كلمات داخل البيوت تُشبه “حبّة” البراسيتامول!
د. مصطفى نزار سعيد/
بعض الكلمات داخل البيوت لطيفة وشافية ولها تأثير نفسي وروحي الى درجة تشبه العلاج بحبّة “البراسيتامول”، فالكلمة الحُلوة ليست مجرد تعبير لفظي إيجابي يقرب القلوب، وانما هي بالحقيقة شحنة عاطفية وتعزيزية لقوة الشخصية وصناعة طفل سويّ وطموح.
فاللغة هي الأداة المعبرة عن حالة البيت والمجتمع ومتغيراته، التي تنمو وتتطور وتتقدم إذا ما توفرت لها أسباب معينة تدفعها الى الأمام، وذلك لأن التطوير الدلالي واللفظي ذو صلة قوية بالمجتمع وثقافته وتاريخه، وهذه جوانب متشعبة تختلف من مجتمع الى آخر ومن لغة الى أخرى. وعندما تنتقل اللغة من جيل إلى جيل، ينتج عن ذلك تغير في المفردات وظهور دلالات وألفاظ جديدة. ومما لا شك فيه أن الألفاظ لها أثر نفسي في الإنسان، ولولا ذلك لما وجدنا عبارات محملة بالانفعالات والمحاكاة لحالتنا النفسية. وهذا يشكل ملمحاً من ملامح التطور الدلالي واللفظي وتداول عما في دواخلنا. وهناك تطورات اجتماعية وحضارية تؤدي في غالب الأحيان إلى تطور اللغة، فتموت ألفاظ وتحيا أخرى، وتتبدل معاني بعض الألفاظ وتتغير وتؤدي أغراضاً متعددة.
تجنب العدائية الأسرية
لا يختلف اثنان على أن الأسرة هي الخلية الأولى التي ينمو ويترعرع بين أحضانها الطفل ويناغي ألفاظه الأولى، وهي الملقّن الأول للطفل، إذ يشرب منها ثقافة المجتمع وعاداته وقيمه وتقاليده، ومنها يتعلم الأنماط السلوكية الخيرة والشريرة، وعن طريقها يعرف الفضيلة والمبادئ الإنسانية السامية. لذا يتوجب على الوالدين أن يهتما بثقافة أبنائهما ودينهم وقيمهم، لأن في ذلك ضمان استقامة حياتهم وسلامة توجهاتهم، وعليهما كذلك أن يهتما بلغة أبنائهما العربية، لأن اللغة هي سبيل المرء ليفقه دينه وليفهم تاريخه، كما أن فساد أخلاق الأسرة يترتب عليه إيجاد قدوة سيئة للطفل بتقليده سلوك الأب المنحرف او الأم المنحلة. إن الانهيار العاطفي داخل نطاق الأسرة، الذي يتمثل بالشدة والصرامة، يؤثر سلباً في النمو النفسي للطفل وفي لجوئه إلى ارتكاب أنماط السلوك العدواني.
محفزات الاستقرار البيتي
تتضمن المشاحنات والخلافات والمنازعات الأسرية التي تقع بين الوالدين جميع أشكال السلوك الكلامي والحركي، الذي يخلق في البيت بشكل أو بآخر جواً من التوتر والقلق والاضطراب النفسي، ما يؤثر تأثيراً كبيراً في حياة الأبناء، التي من خلالها يكتسب لغة العنف أو السب والشتم، فلابد من أن يبتعد الوالدان في مناقشاتهما عن الأبناء، حرصاً على نفسيتهم وحفاظاً على التربية المتوازنة.
ويعتبر الاستقرار الأسري واستخدام الحديث الهادئ ولغة الحوار المتقدم من أهم الجوانب التي توثر في شخصية الطفل وأسلوب تكيفه، فكلمات الحب الدافئ والعاطفة الصادقة، التي يتلقاها الطفل من خلال تفاعله مع أسرته، أمور من شأنها أن تعزز من مكانته، أما إذا استبدلت كلمات الحب والعاطفة، بالكراهية والنبذ والنفور فإن حياة الطفل تصبح متوترة ومشحونة بالمآسي والآلام، ويبدأ الطفل بتكوين فكرة سلبية عن أسرته بشكل خاص وعن المجتمع بشكل عام.
جو ثقافي إيجابي
قد يؤثر الجو الثقافي للأسرة على وعي الطفل، إذ يسهم في تكوين اللغة والفكر البناء، وقد نلاحظ أن بعض الأسر تعمل على توفير الظروف الثقافية المناسبة للأبناء من خلال توفير الكتب والمجلات والصحف ووسائل الإعلام المختلفة، وأن تبعدهم عن القصص والكتب المنحرفة التي تعمل على إفساد أخلاقهم وافكارهم، وفي المقابل نجد أن بعض الأسر تهمل هذا الجانب.
إن القراءة تفيد الطفل في حياته، إذ توسع مداركه وتجاربه وتضعه على طريق العلم والتثقيف، وتغرس لديه الحس اللغوي، وتمنحه القدرة على التخيل، وتزيد من مستوى فهمه للأمور بحيث يكون قادراً على حل المشكلات التي تجابهه، وهذا لا يحتاج الى عناء او تكلف، بل يولد لدى الكثير من الناس الأسوياء، وهنا استحضر ورشة قدمتها كلية الطب في جامعة ابن سينا حثت بقوة على الوعي باستعمال الألفاظ الإيجابية الداعمة للطفل وأهمية وقعها على الأسرة والألفة بين أفرادها، وهذا ما نرجو أن يسود بين عوائلنا.