في فيلم “النمل الأحمر والأسود”: طفلك يواجه المصيبة بذكاءٍ هادئ!

157

امنة المحمداوي /

لا يملكُ حق الصراخ، وإنما لغة الموسيقى التحذيرية، وامتزاج اللحن مع دبيب الأصابع هو الناطق الوحيد بما يريد أن يقوله لنا النمل الأسود الطيب في معركته، وهو سلاحه الوحيد للدفاع عن علبة السكر وحماية الغنيمة من لصوص النمل الأحمر المفترس.
في فلم “وادي النمل” كمية ذكاء عالية، وتلاعب على وتر الفكرة الناجحة بالتحدي من خلال الكاميرا التي تركز على عملية الاختباء والملاحقة والكر والفر وغيرها، بموسيقى تحذيرية مشوقة، لذا يجب أن تشاهد هذا الفلم مع عائلتك ولو لمرة واحدة فقط في الحياة لمواجهة مُرّ الصعاب والتغلب عليها من خلال-كيف تفكر بذكاء- لا من خلال العضلات والصوت العالي والعدد.
الفيلم من إنتاج فرنسي لمخرجيه “توماس سيزابه” و”هيلين جيرود”، مُترجم ومتواجد على منصة اليوتيوب إضافة الى المواقع الأوروبية.
يلا نتابع الفلم:
الفلم عبارة عن حرب صامتة لكنها مليئة بالمغامرات، تحدث في مكان هادئ تعيش فيه قبيلتان من النمل، عندما يأتي زوج وامرأته الحامل للنزهة، ويجلسان لاستنشاق الهواء، تشعر المرأة بألم الولادة، فيسرع بها زوجها الى المستشفى تاركاً وراءه سُفرة طعام وصندوقاً مليئاً بـ (مكعبات السكر). ومن هنا تبدأ المعركة بين قبيلة النمل الأسود وصديقها الخنفس (الدعسوقة) وهم يحملون بحذر على رؤوسهم علبة السكر من جهة، وبين ملاحقة الحرباء والنمل الأحمر المفترس من أجل الفوز بالغنيمة من جهة أخرى.
تظهر الحرباء كأول عدو متربص بالسكر، إذ تهجم عليهم أثناء المسير فيبعدها الخنفس بذكاء باستخدام أصواتٍ معينة يتقنها فتهرب، بعدها يصطدمون مع فيالق النمل الأحمر المفترس، علماً بأن قائد النمل الأسود يحاول فض النزاع بقطعة من السكر، إلا أن قائد النمل الأحمر يصر على تسليب العلبة بأكملها.
الغريب أن النمل الأسود مدني بطبعه ولا يمتلك أسلحة، وعلبة السكر ملكه، وهو ليس جباناً، لكنه يفكر بذكاء مع الخنفس الذي يمنحه الأمل والتحدي بأقل العدد والإمكانيات، لذلك ظلوا يفكرون بهدوء لحسم المعركة لصالحهم بعد أن لحقهم جيش كامل من النمل الأحمر المجهز بسلاح (البيف باف) الفتاك وحاصر القلعة، فدقت أجراس الإنذار، لكن المفاجأة أن النمل الأسود هو من انتصر بفكرة ذكية من الخنفس، طبعاً لن أذكر الفكرة وإنما سوف أترك لكم النهاية مفتوحة كي لا أفسد عليكم متعة مشاهدة الفلم على اليوتيوب.
مشاهد تُلفت النظر:
الأصدقاء أوطان صغيرة، وهذا ما شاهدناه متجسداً بشكلٍ عظيم في اللقطة التي ينام فيها النمل الأسود وصديقهم الخنفس في أمان، بعيداً عن شرور النمل المفترس على الرغم من اختلافهم بالشكل والنوع، وحتى حينما يحلم الخنفس بأنه يطير مع أقرانه ويشرب زهر الرمان، ويستيقظ من النوم حزيناً ومكسوراً ويقرر الذهاب إلى سطح القلعة الرملية لتحقيق حلمه بالطيران، لكنه يفشل ويشعر بالخيبة، يأتي قائد النمل الأسود ليخفف عنه بلغة موسيقية تحفيزية تشعره بأن الإرادة وحدها هي التي ستجعله يطير، وهو ما حدث بالفعل لاحقاً.
كذلك من المشاهد التلاحمية العظيمة في وادي النمل هي ثيمة الإحساس بالهم المشترك ما بين الكائنات بالرغم من اختلافها في الفصيلة، او عدم حبها وخصومة بعضها بعضاً، وهو ما تجسد بطريقة نبيلة حينما يقرر الخنفس أن يساعد أصدقاءه من النمل الأسود فيجلب علبة الكبريت من المكان البعيد، مضطراً ومضحياً بخوض صراع مع حرباء وعنكبوت، لكن الغريب أنه في اللحظة التي أرادت الحرباء قتل الخنفس وابتلاعه، يهجم عليها العنكبوت وينقذه ومن ثم يسمح له بالطيران مع علبة الكبريت لأنه أدرك معنى الحرية لمن لديه أجنحة ولا يمكنه التحليق.
بماذا أنصح عائلتي؟
يعكس الفيلم في قصته السينمائية ما يحدث داخل حياتنا وتحت سقوف بيوتنا من تصورات وأفكار غبية عن التحلي بالقوة، ولاسيما ما يجب أن نعلمه لأبنائنا ممن يعتقدون أن العضلات والصوت العالي هما من يعطيان الإنسان قوة شخصية.
مثلاً نلاحظ، على الرغم من كثرة عدد النمل الأحمر المفترس وعدوانيته، إلا أن التنظيم والذكاء كان ينقصهم، ويخدعهم الغرور، بعكس النمل الأسود المسالم الذي كان يمتلك تخطيطاً وذكاء وحسن نيّة أوصلته الى النجاح.
كذلك فإن وجود الخنفس (الدعسوقة) الى جانب جيش النمل الأسود ومساندته لهم يبعث في حياتنا رسالة بليغة بضرورة قبول المختلف، أي أن هناك من يختلف عن لونك وشكلك، لكنه يمكن أن يكون سبباً في نصر قضيتك، أو مساندة المظلوم، وعندها لا يبقى للشكل أي معنى إذا كان المضمون نقياً سليماً.