الطفولة بحاجة إلى ثقافة

1٬159

آيات احمد /

تمثل مرحلة الطفولة اللبنة الأولى في البناء الإنساني وتشكل حجر الأساس في التكوين الاجتماعي، وبقدر ما تقدم التربية من وسائل فعالة في تكوين هذه الطفولة، تكون نوعية المجتمع وفعاليته، وبقدر ما تكون لدى الطفل من إيجابية في السلوك والاتجاه والابتكار في التفكير تكون صورة المجتمع.
أدركت معظم الشعوب قيمة هذه المرحلة من حياة الانسان ولم يخل تاريخها في مراحله المتعاقبة من أدب موجّه إلى هذه الفئة العمرية شفوياً كان أو مكتوباً حيث أن التاريخ الفعلي لظهور هذا النوع من الأدب في العالم العربي كان في القرن العشرين.
الطهطاوي و فيوجتسكي
لقد كان للبعثات العلمية إلى أوربا في زمن (محمد علي باشا – عزيز مصر) دور مهم في الاتجاه نحو الأدب، ويعد (رفاعة الطهطاوي – أحد قادة النهضة العلمية في مصر) من الأوائل الذين انتبهوا إلى قيمة أدب الاطفال فترجم قصصاً عن اللغة الإنجليزية و أدرج القصص ضمن المناهج الدراسية، وتتالت بعد ذلك التأليفات في هذا المجال.
في بداية خمسينات القرن العشرين بدأت حركة الكتابة للأطفال تظهر بقوة في المشرق والمغرب وكذلك ظهور دور نشر مختصة في هذا الضرب من الأدب.
إن علاقة الطفل بالقصص وحاجته إلى ثقافة علمية مبسطة لم تعد مجال اختلاف أو شك، فالدراسات المختصة بعلم نفس الطفل تؤكد أن المعرفة لها دور في تنمية ملكات الطفل وتحقق له التوازن النفسي وتوسيع دائرة الاهتمام والوعي. ويعد (فيوجتسكي – عالم نفسي روسي) أحد رواد تطور علم نفس الطفل وقد طرح نظريته المعروفة بنظرية الثقافة الاجتماعية شرح فيها كيفية اكتساب المفاهيم وتعلمها من طرف الاطفال وكيفية مساهمتها في عملية تسهيل بناء النسيج المعرفي للطفل وكذلك تؤكد أن السياق الثقافي مهم في تفاعل الأطفال اجتماعياً.
خصوصيات المرحلة العمرية
للأسباب أعلاه يجب الاهتمام بمحتوى الأدب الذي يقدم للأطفال من ناحية تنويع مضامين القصص وأساليبها واستثمار التقنيات الجديدة في الطباعة والتزيين والاستفادة من خبرات الدمج بين الحرف والصورة والصوت لتحفيزهم على القراءة وتحقيق المتعة وتنمية التفاعل مع المقروء، بالإضافة إلى تسليط الضوء على معارف فنية وفكرية وتربوية ويستأنس بإدخال علوم نفسية واجتماعية ونأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المرحلة العمرية وطبيعة تساؤلاتها وحاجاتها.
لكن رغم تنوع الموضوعات وتعدد عوالم القصص الموجهة للأطفال فإن ما يُلاحظ، اذا قمنا باختيار عينة مما يتداول في الاسواق والمكتبات العربية، هو ندرة وجود القصص العلمية فأغلب ما يقرأه أطفالنا اليوم هو قصص الحيوانات و القصص الدينية وقصص المغامرات العجيبة وقصص التسلية والإضحاك، في مقابل ذلك لو أدخلت النشاطات والاكتشافات العلمية بطريقة مبسطة يسهل استيعابها من قبل الاطفال سيؤدي إلى تعويد عقولهم على التفكير العلمي و المنهجي ويحفزهم على الاكتشاف والتجربة ويعلمهم الأخذ بالأسباب والترتيب والتصنيف والمقارنة والاستنتاج من المقدمات ويفتح وعيهم على محيطهم ويحثهم على التفكير في الظواهر وانتظام حركاتها.
الأسرة وبناء الشخصية
اما بالنسبة لدور الأسرة حيث يبدأ الرسم والحفر في الذاكرة وعلى اللسان من هذه الدائرة الضيقة والمهمة والتي هي أول حلقة من حلقات التنشئة اللغوية بل هي أول درس من دروس اللغة التي يتلقاها الطفل وهي التي تساهم في بناء شخصيته بتوفير أجواء عائلية هادئة ومتوازنة وكذلك تهيئة الوسائل الثقافية التي لا تقتصر على القراءة فقط بل الإجابة عن التساؤلات التي يطرحها الاطفال مهما كانت.
يأتي بعد ذلك دور المدرسة في إتمام هذه الناحية وتوجيهها بتحقيق التربية العقلية لتلاميذها وتوفير الوسائل المختبرية والقيام بالنشاطات المتعددة لترسيخ المعرفة لديهم .
الاهتمام بقادة الغد
وقد انتبه الأوربيون مبكراً الى ذلك مدركين أن أطفال اليوم هم قادة الغد وكما يكونون في الصغر تكون الأوطان والبلدان حين يعتلون مراتب المسؤولية المدنية أو السياسية لذلك وفروا لهم وسائل المعرفة وبسطوا علومها وأشاعوها بين كل الفئات، ونظراً لدقة المعلومة العلمية وخطورة الخلط بين مقتضيات الحكايات الخيالية من تعجيب وتغريب وتشويق، وما يقتضيه العلم من وضوح ودقة وتحقيق وموضوعية، دعا بعض المهتمين إلى إلزام ناشري كتب الاطفال بعدم نشر كتب الثقافة العلمية للأطفال إلا بعد موافقة لجنة علمية احتراماً للمفاهيم العلمية وأخلاقيات العلم ومتطلباته.
هي دعوة وجيهة لتكون الكتب الموجهة للأطفال غايتها تبسيط العلوم وتحفيزهم للإقبال عليها وأن لا نستثني ما يندرج ضمن نوع (الخيال العلمي) الذي وإن اشترك مع المؤلفات العلمية فهو يظل ضرباً من الخيال الذي لا يوصف على أنه منتج بقدر ما يحرض على المغامرة ويثير الدهشة.
إن المغامرة والأدهاش والتشويق ليست سوى مستلزمات لتحصيل الثقافة العلمية وتعزيز مهارة السؤال والتفكير التي تمثل أولى الخطوات لتحقيق التوازن المطلوب للانخراط في قيم المجتمع وتمثلانه من جهة وبناء عقل نقدي محاور من جهة أخرى.