سخرية تغزو السوشيال ميديا مدح للأجنبية.. وتحقير لبنت البلد!
آية البهادلي /
“جكمة” أو “زرگكة”، لا فرق، فكلتاهما إنتاج محلي مُعاد.. “وينج ووين هاي الحوريَّة الأوروبية.. هذا الشغل وارد أصلي من الشجرة وغير متوفر في العراق..!”
تخيلوا هذه العبارات المُهينة، وغيرها، تلاحق المرأة العراقية، بنت بيئة الإنتاج المحليّة، كما يسميها المتصيدون في سماء السوشيال ميديا، على مرأى ومسمع الجميع. طبعاً هذه التعليقات والمنشورات لا تأتي من فراغ، أو بطابع المزاح وحسب، وانما تحولت إلى هوية حقيرة تأثرية بمحيط تطبَّع على وضع المرأة الأجنبية في منزلة الدلال والفخامة، فيما توضع بنت البلد في (خانة) المطبخ والتحقير. لكن السؤال الكارثي هنا: لماذا يتصرف (بعض) الرجال العراقيين بهذه الطريقة البشعة التي تنتقص من إنسانيتهم قبل أن تحرق ما تبقت لنا من أنوثة ضائعة في مجتمع يرانا فيه البعض درجة ثانية؟
مادة سخرية دسمة
“لا بأس، إذا كنتم تريدوننا قويات جامحات وملمهات، فقط امنحونا ثقة الحقوق والحرية لفعل ذلك، بدلاً من أن تمتدحون الأجنبية لقوتها، وتهينون بنت البلاد وتضطهدونها، وأنتم في الحقيقة تكسرون بنا وتحرموننا حتى من خروج المنزل..”
بهذا الانزعاج الحاد، وجهت (نور سليم) كلامها الى (الكثير) من الرجال، وطبعاً رافضة التعميم، قائلة:
“الكثير من الرجال العراقيين، غالباً ما يجعلون من المرأة العراقية مادة دسمة متخمة للسخرية منها على مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك الاستهزاء بأي عمل تنجزه المرأة العراقية أو أية خطوة تخدم حقوقها. علماً بأن الكثير من النساء العراقيات استطعن شق طريقهن نحو تحقيق أحلامهن بصعوبة بالغة، نتيجة الممارسات المجتمعية والقمع الفكري، ومع هذا فإن نجاح أية واحدة منهن ما هو إلا نجاح للمجتمع الذي ينتمين إليه، بل إن بعضهن عملن في مهن كانت حكراً على الرجال وحدهم، كالنجارة والحدادة وسياقة (التاكسي)، وكم كان الغضب الشعبي كبيراً بحقهن.”
وتتساءل نور: “إن أكثر ما يزعجني حقاً، لو أن سائقة شاحنة كانت أجنبية، حينها سوف نرى التعليقات الذكورية في مدحها، لكن حينما تقود الشاحنة امرأة عراقية فتصبح التعليقات: (هذي مو شغلتج، اكعدي وسكتي بالبيت).. أي أنهم لا يريدون من العراقية سوى أن تجلس في المنزل، وفي نفس الوقت أن تكون مثل الأجنبية، فكيف يكون هذا؟”
نبذ وتكسير مجتمعي
أما (تبارك علوان)، فترى أن “العالم أصبح أفضل -بصورة بطيئة- في تعامله مع مهن النساء الجديدة، وتقبل فكرة أن المرأة قادرة على إنجاز المهام التي كانت محصورة بالرجال وحدهم، وإن كان هذا التقبل بسيطاً ومتواضعاً في جميع دول العالم. إلا أن التعامل في العراق قد يكون (شبه مستحيل)، وهذا هو المحزن، فإن من يدعم المرأة هم ربما أفراد يعدون على أصابع اليد الواحدة، ولربما يأتي الرفض حتى من أقرب الناس إليها، وهنا فإن التعليقات (المكسِّرة) تكون بسيطة لما تواجهه المرأة في الواقع. والغريب أني لاحظت هذه الحالة حتى في التظاهرات، حيث كانت المقارنات كبيرة بأن من تتظاهر في الدول العربية يحق لها التظاهر، ويجب أن تتعلم النساء العراقيات القوة من المتظاهرات العربيات والأجنبيات لتغيير واقع بلدهن، ونفس الشيء لو أن متظاهرة عراقية خرجت للتظاهر فإنهم سيقولون (شعندج كاعدة بنص الزلم)، لا أفهم سبب هذا التناقض؟
أتذكر أني شاهدت تقريراً عن سيدة تعمل (نجّارة)، سعيدة بمهنتها، ومحبة لعملها، وواضح كم أنها كانت بارعة فيه أكثر من رجال كثيرين، ومن العظيم أن زوجها كان يساندها، وهو هذا الطبيعي، أن يساندوننا كما نساندهم في طموحهم، لكن المؤذي هو كمّ التعليقات المحبطة لها، التي تحاول جعلها تكره مهنتها بشتى الطرق، وهذا الوضع سيختلف كلياً لو أن تلك النجّارة كانت أجنبية! وأعود فأقول: لماذا هذا التناقض؟”
بيئة انتقامية معاكسة
من جهتها، تؤكد الباحثة (سناء المولى) أن “هذه التعليقات الانتقامية من المرأة وعملها، تحدث للأسف حتى داخل الأوساط الثقافية والعلمية، وليس في منصات الفضاء الافتراضي وحده.” وترجع سبب هذا التنكيل المستمر من بعض الأشخاص إلى البيئة التي نشأوا فيها، التي حجمت دور المرأة، وصنعت منها نموذجاً موحداً مخصصاً للتربية والعناية بالصغار والطبخ فقط، وغيرهما من الأدوار المنزلية، مع أنها محط فخر، لكن هذا الفكر الخاطئ هو ما يبقي المجتمعات منغلقة وثابتة في مكانها ولا تتطور، وما يجب فعله حقاً، هو احترام جميع مهن وأحلام النساء، ومنحهن المزيد من المساحة لاكتشاف مواهبهن وإبرازها، فهي في المحصلة ستعود بالنفع على المجتمع، إذ أن المجتمع الذي لا يحترم نساءه لن ينجح، كما أن التكسير المستمر لا يأتي بغير الضرر، وأن النساء مستمرات في نجاحاتهن ولن يوقفهن شيء.”
كذلك ترى المولى أن “الحياة تكمن في تنوعها ومنه نيل النساء حقوقهن، ذلك أن ما تفعله النساء طبيعي للغاية، مهن طبيعية وحياة طبيعية، ومن الغريب جداً أن يجري التعامل معهن بطريقة تشعرنا بأننا في العالم البدائي الرجعي الذي يعمد إلى وأدهن في الحياة.
والأشد حزناً أن هذه النظرة تصدر من نسبة كبيرة من فئات المجتمع، لكنني -كما قلت- أرى أن المرأة التي تريد تحقيق حلمها لن يوقفها عائق على الإطلاق، وأنها لن تنثني أمام الشتائم أو التعليقات الساخرة أو المقارنات، إنها تنجز لأنها تريد أن تنجز وتحب أن تنجز، لا شيء آخر تفكر فيه.”