نسوة يتحدثن عن تجاربهن مع التحرش الجنسي في صغرهن

139

آية منصور/
“كان قريبي يتحرش بي كلما زارنا، صرت أكره طرق الباب، وكلما يصل كنت أهرب، ولم أستطع اخبار عائلتي، إذ لن يصدقني أحد بالتأكيد ، فهو المؤمن الصالح، الذي يكرم الفقراء. بقيت هذه القصة حبيسة في قلبي حتى يومنا هذا، وما زالت آثارها راسخة بشكل كبير في جميع مفاصل حياتي.”
نساء لم يستطعن -حتى اليوم- وحتى بعد سنوات طوال، تخطي عقبة الجرائم الجنسية التي حدثت لهن في صغرهن، كما لم يستطعن معالجة أرواحهن الحزينة، وقلوبهن الكسيرة، إذ لا يصدقهن أحد، ولم ترمم الذكريات وجعاً مثل هذا، ليبقى التحرش الجنسي واحداً من أفتك الجرائم التي لم يسن ضدها القانون العراقي أو السلطة، حتى اليوم، سوى قوانين كلاسيكية، ولم نشهد أية صرامة للتعامل مع ضحايا التحرش الجنسي.
القريب المتحرش
تؤكد (سامية أحمد) أنها عانت من صدمة قوية جعلتها، حتى بعد أن كبرت، تخشى فتح الباب خشية أن يكون قريبهم هو القادم. تقول: “لم أستطع التحدث عن تلك القصة، لأنني جربت ذلك مرة واحدة مع أمي، التي صفعتني بقوة، واتهمتني بأني أفتري عليه، لذا كنت أرفض الخروج من غرفتي عند مجيئه والسلام عليه، لكن عائلتي كانت تجبرني على أن أفعل ذلك.”
وتوضح سامية أنها، قبل أن تتزوج، أخبرت خطيبها فقط بهذه الحكاية، لكي يستطيع تقبل انفعالاتها وخوفها الدائم، إنها تحتاج إلى الدعم وحسب، ولا تريد سوى أن تكون صغيراتها بأمان من المتحرشين.
“لقد ترك هذا الرجل في داخلي ندبة كبيرة، ولم أكن أتمكن من فعل شيء أو الصراخ وهو يتحرش بي حينما يذهب والدي لجلب العصير أو الشاي، إذ كان يضعني في حضنه ويبدأ بالتحرش، وكنت واعية تماماً لما كان يفعله، لأن الشعور كان مقرفاً للغاية.”
أرقام مخيفة
في استبيانات أجرتها منظمات حقوق المرأة في العراق، ومنها منظمة (ساندها) لحقوق المرأة، أظهر استطلاع رأي عبر منصة حقوق المرأة العراقية في شهر حزيران للعام الماضي 2022، شمل (1873) عيّنة من كل مناطق العراق، أن 59 بالمئة من الفتيات المشاركات بعمر6-13 سنة تعرضن للتحرش أول مرة و 22.5 بالمئة منهن تعرضن للتحرش من الأقارب، و30 بالمئة تعرضن للتحرش في المنزل، كما بيّن الاستطلاع أن العاصمة بغداد كانت الأعلى تليها المحافظات الجنوبية وبعدها الوسطى ثم المحافظات الشمالية.
العائلة لا تصدق الناجية
وعلى الرغم من محاولات تدخل الشرطة المجتمعية من أجل الحد من هذه الظاهرة، إلا أن ليس جميع الفتيات قادرات على طلب المساعدة. توضح (سجى أحمد – 23عاماً) أنها قد تعرضت للتحرش من قبل أحد أقاربها، على مدار عشر سنوات! إذ إنه كان يزورهم بشكل يومي بحجة حبّه التواصل مع إخوتها، لكي يختلي بها، لذا لم تفعل شيئاً سوى أنها وافقت على الزواج من أجل التخلص منه!
“لقد اختلق قصة، أقسم، فقط ليبقى قريباً ويكرر تحرشه، أخبرت والدتي، التي بدورها أخبرت إخوتي، فكان نصيبي أن يضربني إخوتي ويمنعوني من الخروج، لكنهم لم يتحدثوا معه ولم يمنعوه من زيارتنا، فما الذي أفعله فيما يقضي اكثر من 15 ساعة في منزلنا؟ أخبرتهم بأني سأوافق على أي شخص يتقدم لي وهذا ما حصل.”
تبين سجى أن الآثار النفسية لا يمكن تخطيها مطلقاً، ولا حلها إلا بمواجهة المعتدي ومعاقبته، وهذا لا يحدث في غالبية العائلات العراقية التي لا تصدق ما تقوله الفتيات الصغيرات، بل على العكس يجري اتهامهن بالجنون و(التبلي) على المتحرش، الأمر الذي يدفعهن إلى السكوت وكبت الحزن في أرواحهن فقط.
“أصبحت لدي اليوم (خوفة) من الرجال، حتى من زوجي حينما يقترب مني ويقول لي إنه زوجي، أخبره أي أنك لن تتحرش بي؟ تخيلوا حجم معاناتي، فيما يعيش ذلك الوحش حياته بشكل طبيعي، وحتى لو فكرت بمقاضاته، سيضحكون علي، وأولهم الشرطة، نعم، سوف يسخرون مني كما فعلت عائلتي، هنا الفتاة مظلومة للغاية.”
أرتدي الأحمر ثأراً !
“من قال إننا نكبر وننسى، جدتي قالت لي مرة حينما أخبرتها أن عمي يتحرش بي (تكبرين وتنسين)، لكني حينما كبرت كرهته أكثر، إلى درجة أنه عندما مات ارتديت الأحمر.” تقول وردة وتكمل حديثها: “تمنيت لو أني كنت أستطيع الهرب يوماً من البيت، لأني حينما أخبرت والدي، هددني بالقتل إذا ما أعدت القصة المفبركة -حسب قوله-، لذا عشت ضحية التحرش بظروف نفسية صعبة، تحت سطوة أسرية قاسية، شعرت بالضعف والخوف وبقيت أتعرض لتحرش مستمر، وكان إحساسي بالصدمة والعجز عن حماية نفسي، ما ولّد لدي آثاراً نفسية استمرت آثارها الخارجية بالظهور كالاكتئاب وفقدان الرغبة في كل شيء.”
واجهي المتحرش!
توضح الخبيرة النفسية (وسن الزبيدي) أن مواجهة المتحرشين ضرورة مهمة لحماية الضحايا، ولاسترداد جزء من معنوياتهن المنهارة، ولاسيما حين لا يوجد من يحميهن أو يدافع عنهن داخل أسرهن، تضيف: “إن سكوت الضحية، غالباً بسبب قرابة المتحرش منها، إذ إنها تعتقد أن البوح بالجريمة سيعرضها إلى لوم أسرتها واتهامها بأنها هي السبب، وكثيراً ما تتهم بالكذب والافتراء، كذلك من السهولة اتهامها بشرفها، ما يعطي المتحرش دافعاً قوياً للتحرش مرة أخرى، لذا تضطر الضحية إلى الهرب من المنزل، والكثيرات منهن يهربن بسبب فقدانهن الأمان.”