في متحف الرسام الهولندي “ڤان كوخ”.. تجوّل بصري داخل لوحاته.. انغماس في عالم مُبهر

191

آمنة عبد النبي – هولندا/
تخيلوا، في حياة الرسام قد لا يكون الموت أصعب الأمور على الأغلب. لذلك فإن فان كوخ عاش حياته البائسة وحيداً وقبيح المنظر-كما يعتقد- ومُعدماً لدرجة أنه باع آلاف اللوحات، كما باع لوحته الوحيدة كي لا يموت جوعاً من شدة الفقر.
والآن قد صُنِع له خصيصاً ليس متحفاً عالمياً.فحسب وانما كوكب مُبهر بهيئةِ جاليري عملاق يجمع جميع لوحاته، كما أصبحت لوحاته لا تُقدّر بثمن، والمؤلم أنّه انتحر قبل أن يشهد نجاحه بعينيه..
جولة في متحف فان جوخ، الذي يتوسط العاصمة الهولندية “أمستردام” الجميلة، يطل منه الفنان الذي عاش حياته مُتأملاً في الكون، على زائريه بفخامة، وهو محاط بمئة وخمسة وعشرين ألف زهرة لعبّاد الشمس، ومسموح لك أن تأخذ منها ما تريد إلى المنزل، وهي باعتقادي تؤشر فداحة غياب الإنسان عن أمكنة حضوره وأوطانه على اعتبار أن الغياب الإنساني عنها هو ما يمتص حياتها ويدعها موحشة.
فداحة الغياب في لوحاته
“بصراحة، إنها رحلة ساحرة وتجربة -أنصح بها الجميع- لمشاهدة لوحات فان كوخ الحيّة في المتحف المُذهل بعالمه وبطريقة مختلفة، هي قطعاً تثري الروح وتفتح أفاقاً جديدة للتفكير والإلهام..” بحسبِ رؤية الكاتبة الصحافية المغتربة د.أسيل العامر، القادمة لزيارة هذا العالم الساحر الذي أبهرها، التي أكملت قائلة:
“نحنُ العراقيين ذواقون للفن الرفيع، وفان كوخ هو الفنان الوحيد الذي يجسّد الألوان وفداحة الغياب والخطوط في مشاهد مليئة بالحياة. شخصياً استمتعت باستكشاف عوالم مليئة بالإبداع والتجديد. بالمناسبة، فان كوخ ليس مجرد فنان، بل إنه روائي يروي قصصاً على قماشه، وهو رسام يبني جسوراً بين الواقع والخيال، فنه يندمج بالحياة بشكل مدهش، يمنح كل نقطة حياة وحركة فرصة مذهلة للانغماس في عالمه الفريد. لأنها في الحقيقة ليست مجرد مشاهدة لوحات، بل رحلة ساحرة تأخذك إلى عوالم لم تتخيلها من قبل.”
توظيف اللونيات مبهر
“مصدومة بجمالية المكان، وكيف خلد بفخامتهِ كل هذا النور في حياة الرسام الذي كان يعاني من عمى الألوان والضغط النفسي والعصبي، الذي توفي ولم يبلغ من العمر سوى 37 عاماً..”
كما تعتقد الفنانة التشكيلية المُقيمة في العاصمة الهولندية أمستردام، سُرى الخفاجي، التي أكملت بانبهار:
“كثيراً ما ظننت أن الليل أكثر حياة وذخراً بالألوان من النهار، وهنا في هذه العروض المقدمة لسيرته وحياته، كان توظيف اللون والمؤثرات اللونية والحسيّة بطريقة أكثر من رائعة ومبهرة، فالعرض يضم رؤية بصرية work shop على شكل لوحات تعريفية لأعماله وسيرة حياته. بصراحة فخامة اللوحات في هذا المتحف تجعل حتى غير العاشق للفنون يضع هذا المتحف على قائمة المعالم السياحية التي يجب أن يراها في أمستردام.”
وحشة الصمت الإنساني
أما الشاعر المُقيم في مدينة روتردام، منصور البدري، الذي اعتاد زيارة المتحف بتكرار لا يمل منه أو ربما يجد فيه تعاطفاً رمزياً مع غربة كوخ، قال:
“كوخ جميل بحق، بلوحاته التي يطغى عليها اللون الأصفر، ولاسيما لوحة (الغرفة) التي أجيءُ خصيصاً الى المتحف لأشاهدها وأتحدث معها كلوحة حيّة، صدقيني كنت اسمع كوخ وهو يصرخ أن كل ماهو جميل يغدو بغياب الإنسان لا حياة فيه، ولذلك ظلت لوحة (الغرفة) الشهيرة توحي بالسكوت والسكونية لغياب الوحيد الذي يمنحها هوية الانتماء إليها، والغريب أن الشحنات العاطفية الطاغية في أبعاد اللوحة وحركة الأشياء داخل الغرفة، حين تراها تظن أنها مستمرة بالحركة أو بانتظار من يحركها مجدداً.”