إذا فسد الملح

891

نرمين المفتي/

تقول أسطورة عراقية، إن إلهاً عراقياً كان يتناول طعامه فسقط بعضه على جسده فالتقطه وأكله واكتشف ان طعمه اصبح لذيذاً وعرف ان لجسده طعماً فريداً ليقرر ان يرمي بنفسه في البحر ويذوب ويعطي طعم جسده المالح الى البشرية كلها.

واستناداً الى هذه الأسطورة، فإن للملح قدسية كبيرة في الموروث العراقي بحيث اصبح رمزاً ليس للطعام فقط، إنما لكل عمل طيب ولعلاج الجرح ومطهراً للخبيث.

واصبح الشخص الفاعل للخير اوالموظف النزيه يوصف بأنه كالملح، يسند للسيد المسيح قوله لحواريه ” أنتم ملح الارض واذا فسد الملح بماذا يملح “.
في العراق الحالي حيث الفساد والفوضى، يفترض بان الصحفيين اوالاعلاميين هم ملح المجتمع، ملح يمنح طعما للحياة، ويوضع على الجرح ليشفى رغم وجعه.

لكن اذا فسد هذا الملح، بماذا يملح المجتمع والعراق؟

ان العراقي، واقصد المواطن، الذي ينتمي الى العراق قبل اي انتماء آخر والذي هو ملح الارض يتحمل ما لا يقدر اي إنسان آخر على تحمله لأجل استمرار الحياة في وطنه، ولكن فساد بعض ملح المجتمع، واقصد الاعلام، بمختلف وسائله، المقروء والمسموع والمرئي والالكتروني والذي يشوه الأخبار ويتستر على فساد البعض ويبتز آخرين فأنه يتسبب بتضخم الأخطاء وتفاقمها.

لابد من قراءة جادة لوسائل الاعلام العراقية سواء التي تبث وتعمل من الداخل اوتلك التي في الخارج، قراءة تضع النقاط على الحروف.

الحل ليس في غلق هذه الوسيلة اوتلك، إنما بكشف من يضر بالعراق، ووضعه امام المتلقي بالوثائق وما ارتكبه ضدنا وضد البلد وترك القرار له.

ان غلق أية وسيلة اعلامية يجعل منها (شهيدة) الاعلام ويجعل المتلقي اكثر ايمانا بما كانت تبثه من سم مدسوس بالعسل، ولابد لنا القول ان بعض مراسلي فضائيات عربية أصبحوا يبثون الأخبار المشوهة تحت ذريعة (لقمة العيش).

ان فساد بعض ملح المجتمع أشد ضرراً من الفساد المالي والإداري الذي ابتلينا به ومن الإرهاب والعنف،لانه المبتدأ لاستمرار هذه المشاكل.

دائما هناك وقت للإصلاح والتسامح والاعتذار، وحياتنا كي تعود طبيعية، نحتاج ان نفرق بين الغث والسمين، ان الذي يقبل بكل هذه الأخطاء، يعني انه مشارك بها، لنبعد هذه التهم عن أنفسنا ونبدأ بالإصلاح، يا بعض ملح المجتمع.

واخيراً، لابد ان نفرق بين الجرأة الصحفية والصفاقة، بين قول الحق والتجاوز وبين الابتزاز وكشف الفساد، وبالمناسبة، الصحفي ليس قاضياً اوشرطياً إنما هو ضمير.. وقبل ايّام مر عيد الصحافة بهدوء ودون احتفالات، كل عام والصحافة العراقية النزيهة بخير.