الحظ و التنمّر و التحيّز جميلات فوق رفوف المهملات!

524

آمنة عبد النبي /

هالةٌ ذهبيةٌ كبيرة تُلاحق الجميلات أينما ذهبن، وتحيطهن بامتيازات وفُرصٍ تعزز حظوظهن الوفيرة في الحياة، وبالمقابل تُثير التنمّر والكره والغيرة لدى الأقل منهن جمالاً. غير أن الأسرار التي كشفتها كواليس تلك الحسناوات المُضطهدات، كانت مُغايرة لتلك السمعة الفارهة.
إنهنّ في الحقيقةِ ضحايا صامتات ودمىً مرمية في سلةِ المهملات!
لعنة وغواية
” مثلما ظلمني، أنا على ثقة أن الجمال يظلم صاحبه ويركنه إذا كانت صاحبته امرأة ينظر إليها الرجال نظرة الشهوة المُتنازع عليها “..
بهذا الاعتراف المرّ، بدأنا من العاصمة ستوكهولم مع خبيرة التجميل “إيڤون هاني” التي تحدثت عن تجربتها بغصّة:
خسرت عملي أكثر من مرة، بسبب سوء الفهم الذي يحدث كتمويه عن هدف صاحبه الأصلي، لأن المرأة الجميلة التي يحسدها الجميع هي في الحقيقة كائن غواية في نظر الرجال، وهي أكثر من يتعب لإثبات وجوده في معترك الحياة، لأن النظرة إليها تُبنى على أساس شكلها، لا على قدراتها، ومطلوب منها أن تُثبت العكس لمن هم حولها. والأكثر إيلاماً هو ما واجهتُه في إحدى المرات حينما عثرتُ على وظيفة كنت في حاجة ماسة لها في صالون حلاقة يديره رجل طيب، قلت أخيراً ابتسم لي الحظ، وإذا بزوجته تأتي إلى الصالون وتُفاجأ بوجودي فتثور ثائرتها، لا لشيء ولا لسبب يذكر وإنما لظنها بأنني سأحل محلها وأن هذا الرجل سيضطر للتسليم أمام جمالي الذي سيغويه لامحالة!! وعلى إثرها صار بينهما جدال طويل وخيّرته بين طردي أو أن تترك هي البيت.”
حرب نفسية
” سوء حظنّا هو نتيجة طبيعية لمعايير المجتمع التي يدعمها الرجال والإعلام، إذ أنها أبعدت النفوس عن أبصار الروح قبل الوجوه المُفلترة والمُقنّعة.”
بعتبٍ كهذا بدأت الباحثة الاجتماعية المقيمة في كندا “سارا ألبا” حديثها عن محنة الجمال والقُبح والحظ العاثر، قائلة:
هذه الفكرة مُروجٌ لها وبلا مجهود، لأن أصوات الرجال وجعجعاتهم في الغالب تتصدر الواجهة، وبذلك نجد سطوعاً لتلك الاستعراضات الذكورية في مجتمعاتنا، ولاسيما المتحفظة، إذ نجدهم يجاهرون بآرائهم، بينما النساء على العكس من ذلك، حال الكثير من التحيّزات التي تصب في السياق ذاته، أو مثلما يُقال دوماً “الرجل لا يعيبه إلاّ جيبه.”
الواقع المضحك أنه حتى عندما يكون هذا الرجل فقيراً وجيبه يعيبه، فلا شيء يعيبه بنظر الجميع، لذلك، وبتراكم هذا التوارث الظالم بقي يظن ويحمّل المرأة دائماً أعباءً إضافية لكي تثبت أنها إنسانة ذات معرفة واسعة بحواراتها في السياسة والرياضة والدين والخ، بينما هنالك رجال لا يفقهون في هذه الأمور ولا أحد ينتقص منهم. إذاً فالمجتمع هنا قلّل من شأن الأنثى أمام الجميع، ولاسيما الرجال، إذ تجد الأنثى التي لا تهتم بمعايير التصنع تُنعت بالرجولة أو كما يُقال “مسترجلة”، وجعل الكثير منهن فعلاً ينشغلن بمظهرهن الخارجي ويتركن عقولهن العظيمة التي رزقهن الله بها جانباً. وحتى