لماذا نحن أكثـر ودّاً مع الغرباء؟
ترجمة: آلاء فائق – ديبورا ساوث ريتشاردسون، عن موقع/برايت سايد /
مجاملة الغرباء تقليد اجتماعي شائع يندرج في إطار السلوك الإيجابي بين الناس لترطيب وتحسين العلاقات فيما بينهم، شرط أن تكون هذه المجاملة بحدود العلاقات الاجتماعية المتعارف عليها ودون الخروج عن مقتضيات العرف الاجتماعي السائد في المجتمع، لكن هل سألت نفسك يوماً لماذا نحن نميل لمجاملة الآخرين؟ بينما نتصرف بأريحية كاملة مع أحبائنا وأقرب الناس إلينا.
يتغير سلوكنا دائماً تجاه مختلف الأشخاص الذين نلتقيهم في حياتنا او نتعامل معهم يومياً، وقد لا نكون على دراية كافية بذلك. ثمة دراسة علمية توضح الآليات الخفية التي “تتحكم” بشكل أساسي فيما نقوم ونتحدث به. بعد ثلاثة عقود من الأبحاث التي أجريت على موضوع العنف، تمكنت أستاذة علم النفس ديبورا ساوث ريتشاردسون من معرفة سبب اختلاف سلوكنا اعتماداً على الأشخاص من حولنا، وما الدوافع وراء حدوث تغييرات في سلوكنا. العاملون في موقع Bright Side أرادوا التركيز على هذا النمط المتكرر ومعرفة سبب تصرفنا بشكل مختلف مع الغرباء مقارنة بأحبائنا وأقرب الناس إلينا، وكيف يمكننا منع حدوث ذلك مستقبلاً.
الاعتقاد بمتانة العلاقة
نقضي جزءاً كبيراً من وقتنا مع أشخاص أو معارف أو غرباء نلتقيهم بالصدفة. سواء أكان ذلك في العمل أم في المطعم، الشارع، المدرسة. فغالباً ما يتعين علينا أن نظهر مبتسمين ولطفاء أمامهم وأن يكون سلوكنا أكثر أدباً معهم، وذلك ببساطة لأننا نريد أن نبدو لطفاء ومثقفين أمامهم. ولكن عندما نعود إلى المنزل أو عندما نكون بصحبة أشخاص قريبين منا، فإننا سرعان ما نخفف من وتيرة مجاملاتنا ونسترخي لنعود إلى طبيعتنا. نشعر بمزيد من الراحة مع الأشخاص الذين نحبهم. وهذا الأمر يجعلنا نظهر كل جوانب شخصيتنا، بما في ذلك الجانب السيئ. تؤكد إحدى الدراسات أننا نميل للتعبير عن غضبنا بشكل لا واعٍ تجاه الأشخاص الذين نشعر أنهم أقرب إلينا لأننا نعتقد أن علاقتنا بهم قوية بما يكفي بحيث يتحملون منا حتى مزاجنا المتعكر. كلما زاد قربنا من الأشخاص القريبين منا، وكلما ترسخت ثقتنا بهم أكثر فأكثر، كلما زاد شعورنا بأننا يمكننا دفع حدود تلك العلاقة لمديات واسعة بحيث لا نشعر بالحرج لو غضبنا عليهم، أو صرخنا بوجههم في حال كنا نمر بظروف حياتية صعبة كأزمة عمل مثلاً أو معانتنا من ضغط نفسي معين.
