في غياب الإصغاء والتفاهم المشترك شباب يبحثون عن الدعم داخل الأسرة وخارجها
فكرة الطائي /
وجدت صعوبة كبيرة في الاقتناع بما قدمته صديقة لي من عرض مفصل عن مشاكلها مع أولادها الذين لا يصغون إليها ولا يأخذون توجيهاتها على محمل الجد، كما كانوا يفعلون حين كانوا صغاراً، بل أخذوا يتمردون عليها، وحين يتدخل الأب لتقريب وجهات النظر تزداد الهوة فيما بينهم.
ما سمعته دعاني إلى التفكير جيداً في هذه الحالة ولماذا يذهب الشباب والمراهقون في حل مشاكلهم بعيداً عن أعمدة الأسرة (الأب والأم والأخ الأكبر) إلى من هم خارج الأسرة، هل يرجع سبب ذلك لعدم وجود لغة مشتركة بينهم تقرّب وجهات النظر؟ أم لوجود تقاطع بين وجهتي نظر قديمة وأخرى حديثة؟ وهل تحديث المفاهيم والعادات الأسرية يكمن في القطيعة مع الماضي الذي يمثله الأب والأم؟
خوف ومعاناة
حين بدأت حديثي مع السيدة (حنان عبد الهادي، موظفة)، لمست التوتر واضحاً في حديثها عن الأبناء وما تعانيه من متاعب ومخاوف من جراء ما تلاحظه من تغيرات في القيم والعادات والأفكار بين أوساط الشباب والمراهقين خاصة، تقول: “لا تصدقيني إذا قلت لك أني لست مرعوبة من علاقات الأولاد خارج البيت، لأنه عالم مغلق عليّ لا أعرف تفاصيله ولا الأعمال التي يقومون بها والحوارات والأفكار التي يتبادلونها أو يناقشونها، ولا الممارسات التي يمارسونها في بيوت الأصدقاء أو في الأماكن العامة.”
قلت: هل تعرفين أصدقاءهم وعناوينهم وأرقام هواتفهم؟
قالت: “حاولت مراراً وتكراراً أن أعرف شيئاً، حتى أني كثيراً ما أتابعهم في المدرسة حتى أتعرف على أصدقائهم، لكن يبدو أن أصدقاء المدرسة ليسوا هم ذاتهم أصدقاء المنطقة، لذلك هم سر توتري الدائم سواء في الوظيفة أم في البيت.”
أنهم يذهبون بعيداً عنا
“لست الوحيد الذي أعاني من هذه المشكلة التي أبحث عن حل لها،” هكذا بدأ السيد (نصير جودت، أعمال حرة) حديثه، وقد لمست من طريقة عرضه للمشكلة أنه حاصل على مستوى تعليمي جيد، وهو ما أكده لي أثناء حديثه من أنه حاصل على البكالوريوس في الجغرافية من جامعة بغداد، لكنه فضّل العمل الحر على العمل الوظيفي، يواصل حديثه: “أشعر أني صديق لأولادي ولستُ أباً متسلطاً متحكماً بهم، كانوا يتحدثون معي عن كل شيء يحدث لهم خارج البيت في المدرسة أو الشارع، وكانت معرفة تلك التفاصيل الصغيرة سر اطمئناني على أولادي، لكن هذا الاطمئنان تبدد بعد أن دخلوا المتوسطة ثم الإعدادية، حل محله الخوف على الأولاد من الشارع ومن أصدقاء السوء في المدرسة، أدركت ذلك بعد أن أخذت مستوياتهم تتذبذب في بعض الدروس وأهملوا متابعة الواجبات اليومية، أنا القريب منهم أنتبه لتلك الأمور وأذهب إلى المدرسة للاستفسار وأقف مع المدرسين والسؤال عن أسباب التذبذب، أفعل تلك الأشياء من دون أن يعرف الأولاد، فأنا أبحث عن الحل لا عن تعقيد الأمور، أدركت أن بعض الأصدقاء صاروا لهم أعمدة الاستشارة والنصح والتوجيه.”
ولدي قد يهرب مني!
السيدة (شفاء كاظم محمد) قالت إنها تابعت ولدها متابعة دقيقة بعد أن لاحظت رغبته في التوجه إلى خارج البيت أكثر من اللجوء إلى البيت في حل بعض الإشكالات التي يقع فيها في علاقاته مع أصدقاء المدرسة أو في محيط منطقة السكن، إذ قالت: “أريد أن يكون لولدي شأن في المستقبل، لكني لمست في سنوات الدراسة الإعدادية نوعاً من التمرد على توجيهاتي، إذ صار يتهرب مني بذريعة المطالعة مع الأصدقاء، في البداية لم أشدد على هذا الأمر، لكنه صار يقضي أغلب الوقت مع أصدقائه خارج البيت، هنا أدركت أن ولدي وجد البديل عن الأسرة في خارجها، ولابد من إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح والا فإن ولدي سوف يضيع مني.”
قلت: وكيف تمت معالجة الأمر؟
أجابت: “في البداية، وبكل هدوء، اقترحت عليه أن يدعو أصدقاءه إلى المنزل والمطالعة معاً، حتى لو كان الأمر بالتناوب بين الأصدقاء حتى لا يثقلوا على صديق معين وبعد ذلك تحدث المشاكل بينهم، لم يعر الأمر اهتماماً في البداية، لكني عدت إلى طرح الموضوع وفي هذه المرة قلت له بإصرار إنهم إذا لم يأتوا إلى بيتنا سأذهب أنا معك إلى بيوتهم، هو يعرف جيدا أنني أعني ما أقول وأنفذه رغماً عنه، ولاسيما أني عرفت كثيراً عن هؤلاء الأصدقاء لكني لم أكشف له كل ما أعرفه، أمسكت بولدي بإصراري هذا وأبعدته عمّا يفسد حياته خارج البيت، ليعود إلى داخل الأسرة ويسير على الطريق الذي رسمته له، لا الذي يرسمه الآخرون.”
الاحتواء خارج الأسرة
تقول الدكتورة (شيماء عبد العزيز، متخصصة في علم النفس بكلية التربية، جامعة بغداد): “إن غياب اللغة المشتركة بين أفراد الأسرة يدفع إلى التباعد والابتعاد عن الأسرة، حيث يدفع (الصمت) بين أفراد الأسرة إلى قيام الأبناء في سني المراهقة والشباب إلى البحث عن البديل للأب والأم ظناً منهم أنهم لا يصغون إليهم، فيلجأون إلى أصدقاء السوء، لذلك علينا أن نكون أقرب إليهم من الخارج مهما كانت المشكلات بسيطة أو معقدة لأن هذه المرحلة العمرية هي مرحلة بناء الشخصية.”