التنمر في هذه الأمور بين النساء ضد بنات جنسهن ينشأ أيضاً بسبب المجتمع وطريقة التربية، ذلك أن معظم النساء ترعرعن في بيوت جعلت هدف الأنثى الأهم هو الزواج. ولأننا نعاني من نقص في الرجال بسبب الحروب وغيرها، تصبح المنافسة هنا متداخلة مع التنمر والتسقيط وأمور كثيرة مرتبطة بآليات الحروب النفسية والتصنع. وبالرغم من أنني لا أعترف بأن هنالك أنثى غير جميلة، وأرى أن كل النساء على الإطلاق جميلات، إلاّ أنني أقرّ فعلاً بأن المراة الجميلة لا تجد صعوبات في مسألة الوقوع في الحب أو العلاقات، ولا تجد صعوبات في إيجاد زوج أو عمل أو اهتمام أو مساعدة، ولا تتعرض للتنمر أو التقليل من شأنها، وليس كما يدعي الرأي العام، فإن كونها جميلة لا يمنع من أنها تستطيع أن تكون أنثى ذات شخصية مؤثرة في المجتمع أبداً.
فطرة وبلاهة
” المرأة الجميلة بلهاء.. هذا الافتراض ليس عبثاً بل إنه نابع من معرفة مسبقة مع النساء الجميلات وهن يتحملن مسؤولية ذلك”..
هذا ما نوهت له الكاتبة “زينب الإدريسي” التي ألقت باللائمة المزدوجة على الرجل والمرأة كليهما، قائلة:
لا أعتقد بنظرية الرجل الذي تصطاده القبيحات وتئن لفراقه الجميلات، ربما لقلة الوسيمين أو لاختلاف فكرة الرجل الوسيم أصلاً في مجتمعنا، أما قضية الجمال الأنثوي الذي يلفت أنظار المحيط، فليس الأمر دائماً على هذا النحو، بل يحصل العكس أحياناً، إذ أن الجمال نفسه يقتل الإبداع ويُشعر المرأة الجميلة بأنها ليست في حاجة للثقافة لجذب الرجل، أما قضية التنمُر والتسقيط ما بين النساء ضد بنات جنسهن، فحينما يختار الرجل الجميل امراة متوسطة الجمال، لكنه يراها جميلة الجميلات، السبب هنا هو الغيرة من بعضهن، وباعتقادي أنه أمر فطري ولا يمكن للمرأة أن تتغلب على هذه الخصلة إلاّ بزيادة الوعي.
جاذبية وسحر
” يلمس الرجل سحر المرأة وثقافتها من أول وهلة، من جاذبية ذكائها في إدارة الحوار قبل براعتها في تصفيف شعرها وكحلها”..
عن الأنوثة وذبذباتها الهائلة في اختراق الرجل، بدأت المدوِّنة العراقية المُغتربة “خلود المعلمچي” حديثها، قائلة:
قد يتعلق سوء حظها بقلق الرجل الوسيم الناجح الذي ضخّمه التوارث وعجز عن مواجهة الغيرة وإعجاب الآخرين بها، ولأجل أن يقلل من (دوخة الراس) التي جلبت له المتاعب والجري وراء الجميلة التي اختارها، يضطر هنا للانسحاب. هنالك أيضاً سبب مهم للعزوف عن اختيار الجميلات لدى كثير من العائلات التي تعتقد خطأً أن مطالبهن عالية ومُكلفة، ما يدفعهم للتوجه إلى امرأة متوسطة الجمال والحال، علماً أن المرأة الجميلة تعاني كثيراً من التنمر النسوي الذي سببه المُباشر هو الغيرة والحسد وأحياناً كثيرة الكره المتأصل لدى بعض النساء الأقل حظاً بالجمال والمتشفيات بردود الفعل الغاضبة التي ترضي غرورهن، ولاسيما حين يعانين من لامبالاة الجنس الآخر، لذلك أنا أعتقد أن أعظم عدو للمعرفة هو ليس جهل المرأة، بل وهمها بالمعرفة الذي يوفر لها تبريراً للهروب من رحلة تطوير الذات.