الشعور بالأمان وإظهار الحقيقة
عندما نلتقي أشخاصاً جدد لأول مرة، لا نظهر صورتنا الحقيقية لهم، ولكونهم يلتقونا لأول مرة فهم بنفس الوقت لا يتمكنون من سبر أغوارنا حتى نصل معهم إلى نقطة نستطيع من خلالها أن نطور اتصالاً مشتركاً وعميقاً معهم. فبينما تجدنا نتصرف بتلقائية وأريحية مع الأشخاص القريبين منا، حتى لو بدر منهم ما يزعجنا، فلن نعمل من الأمر قضية، لأننا نعرفهم ونعرف طباعهم الشخصية، أما الغرباء فنحرص دوماً على ضبط أنفسنا وتصرفاتنا معهم، ولا نكون مسترخين تماماً معهم، لأننا ببساطة لا نعرف ردة فعلهم تجاهنا. عندما يفعل أحباؤنا شيئاً نراه مزعجاً، تجدنا سرعان ما نتصالح معهم ونسوّي الأمر سلمياً، وذلك لقربنا من أفراد عائلتنا أو الآخرين المهمين في حياتنا، لذلك تجدنا على الأرجح أكثر صراحة وانفتاحاً بشأن الأشياء التي لا تروق لنا معهم ولا نتردد في البوح عما يضايقنا منهم. فقد طورنا معهم نوعاً من العلاقة التي نعرف جيداً أنها لن تتعرض للخطر، حتى لو صرخنا بوجههم او تشاجرنا معهم بعض الأحيان.
الصفات السلبية والعائلة
انت بالتأكيد لا تبدأ فجأة بكره خصائص معينة عند زميلك الذي يشاركك نفس الغرفة بالقسم الداخلي، أو احد أفراد أسرتك، أو أفضل صديق لك. حتى لو كان الأمر كذلك، فإن ما يحدث هو أنك تتوقف عن التسامح مع الأشياء التي لم تعجبك في المقام الأول. فكلما زاد الوقت الذي تقضيه مع شخص ما، كلما أصبحت أقل تسامحاً مع مراوغاته السلبية. هذه الحالة لا تحدث مع الغرباء طبعاً، لأنك لا تقضي وقتاً كافياً معهم لتطوير عدم التسامح أو الحساسية المفرطة لخصائصهم الشخصية. حتى لو كان هناك شيء ما يزعجك تجاههم، فأنت لا تعير أهمية شديدة له لأنك تعلم أنك لن تضطر لتمضية وقت كاف معهم.
طرق تحسين التعامل
كما ترون، هناك سبب يجعلنا نعامل الأشخاص الذين نحبهم بشكل أقل لطفاً من الغرباء. والآن بعد أن عرفنا سبب تصرفنا مع أحبائنا هكذا مقارنة بالغرباء، دعونا نرى ما يمكننا القيام به لمنع هذا النوع من السلوك مستقبلاً:
خذ فترة استراحة من أحبائك إذا لزم الأمر، الناس الذين اعتادوا على قضاء الكثير من الوقت مع الأشخاص الذين يحبونهم، قد يجدون أنفسهم أقل تسامحاً مع مراوغاتهم. لذا عليك قضاء بعض الوقت بعيداً عنهم، لتترك لنفسك حيزاً من التأمل في العلاقة من منظور جديد ولكي تقدر الخير فيمن تحبهم.
تعمّد قضاء بعض الوقت مع أحبائك بصحبة الآخرين، أي عندما نكون بصحبة مجموعة من الأشخاص تربطنا بهم علاقة قصيرة وسطحية، نجد أنفسنا نتصرف بأدب ولطف وكياسة معهم، ونفس هذه الكياسة ستنطبق في المقابل مع أحبائنا أيضاً، فنحن نحرص دائماً على معاملة أحبائنا أمام الآخرين بأفضل وجه. بهذه الطريقة، يمكننا أن نراقب بعضنا البعض عندما نكون في أحسن حال. بعد تعلمنا السبب في اختلاف تعاملنا مع أحبائنا والغرباء، نأمل أن نكون قادرين على التحكم بردود أفعالنا في المرات المقبلة، كي نتفادى مهاجمة أحبابنا ونقدر وجودهم في حياتنا. هل سبق لك أن تعاملت مع الغرباء أفضل من الأشخاص الذين تحبهم؟ وهل تعرف أية ستراتيجيات أخرى يمكن أن تساعد الناس على منع هذا النوع من السلوك؟