“جيسيكا”.. بلسان عراقي!

41

جمعة اللامي/
لا تريد أن تكون شاهدة في صخب وضجيج إعلامي رخيص، يجعل منها “ورقة” في حقيبة سياسي ذرائعي، أو طابوقة تحت قدم أحد أعضاء الأحزاب الأميركية.

“إذا ما ارتكبت إثماً، فانتظر أن تتألم”
(سوفوكليس)
تخلّت المجندة الأميركية “جيسيكا لينش” عن صورة “البطلة” التي صنعتها لها الآلة الإعلامية الرأسمالية أثناء الحرب بين إدارة بوش والنظام المهزوم، وقالت لمحطة “ايه – بي – سي” التلفزيونية: “أصيب سلاحي بعطب ولم أطلق رصاصة واحدة، ولا اعتبر نفسي بطلة.” وذكرت أسماء رفاقها الجنود الذين أسرتهم القوات العراقية، أو الذين أنقذوها من الأسْر في أحد مستشفيات البصرة. وارتاحت تلك البنت السمراء، لأنها قالت الحقيقة، ولأنها لا تريد أن تكون شاهدة في صخب وضجيج إعلامي رخيص، يجعل منها “ورقة” في حقيبة سياسي ذرائعي، أو طابوقة تحت قدم أحد أعضاء الأحزاب الأميركية، الذي هو على استعداد لتوظيف عذابات شابة عادية، بطريقة لا أخلاقية.
كنت أُقلّب “بطولة” جيسيكا في موقفها هذا وأنا في طريقي إلى عزلتي المختارة، وإلى جانبي رفيق العمر: غريب المتروك، ونحن نستمع إلى تقرير موسع بصددها من إحدى الإذاعات الأوروبية. ندّت عن غريب المتروك سانحة منطوقة:
ــ كم أتمنى على “أبوعشتار” أن يكتب الآن “قصيدته الرائعة” التي لم يكتبها بعد.
و”أبوعشتار” شاعر عراقي، تعرض إلى الاعتقال والتعذيب الوحشي في نهاية عقد سبعينيات القرن الماضي، ما تزال آثارهما واضحة على مناطق متفرقة من جسده.
سألني المتروك:
ـــ ” أنت رأيت تلك الآثار؟؟.
نعم، يا صديقي. واستمعت إلى ذلك الشاعر العراقي، في منزلي، لاكثر من أربع سنوات، وهو يروي على مسامعي، كيف تعرض إلى تشويه ضميري، وأخلاقي، على أيدي مجموعة من الأوباش الذين تاجروا بآلامه ومشاعره، كما تاجر الأميركيون بمشاعر “جيسيكا”. قال أولئك الأوباش أن “أبوعشتار” تعرض إلى عملية إغتصاب جنسي، وأذاعوا النبأ على نطاق واسع، وسجلوه في وثائق منظمات عالمية تعنى بحقوق الإنسان، من بينها منظمة العفو الدولية.
لكن “أبوعشتار” ينفي أنه تعرض إلى تلك العملية المشينة، ولقد استمعت إليه وهو ينتحب عندما يتذكر ما نسبه إليه كذباً أولئك الأوباش، وكان يقول إنه أُوذي بكرامته وشرفه، وأن الأبطال الحقيقيين هم الذين تعرضوا إلى أمثال تلك العملية الوحشية في الزنازين الحكومية، وظلوا صامدين وصامتين. بل إن هذا الشاعر الرقيق، لا يزال حتى اليوم، يتحمل عذاباً خاصاً، لأنه اكتشف، فيما بعد، أنه كان “ورقة” لعب بها أناس تشهد سيرتهم السياسية والأخلاقية، أنهم لا يقيمون وزناً إلاّ لمكاسبهم الرخيصة، ولا يأبهون لشرف رفاقهم ورفيقاتهم.
سألني المتروك: لماذا لا تذكر حكاية صاحبك، بالأسماء؟
ـــ لا يا غريب، ليس هذا ثوبي. فانا أحترم حزنه وألمه، وربما يكتب “قصيدته” المرتقبة والمؤجلة ذات يوم. ولأنني أريد أن يبقى الذين آذوا “الشاعر أبو جميلة” في فضاء الإثم والفضيحة، أحياءً وأمواتاً.

جمعة اللامي..
ملاحظة: أخي العزيز الأستاذ إياد، كتبت اسم الشاعر كاملا مرفوعاً أو منصوباً، من منطوق جمالي.