أكاذيب الأطفال.. خيال إبداعي أم حالة مرضيّة؟

213

فكرة يحيى /

الأطفال الأصحاء جميعا يمتازون بقدرات الابتكار والتخيل بغية حماية ممتلكاتهم الشخصية البسيطة أو الإفلات من عقاب مرتقب من جراء ارتكاب خطأ ما، لكن كيف يمكن للأم أو الأب اكتشاف هذه الحالة ومعالجتها العلاج الصحيح، ولاسيما أن لكل فئة عمرية ابتكاراتها من الأكاذيب، التي يصنفها علم النفس الى عدة تصنيفات من عمر أربع سنوات فما فوق، إذ تتنوع الأكاذيب وتتعدد أهدافها وأغراضها عند الأطفال، ومنها ما تجب معالجتها قبل أن تصبح حالة مرضية صعبة العلاج .
الكثير من الحالات مرت علينا في حياتنا الأسرية، حتى أننا -في مرات عديدة- نقف حيارى أمامها بين مصدق أو مكذب لما يقوله أولادنا، أو ما يبتكرونه من حوادث ملفقة، فنسمع أو نستنكر، نضحك أو نوبخ، أو نهدد بعقاب شديد في حال التكرار، كلها أمور نبغي من ورائها تقويم وإصلاح سلوك أولادنا.
النجاة في الكذب!
أدركت السيدة نبأ قاسم – موظفة- خطأ فهمها المقلوب حين كانت في العاشرة من عمرها، لأن النجاة لم تكن في الكذب وإنما في قول الصدق، اذ قالت: “كنت أخشى عقاب والدتي التي كانت تتابعنا -نحن البنات- بشكل دقيق، في سلوكنا وطريقة كلامنا، وفي دراستنا بالبيت وما نحصل عليه من درجات، ملابسنا وطريقة ارتدائها، كانت تتدخل في أدق التفاصيل، وكان الهدف من وراء ذلك -كما تقول- أنها تريد أن تعلمنا كيف نكون في المستقبل نساء جديرات ببناء أسرة رصينة، لكني في مرات كثير كنت أخفي عنها أشياء تحدث في المدرسة، حين أحصل على درجات ضعيفة، فأقوم بخلق أكاذيب لتجنب عقوباتها، لكني الآن أدرك أني يجب أن أكون قريبة من أولادي وصديقة ناصحة كي أجنبهم الكذب.”
الكذب وسيلة للهروب
قال السيد يحيى كريم – طالب جامعي – “كنت أتخذ الكذب وسيلة للخلاص من اهتمام أهلي الزائد وقلقهم علي كلما تأخرت خارج البيت، وأنا أمارس هواياتي مع أصدقائي التي تنسيني الوقت فأدخل متأخراً الى البيت، فأنا كنت الولد الوحيد للعائلة ومركز اهتمامها جميعا.”
أكذب للحصول على ما أحب
تقول السيدة إيثار سعدي – تربوية – “كنت في كثير من الأحيان أمارس الكذب بافتعال حالات المرض أو الكآبة والعزلة للحصول على الأشياء التي أحبها من لعب وهدايا، فقد كنت أعرف أني البنت المدللة في البيت ولابد لي من استغلال هذا الحب لتحقيق ما أريد، لكني بعد سنوات أدركت أني كنت على خطأ في تفكيري هذا، ولابد لي من أن أكون واضحة مع أهلي بمقدار الحب الذي يكنونه لي.”
الكذب تعبير عن النقص
يتوقف السيد علاء حسين – تربوي – عند نقطة مهمة إذ يقول: “بعض الأطفال يلجأون الى الكذب للتغطية عن النقص الذي يعيشونه فيدعون أشياء غير موجودة ولا يمتلكونها ليكونوا في مستوى متقارب مع زملائهم في المدرسة من التلاميذ ويمارسون تلك الأكاذيب ويصدقونها، فيشعرون أنهم في عالم منفصل عن أصدقائهم الذين يعيشون الواقع ويتمتعون به، فيما هم يتصورون الواقع في خيالهم.”
الخيال الكاذب
يقول السيد إبراهيم جعفر – موظف – أنه أدرك مستوى أكاذيب طفله في سنته الخامسة عندما رصد رسوماته وتعليقاته الشارحة على تلك الرسومات، أذ يقول “كنت ألاحظ باستمرار خلوة ولدي في زوايا البيت بعيداً عنا، وعندما يجلس معنا يكون شارد الذهن، كان يطلب دفاتر وأوراقاً بيضاء وأقلاماً ملونة لأنه يحتاجها في الروضة، لكني كنت أشعر أن ما يستخدمه من أوراق وأقلام ملونة كان أكثر من المعتاد، لذا قررت الذهاب الى الروضة لأستفهم من المديرة والمعلمة التي تشرف على الأطفال، هناك عرفت –أو تيقنت- من صدق إحساسي، فإنه كان يطلب هذه الأشياء لينمي خياله، وفي الروضة رأيت على الجدار بعضاً من رسوماته تشجيعاً له، وسررت بذلك وشجعت طفلي لتنمية موهبته الإبداعيةـ فإنها حتما سوف تكبر معه وتنمو وتتطور.”
القول الفصل
يقول الدكتور سعد العبيدي – اختصاص تربية وعلم النفس – إن “الكذب لم يكن -كسلوك لتزييف الحقائق- موجوداً في عصر دون آخر، وإنما هو موجود في كل الأزمنة والعصور، ولم يكن مقتصراً على أمة دون أخرى، بل إنه ينتشر بين جميع الأمم والشعوب، فهو سلوك تتشارك فيه البشرية جمعاء، لكن بنسب حدوث وانتشار متفاوتة، تبعاً لظروف العيش وأساليب الإثارة والحكم وطبيعة العائلة من حيث القدرة على الإدراك ومقدار التدخل للتقويم، لذلك نال الكذب اهتمام الأديان جميعاً فحرمته ووصفته بأوصاف مختلفة، كما نال اهتمام علماء النفس والاجتماع، الذين عدوه سلوكاً غير سوي، لتفاوت شدته من البسيط العابر الى الشديد المرضي الذي يتكرر، ويقترن تكراره بأفعال الغش والنصب والاحتيال، وعدّوه أيضاً سلوكاً مكتسباً أو متعلماً من المحيط بعض البيئة المعاشة، وأكدوا أن البعض من الأطفال يبدأون الكذب من السنوات الأولى، تقريباً من الرابعة، مع بعض الفروقات الفردية، حين يتمكنون من التخيل وإدراك المحيط من حولهم، وكيفية الحصول على ما يريدون وسبل تجنب العقاب، لكنهم في الوقت نفسه يبدأون بتفهم أساليب الكف التي تمنع الكذب، من نصح وإرشاد وتوعية وأحياناً العقاب، عندها يحدث التغيير أو الكف، لكن البعض قد لا تنفع معه هذه الأساليب، والبعض الآخر يحققون نفعاً أو تعزيزاً لسلوكهم الكاذب فيتطور الأمر الى زيادة في التكرار وشدة في النوع ، الى مستوى يخل بالشخصية ليصبح اضطراباً نفسياً يحتاج العلاج في بعض الحالات.”