التدرن في العراق.. بين الوصمة الوهمية وعزوف الملاكات الصحية

225

هند مهدي – تصوير: علي الغرباوي /

يعد مرض التدرن (السل) من الأمراض المتوطنة في العراق، وهو يصيب أنحاء الجسم كافة، عدا الأظافر والشعر، والنوع المعدي هو فقط الذي يصيب الرئة ويشخص على أنه تدرن رئوي موجب القشع، أما بقية الأنواع فهي غير معدية.
ويحتفل العالم يوم 24 من آذار كل عام باليوم العالمي للتدرن، إذ تطلق منظمة الصحة العالمية شعارها السنوي ضمن خطة مكافحة التدرن في العالم للوصول إلى عالم خالٍ من التدرن. وكان شعار هذا العام (نعم.. يمكننا القضاء على مرض السل). وقد أقيمت احتفالية بهذه المناسبة على قاعة نقابة الأطباء في بغداد، برعاية مدير عام دائرة الصحة العامة في وزارة الصحة يوم 20 آذار 2023، الذي أناب عنه مدير قسم تعزيز الصحة، تخللتها عروض توضيحية لموقف التدرن في العراق وسبل تحقيق الهدف العالمي للقضاء على المرض نهائياً.
كما تضمن الحفل فعالية للأطفال عرضت دور الملاكات الطبية والصحية في مكافحة التدرن، وكذلك عرضاً مسرحياً تناول مشكلة عزوف الملاكات الطبية والصحية عن العمل في مراكز التدرن في العراق، قدمته مجموعة من منتسبي معهد التدرن الوطني. وحسب إحصائية البرنامج الوطني لمكافحة التدرن، الذي ينفذه معهد التدرن الوطني في العراق، فإن عديد المصابين بمرض التدرن بصورة عامة هو 6865 مصاباً، موزعين بين النوع الحساس (6687) والمقاوم (178).
مرض شائع
وعن مرض التدرن (السل) وتداعياته، يحدثنا (الدكتور أحمد أسمر منخي)، مدير معهد التدرن الوطني وبرنامج مكافحة التدرن في العراق، الذي قال إن “مرض التدرن أو السل، كما هو شائع في أوساطنا المجتمعية، مرض قابل للشفاء، ومنه أنواع عدة: النوع المعدي الذي تخافه الأغلبية الساحقة، ولا يمثل سوى (2616) مريضاً من مجموع (6687) لمرضى الخط الأول وهم المرضى الذين يكون المرض لديهم من النوع الحساس للعلاج.” وأضاف منخي: “أما التدرن المقاوم، فهو الذي يصيب معظم المرضى الذين لم يلتزموا بالعلاج، أو أنهم أصيبوا بالمرض من آخرين مصابين أصلاً بالتدرن الرئوي الموجب المقاوم للعلاج، وهؤلاء غالبيتهم من النوع المعدي، ويبلغ عددهم 145 من مجموع 178 مصاباً بالتدرن المقاوم.”
الوصمة الاجتماعية
وعن أهم المشكلات التي تواجه المعهد، يذكر د. أحمد أنها عزوف الملاكات الطبية والصحية عن العمل فيه، وعن سبب ذلك يقول إن “أسباب ذلك عديدة، أهمها الخوف من الوصمة الاجتماعية التي تلاحق المريض، لأن الكثيرين يعتقدون أنه غير قابل للشفاء، ويصبح وراثياً، وربما يكون مميتاً، وهي أمور غير صحيحة بتاتاً. كذلك بعد مناطق سكن الكثير من العاملين والراغبين في العمل عن موقع المعهد، إذ أن لدينا موظفين يسكنون في أبو غريب والطارمية والحسينية والأمين، وغيرها من المناطق البعيدة عن مركز المدينة، وبسبب الزحامات فإنهم يقضون ساعات طوال في التنقل.”
ويعتبر التدرن الحساس للعلاج هو الأكثر شيوعاً، ويعني أن المريض يستجيب للعلاج المباشر، وهو يصيب الرئة فيكون مرة موجب القشع ومعدياً خلال الفترة الأولى فقط، أما النوع الثاني فهو غير معدٍ ويصيب جميع أعضاء الجسم.
والأعراض العامة للمرض هي الحمى، والتعرق الليلي، وفقدان الشهية، وفقدان الوزن. وبالنسبة للرئوي يضاف السعال المستمر لأكثر من اسبوعين، الذي يكون غير مستجيب للعلاج.
ويكون تشخيص المرض عن طريق تحليل القشع وفحص الصدر الشعاعي بالنسبة للرئوي، أما بقية الأنواع فيكون تشخيصها إما بالفحص المختبري لعينة، وإما بالسونار والمفراس والرنين وبقية الفحوصات، وحسب مكان المرض.
ويتميز التدرن بأنه مرض قابل للشفاء التام إذا التزم المريض بخطة العلاج، كما أن علاجه متوفر مجاناً. وقد تطول فترة علاج مرضى التدرن المقاوم، إذ قد تصل إلى سنتين مع متابعة طبية مجانية.
جمعية مكافحة التدرن
عن دور جمعية مكافحة التدرن في العراق في مكافحة هذا المرض، يتحدث (الدكتور ظافر هاشم) قائلا إن “الجمعية تدعم برنامج مكافحة التدرن بكل تفاصيله، فهي تسهم في وضع الخطط العلمية لتحقيق الهدف، وتقيم حملات كشف حالات التدرن في السجون والتجمعات البشرية ومراكز الاحتجاز ومخيمات اللاجئين وغيرها. إضافة إلى إقامة ندوات شهرية توعوية مجتمعية لزيادة الوعي، ورفع الوصمة الاجتماعية للمرض، وأيضاً دعم الأطباء المتقاعدين الذين عملوا في مجال مكافحة التدرن.”
وعن الاحتفالية المركزية التي أقامتها الجمعية، أبدى رئيس الجمعية اندهاشه واستغرابه من عدم حضور أي مسؤول حكومي، سواء من وزارة الصحة أو لجنة الصحة البرلمانية، وقال: “هذه أول احتفالية لا يحضرها مسؤول، وذلك إن دل على شيء فهو عدم الاهتمام بهذا المرض.” وأشار إلى عدم وجود دعم وزاري لبرنامج مكافحة التدرن. وقد حضر الاحتفالية ممثلو المنظمات العالمية في العراق، ومنها منظمة الهجرة الدولية، وأطباء بلا حدود، ومنظمة الصحة العالمية، الذين يعتبرون الشركاء العالميين لتنفيذ برنامج مكافحة التدرن في العراق.
وحسب الخطط والمؤشرات لدى منظمة الصحة العالمية، فإنها تهدف إلى تقليل نسب وفيات المرض بنسبة90% عام 2035 والإصابات بنسبة 80% حتى الوصول إلى عالم خالٍ من التدرن عام 2050.
معلوم أن مرض التدرن أصبح -كبقية الامراض- قابلاً للشفاء تماماً، كما أن علاجه متوفر مجاناً، وأن الوصمة التي لحقت به وخوف الناس منه إنما هما أمران وهميان ورثهما الناس عن أجدادهم حينما كان المرض جديداً وعلاجه غير متوفر.