات) يسكن أربيل يقول: “أعمل ليلاً ونهاراً في (المصنع الحلو)، حسب تعبيره، لكثرة الطلب على الحلويات الرمضانية، وأصنع البقلاوة وعش العصفور والمبروم والقطايف وغيرها من الأنواع الرمضانية الأخرى حسب الطلب، ومعظم هذه الأنواع يكثر الطلب عليها في شهر رمضان.”
ليالي رمضان
أما (وهريم دلمان)، الذي يعمل بائع زينة رمضان في أسواق القلعة في أربيل فيقول: “خلال هذه الأيام قبل رمضان وحلول الشهر الفضيل، وقبل عيد الفطر المبارك، يكثر الطلب والشراء على الزينة المخصصة لرمضان المبارك، لأنه يعتبر أحد الطقوس التي يمارسها أهالي أربيل في شهر رمضان، لتزيين البيوت والمائدة والمحلات تعبيراً عن ابتهاجهم بهذا الشهر الكريم، ونحن نستورد أكسسوارات بأشكال مستوحاة من شخصيات رمضانية مشهورة من المسلسلات العربية والعراقية والتراث الكردي، المرغوبة لدى مجتمعنا.”
من جهته.. (أبو رحيم)، صاحب (كباب خانة) في منطقة هفالان، يقول: تتزاحم الأسر على المحل قبل الإفطار بوقت قصير وهذا الأمر يُحدثُ زِحاماً علينا. وعن الطقوس الرمضانية في أربيل يقول أبو رحيم: “الزيارات المتبادلة بين الأسر كانت من أهم الطقوس، فضلاً عن الصلوات الجماعية في المساجد، وكانت بعض الأسر تتوجه إلى المطاعم وقت الإفطار, ولاسيما تلك المطاعم الجوالة المتخصصة بشواء اللحوم كـ (التكة والكباب) في منطقة القلعة ومناطق تيراوة والإسكان.”
وأضاف: “كانت هناك أيضاً أمسياتٌ رمضانيةٌ تحضرها العوائل في المطاعم، بعكس الأعوام الماضية حين كانت قيود كورونا، والحمد لله هذا العام والعام الماضي عُدنا إلى هذه الطقوس.”