العائلة العراقية والتخطيط لمستقبل الأبناء

608

فكرة الطائي /

أبناؤنا ثمرة جهادنا في الحياة، نسعى ونفكر يوميا للتخطيط لمستقبل زاهر لهم، نأمل مغادرة الحياة ونحن مطمئنون على حياتهم بعدنا لذلك نسعى إلى توفير كل ما يمكن أن يسعدهم ويفرحهم ويعينهم على مصاعب الحياة، لكن هل يعني هذا أننا نفكر عوضا عنهم وهل يعجبهم ذلك أو يقتنعون بتخطيطنا لهم ؟.
قد لا تلقى أفكارنا رضاهم لأنها تختلف عما يطمحون إلى تحقيقه، وقد يكونون على صواب ونحن على خطأ الا أننا نصر ونكابر ونتمسك بما رسمناه لهم، وقد يبدو الأولاد راضين ومقتنعين بما نخطط لهم مرضاة لنا وهم يفكرون بالضد مما نخططه، أسئلة وأفكار كثيرة دارت في عقلي وأنا منشغلة في التفكير بهذا الموضوع، فما أملكه من تصورات وما سمعته من سيدات فاضلات الكثير، الا أنني فضلت أن أتحدث أولا مع الدكتورة “سحر كاظم – قسم الاجتماع – كلية الاداب جامعة بغداد “.
الأسرة والظرف الراهن
جمعت الدكتورة “سحر” بين التخطيط لمستقبل الأولاد والظروف المحيطة أو الراهن الاجتماعي الذي يحيط بالأسرة ويؤثر في قراراتها وطريقة معيشتها وتعدد الخيارات المستقبلية، إذ قالت: “الاسرة العراقية في ظل الظروف الراهنة لا تختلف عن بقية أنساق المجتمع من حيث الضبابية في تحديد المسارات المستقبلية وتنمية الأمل الذي يكاد أن يكون مفقودا بين أجيال الشباب، لذلك تبقى الاسرة هي العنصر الحيوي والهام للأبناء في تهيئة السبل الأمنة لتخطي العقبات ومنها الكفاح لتوفير كل ما يمكن من احتياجات الأبناء والعبور بهم إلى بر الأمان، وأول تلك الخطوات هو التخطيط للهدف في هذه الحياة الذي يبدأ من المدرسة بما نلمسه من اهتمام العائلة ومتابعة الأبناء في دراستهم في المدرسة وكذلك في معاهد التقوية لكل المراحل من أجل بقائهم في المقدمة والمحافظة على جذوة وحب التعلم والتفوق مشتعلة في دواخلهم”.
حديث خاص
كثيرة هي الاحاديث الخاصة بين السيدات والأمهات عن مستقبل الأولاد، إذ تكون هذه الأحاديث ملح كل جلسة من تلك الجلسات الخاصة وتتشعب فيها الأفكار وتتنوع فيها المسارات، ففيها من تفكر وترسم وتخطط وتصر على تنفيذ ما تخططه ومنهن من تراقب وتنمي مواهب أولادها وتقوم بالتوجيه غير المباشر ومنهن من لا تخطط أبداً وإنما تترك الأولاد يرسمون مستقبلهم بأنفسهم، وبين هذه وتلك تنوعت تجارب التخطيط في رسم مستقبل الأولاد.
تقول السيدة “انتصار كريم حسن – أم لثلاثة أولاد ” في حديثها معي إنها ” نجحت مع ولدين وفشلت مع الولد الثالث والاخير” توقفت عند هذه الجملة، إذ إنها جمعت بين النجاح ونقيضه في أسرة واحدة على الرغم من التخطيط والاصرار على التنفيذ وإدارة ومتابعة ما يرسم للمستقبل من شخص وتحد في الاسرة، فقد بينت لي السيدة انتصار قائلة: “تمرد ولدي الثالث على كل ما سعيت للتخطيط له مستقبلا وعلى الرغم من الترغيب والتهديد بين الحين والآخر فيما كان ولداي الآخران أكثر طاعة وتنفيذا لما خططت لهم لضمان مستقبلهم ليكونوا أشخاصاً يحتلون مكانة مرموقة ومتميزة في المجتمع ” بينما ذكرت لي السيدة “كريمة رضا محمد – أم لخمسة أولاد بنين وبنات” أنّها لم تخطط لمستقبل أولادها وإنما “تركت أمر التخطيط لمستقبل أولادي للزمن، فأنا لا أستطيع أن أرسم مستقبل كل فرد من أفراد العائلة فضلا عن الواجبات والمسؤوليات التي تفرض على الأم في البيت أولا والعمل ثانيا لا سيما أنَّ الأب أيضا منشغل في توفير مستلزمات العائلة والتفكير بها يوميا والتي لا تترك له فرصة في متابعة شؤون الأولاد، لكنه يفرح ويسعد بنجاحاتهم بعد أن قرروا الاعتماد على أنفسهم والتعاون فيما بينهم على حل مشاكلهم الدراسية”.
وقال لي السيد “فاضل محمد حسين”: إن “عملية التخطيط لمستقبل الأولاد عملية صعبة ومتطورة من مرحلة عمرية إلى أخرى، فإنها تحتاج إلى متابعة يومية مستمرة وتعديل تلك الخطط وفق مستجدات الظروف الانية التي تحتم علينا المناورة في الخطط المرسومة لتجاوز العقبات، كما أن ما تعلمناه من آبائنا لا ينسجم مع تفكير أولادنا وذلك لاختلاف الزمنين وفارق التطور الاجتماعي بين الاجيال”.
العودة إلى البداية
في الختام، أردت العودة للحديث مع الدكتورة “سحر” ليكون في كلامها الختام لما بدأناه من راهنية التخطيط وما تتحمله الاسرة من متاعب وأعباء جراء ذلك، إذ قالت: “الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد والتي تفرض تأثيرها على الاسرة العراقية ومفاصل الحياة الاخرى وتحملها أعباء مضافة مما قد تعيق خطط العائلة في مرحلة من المراحل العمرية مما يعني تلكؤ تلك الخطط وجراء غياب التخطيط على مستوى سوق العمل تبقى الاسرة هي المضحي الأكبر ويبقى دور مؤسسات الدولة قاصرا عن تحقيق الرؤى الواضحة لكل أفراد المجتمع”.